كثر الكلام عن “الكورونا” بكل لغات العالم وبمختلف صنوف الكتابة العلمي والادبي .. السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكاهي والطبي والديني والأجناس الأدبية …الايجابي والسلبي .. المنطقي واللامنطقي .. الصادق والكاذب.. الموضوعي والمنحرف عن السياق العقلي …
وصار من الطبيعي أن نقرأ عن “الكورونا” اختزالاً لفايروس الـ COVID-19 الذي يسبب التهاباً رئوياَ. وبدأ في مدينة “ووهان” الصينية والتي هي بالمناسبة من أجمل مدن الشرق الأدنى ومدينة متطورة جدا وهي عاصمة مقاطعة هوبي ..
وكما هي العادة في المجازر الثقافية الاعلامية التي تحصل يوميا فمدينة “ووهان ” ليس كما تصورت لنا مدينة قاحلة فقيرة مليئة بالناس المتخلفة من آكلي الحشرات.. بل هي المركز السياسي الاقتصادي الصناعي التجاري الثقافي العلمي لوسط الصين بمصانع الحديد والطرق السريعة وجامعة التكنولوجيا ومراكز البحوث وبأكبر محطة توليد للكهرباء في العالم على نهر اليانغستي..
ولأن سفيه الكلام والتصرف كثير ليس أوله أو آخره ارتداء الكمامات والقفازات البلاستيكية صينية الصنع !! من الأصحاء علماً أن ارتداءها لزاما على المرضى والكادر الطبي في المشافي والمراكز الصحية وفق كل ما جاء به أهل الطب ..
الكمامات والقفازات البلاستيكية التي لربما قد تم توضيبها في مدينة “ووهان” خلال كانون الأول أو الثاني بداية اكتشاف المرض وقبل معرفة الفايروس المسبب له!!
ولأن أساليب التخويف وإثارة الهلع والتوتر للناس لا حصر لها وتكاد تكشف العيوب الأخلاقية الكبرى في مجتمعاتنا وتكشف بلا زيف الأمراض الذهنية لدى البعض ونظرته الاستعلائية بالنظافة وبالحرص مقارنة بمن هم حوله سواء من أبناء دول العالم المتحضر أو الدول المجاورة أو ضد أبناء جلدته ومدينته وبلدته وزملاء عمله الذين ربما أفرحهم إغلاق العمل بعيداً عن الصباحات المقززة التي تسببوا بها بالسلوك وبالأقوال وبالأفكار أحياناً كثيرة…
ناهيك عن قيام المبادرات الواهية دون أي اكتراث بالفقير والمريض والمحتاج والأفواه التي تأكل من تعب يومها خصوصاً وأن المنطقة العربية بكاملها قد أنهك اقتصاداتها وأهلها الحروب سواء في البلاد العربية التي أعلنت الحرب الجائرة على بلاد عربية أخرى أو تلك البلاد التي دمرت الحروب كثير من منظوماتها الخدمية والعلمية والطبية بادعاءات التطور والحرية والانسانية .. الحروب التي أفرغت استراتيجيات الدول العربية من منظومات الطبابة الطارئة والصحة العامة وأفرغت جيوب كثير من الناس من القروش البيضاء المخبئة للأيام السوداء …
خرج علينا البعض بمبادرات عبر وسائط المجتمع الافتراضي واهية لأغراض انتخابية قادمة أو لأغراض جاهية لا معنى لها .. لم يمضي على صدورها سويعات حتى تم كشف زيفها دون أن يكثرت أصحابها أنهم قد كشفوا وتابعوا اللهاث عبر الفضائيات والبث المباشر على وسائط المجتمع الافتراضي والرسائل الصوتية والمنشورات النصية بأنهم على ساحة الصراع ضد “الكورونا” مدعومين من “الفانز” أو كما أرغب أن أوضح “الكورونات” ..
وخرج علينا البعض بمبادرات حقيقية فاعلة بدأت عبر وسائط المجتمع الافتراضي لها استنادها وجهوزيتها على أرض الواقع وأثمرت نتائج أضاءت العتم لكثير من العائلات المثكلة بالألم والعجز والمثقلة بالعوز والفقر
كما خرج علينا الكثير من أهل الفن والرياضة والسياسة والجاه والسطوة والمال ليخبروا “الفانز” أن يلزموا بيوتهم كموقف استنساخي لمواقف كثيرين ..
وكما هو لا مستغرب أبداً من أهل “الفانز” أنهم لم يأتوا على أن تجربة “الكورونا ” هذه وضعت على المحك عبثية القواعد الاجتماعية للمجتمع المعاصر وابتعدوا عن أي إيضاح أن العلم بكل صنوفه هو معيار تطور المجتمعات وهو مقياس تحضر الأمم وهو بوصلة التقدم والأمر مرده سببان اثنان على الأقل وفق ما أراه :
الأول: أنهم وفي زمن ما قبل الكورونا كانت القواعد الاجتماعية لأهل “الفانز” بكل أنواعهم وفئاتهم قائمة على قاعدتين اثنتين : الأولى (نحن في زمن معاك قرش بتسوى قرش) والقاعدة الثانية : (علي أن أرسل أولادي لأوربا أولأمريكا ليدرسوا الاقتصاد أو الطب أو علوم الادارة وأبعدهم عن هذا الواقع الرث وعن هذه المجتمعات الفاسدة المتخلفة) متناسين عن سابق قناعة وتعنت وجهالة أنهم أحد أدوات جعل هذه المجتمعات فاسدة متخلفة تحكمها الجهالة لا العقل يحكمها الرث لا الثمين تحكمها الآراء لغير أهل الاختصاص..
والثاني: مرده الهرب تماما من أن يتكلموا بإيجابية عن العلم مما قد يجعلهم يضعون أنفسهم في مشاحنات افتراضية مع التيار الديني المسيطر على كثير من الميديا والكتل البشرية.. وليس ما أقصده هنا التيار الديني العقلاني المؤمن بالله وبسمو الرسالات الواعي لمخاطر انحراف التدين وشذوذ التمذهب .. المدرك لمخاطر التشتت والتفتت والتشرذم بعد كل ما أصاب البيئات الاجتماعية من تدمير وتقسيم وتهديم للقيم وللرموز … بل ذلك التيار التديني الالغائي الاستعلائي الاصطفائي لأهله دون الآخرين.
وأكثر ما يلفت النظر في فقاعيات “الكورونا” الحاصلة هو فوضى الانشائيات الكلامية والصوتية والفيديوية الاختصاصية منها والتعبيرية منها والعبثية منها ..
فانكب الاعلام العربي مثلا على افتعال ارقام وتصريحات وافادات لمنظمات صحية عالمية واقليمية ضد دول بعينها كمنبر لتصفية حسابات أساسه أننا أهل الطهارة وغيرنا أهل النجاسة أننا أهل النظافة وغيرنا مقتول بأوساخه وأكلاته الشنيعة متناسين مثلا أنه وعلى بعد بضع كيلومترات من أي استديو تجري حياكة هكذا الاكاذيب ضمنه يجلس مجموعة من الرجال يأكلون الضب المشوي والجربوع المشوي وهم يدعمون رؤساء بلديات مشغولة بصفقات فساج لأزمات القمامة التي لا حل لها … ناهيك عن إنشغال ذهنية الكثير من أهل “الفانز” بإيجاد وسائل التواصل والالتقاء بالعشيقات والمعشوقين .. بشركاء الصفقات المشبوهة فلا مطاعم ولا فنادق ولا ملاهي ولا من مجال لسيارات تقف طويلاً وبأمان على طرق الربط بين المدن …
كل هذا وغيره الكثير الكثير لأنهي مقالي هذا بسؤال ..
سؤال قد تكون اجابته لدى البعض بحث علمي اجتماعي دقيق وللبعض تهكم ممجوج بالتسطح، سؤال بمقدمتين أساسيتين :
المقدمة الأولى: وباعتراف منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية ذات الشأن وبالوثائق والأرقام والصور.. يموت في العالم وكل يوم آلاف الناس من الكوليرا ومن الجوع ومن الحرب في أكثر من بقعة من بقاع الأرض من عالم الشمال وعالم الجنوب على تراب شرقها وعلى تراب غربها ناهيك عن الجرائم البشرية ضد الطبيعة في الجبال والوديان وتحت الماء وفوق وتحت جليد القطبين..
المقدمة الثانية: انشغل العالم قبل عشر سنوات من الآن بكل أشكال التواصل الفضائيات، المجتمعات الافتراضية، المنتديات، الجمعيات، المنظمات بخروج الناس من بيوتها ومن مراكز عملها نحو الشوارع والساحات في تجمعات ومظاهرات للحرية وللسيادة ولإعادة انتاج الدساتير والأنظمة السياسية ..
وهاهي الآن ذات أشكال التواصل الفضائيات، المجتمعات الافتراضية، المنتديات، الجمعيات، المنظمات تدعو ذات الناس لملازمة منازلهم بعيدا عن أي نوع من أنواع الاختلاط حتى مع أقرب الناس لهم .
هنا يكمن السؤال : هل الكورونا جريمة العقد القادم بالتأكيد على أن “الكورونات ما تزال تحت السيطرة”؟!.
أبعد الله عنكم وعن عباده أجمعين من مختلف الأديان والمشارب والأعراق والعقائد المرض والضنك، ومن سوريا لكم أماني العافية وعليكم السلام..
*الفانز: قائمة المتابعين لحساب انستغرام أو تويتر أو لربما لدى البعض فهو يعتبر قائمة الأصدقاء ضمن حسابه “الفيسبوكي” عبارة عن “فانز” يقعون ضمن الأملاك الشخصية..