ادارت الحكومة الامريكية الوجه بكامل إلتفاته إلى السعودية بعد ان اشاحت عنها لفترة من الزمن في ظل تراكم مجموعة ازمات، إذ تتوالى الزيارات السياسية والامنية وآخرها الزيارة المهمة لمستشار الامن القومي الامريكي سوليفان، والتي جاءت متزامنة مع وجود الشخصية الاماراتية اللغز الامير طحنون بن زايد مستشار الامن القومي الاماراتي ومستشار الامن القومي الهندي في جدة، ومعهم منسق العلاقات في الشرق الاوسط وآخرين، وقد اشار سوليفان في جلسة مقصودة في معهد واشنطن بشرت بزيارته للسعودية انه يسعى الى استكمال اتفاق ابراهيم من خلال ضم السعودية إليه، وتطبيع العلاقات مع اسرائيل.
انتج التنسيق الامريكي الشرق اوسطي اتفاق (I2 U2) والذي يضم (امريكا والهند واسرائيل والامارات) لتشكيل تحالف امني اقتصادي، هدفه الاساس مواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني ومعطياته في المنطقة، والتي ظهرت بوضوح من خلال قدرة الصين على تسوية ملفين كانا في غاية التعقيد هما العلاقة السعودية – الايرانية المأزومة، وتسوية الصراع اليمني الذي كان عقدة شائكة، حيث سهلت الوساطة الصينية الوصول الى اتفاقات كانت مفاجئة للمنطقة والعالم.
الثابتان الرئيسان (أمن اسرائيل وتأمين الطاقة) هما المحور الاساس في هذا الصراع، الذي يتداخل بشكل معقد مع مجريات الحرب الروسية- الاوكرانية ومخرجاتها، والترسيمات القلقة للتحالفات والمحاور التي تتشكل في ظلها، إذ تطغى على المشهد حالة زئبقية تجعل من المتعذر القبض على صورة واضحة له.
تلعب امريكا في المنطقة بمصفوفة من الادوات، تسعى من خلالها للإبقاء على دائرة تحالفاتها التقليدية من جهة، وتكوين جدران صد جديدة من جهة اخرى، ويمثل الجدار الممتد من الهند إلى اوربا عبر الخليج وتحديدا عبر الامارات واسرائيل، احد اهم هذه الجدران، وقوامه (الاقتصاد والامن)، والذي تتدرع به وخلفه لصد الزحف الجيوسياسي الروسي الصيني الايراني ومن يقف في اطار هذا الحلف، فيما توظف الجدار الاوربي في المنطقة الاوراسية لتطويق التمدد الروسي، وحسم الصراع مع روسيا في حدود اوكرانيا، وفي الاتجاه المقابل تسعى كل من روسيا والصين وايران لكسر هذه الجدران وإعادة تشكيل اجزائها وفق مصفوفة مصالح اخرى، وفي ذات الوقت تعمل على تعطيل قدرة الفاعلين في هذه الجدران بواسطة الادوات الصلبة والناعمة.
اننا امام مشهد مركب من حروب معلنة ومستترة، وحالة مربكة للعلاقات الدولية وصورة زئبقية تنزاح يمينا وشمالا في ظل متغيرات تختلف في كل يوم.
انطلاقا من هذه الصورة، لا بد للعراق ودول المنطقة الاخرى، ان تقرأ متطلباتها الجيوسياسية بعناية فائقة وبدقة متناهية، وتأخذ بعين الاعتبار كل حيثيات هذه الصورة المعقدة للمشهد العالمي، وتحسب الامور مرة بنظام افضل الارباح واخرى بنظام اقل الكلف والخسائر، وان تضع لها ثوابت واضحة لمصالحها الوطنية، تقترب او تبتعد من هذا الموقف او ذاك بحسب تلك الثوابت، وان تطور ادواتها لمواجهة اثار وتداعيات هذا الصراع العالمي الكبير.
(امنيا)، يمكن لتحالف او على الاقل تفاهم متقدم يضم (العراق، سوريا، تركيا، ايران)، ولاحقا يستقطب الاردن والكويت ومصر، ان ينتج طوقا من التحصين الكفوء لجملة من التهديدات والتحديات المحلية والعابرة للحدود.
(اقتصاديا)، تعد الصناعات التشغيلية وتطوير القطاع النفطي واعتبار تأمين الامن الغذائي اولية قصوى، مدخلا مهما لإقتصاد مستقر وقادر على تجاوز الازمات ويفتح الباب واسعا لتنمية شاملة.
(سياسيا)، يمثل ترتيب البيت الداخلي، وتجاوز الخلافات، واشراك الجميع وتشجيع المقاطعين على العودة إلى المشهد السياسي، وتوحيد الخطاب الخارجي، ومركزة القرارات العليا بشكل اكبر بعد ان يتم مناقشتها وتحقيق وفاق وطني حولها، اهم الاستحقاقات للوصل إلى حصانة سياسية كافية تجاه كافة التقلبات في المنطقة.