تعتمد معظم مناهجنا على تكوين طبقات من الاسماء والجمل الخبرية عن المعارف والعلوم، وتقدم المعطيات كحقائق جاهزة، ووظيفة الطالب حفظها والاستاذ توصيفها دون ان تحوي فضيلة السؤال عن كيفية تكونها، وآليات تشكلها، واسباب نتاجها، وما ورائياتها، وعلى ماذا اعتمدت، وهل هناك مجال لمناقشة صدقيتها.. َ
انها مناهج تفتقد إلى الاستفزاز المعرفي بخلاف المناهج القائمة على فكرة السؤال والاستثارة، فحتى العقول البليدة مجبرة ان تنخرط في التفكير والسؤال وجدل المعرفة… فتلك التي تحوي استفزازا معرفيا، هي انعكاس لقيم مجتمع لا يخاف خطورة السؤال، ولا يمنع من طرحه مهما كان جريئا، بينما يختلف الوضع في مجتمعنا، إذ يتسق معه المنهج المتجمد النمطي التلقيني الذي يشجع الصمت والاستسلام الاجتماعي والسياسي، وهو ما تريده معظم الانظمة والنخب السياسية، فهي تخشى النقد والاسئلة التي تبحث عن خلفيات المشهد وماورائياته.
المناهج غير المستفزة وغير النقدية، لا تراكم معارف جديدة، ولا تهز ابنية قديمة، ولا تفتح المجال لتفكير اكثر عمقا..
طبعا لا بد لنا ان نفرق بين الهرطقة والاسفاف والشغب وبين الحراك الفكري والتساؤل المعرفي وفضيلة النقد المنتج..
يفقد طلابنا معلوماتهم التي حصلوا عليها، والتي هي على شكل كتل من الاسماء والحقائق بسرعة، لانها لا تركز في الذهن بخلاف المناهج التي تعلم الاسئلة والبحث في الكيف فانها تركز افكارها في اعماق الطلاب وتبقى حاضرة لوقت طويل، ويتحول نتاجها إلى ادوات يمكن توظيفها بمعارف اوسع واشمل.
التطور في منظور منهج الحفظ او المرحلة المتقدمة منه، هي زيادة عدد المحفوظات والدخول للتشقيقات والتفاصيل وحفظها، فيما تعني المرحلة المتقدمة في منهج الاستفزاز المعرفي اسئلة جديدة اكثر عمقا واكثر اثارة واكثر فتحا للتفكير.. فهي مقاربات مختلفة لفهم اعمق للحقيقة…
المعرفة الحفظية معرضة للانقراض والتلاشي دوما، فيما المعرفة السوآلاتية تنمو وتزدهر بشكل مطرد وتتكيف مع كل مراحل التطور…
تعاني المعرفة التلقينية من سلطة السلف بشكل صارم وحاد، فهناك احكتار لانتاج الحقائق والمفاهيم، فيما تسمح المعرفة الجدلية النقاشية بانتاج جديد وتجاوز الترسيمات التقليدية اذا كانت غير موفية بالغرض…
العلوم الانسانية عندنا لا تستحضر الانسان بشكل يجعله محور اسئلتها العميقة.. بل هي منشغلة في توصيفه فقط، ومعظم نتاجها مراكمة اكبر من التوصيف للظواهر دون الانشغال في الاسئلة الكامنة خلفها، ويعود الخلل في ذلك الى نوع المناهج المستخدمة والطرق التقليدية للبحث.
لن تتقدم المعرفة عندنا ما لم :
– نتحول في الجامعة من التلقين الى البحث والحوار والجدل المعرفي.
– يعاد النظر في فلسفة الامتحان وطريقة ادائه.
– وظيفة الاستاذ وما ينبغي ان يقدمه.
– وظيفة الطالب وما يجب عليه.
– اعادة النظر في مكانة الجامعة والمدرسة في ضوء مهمتها المعرفية.
– اعادة اختيار المواد الدراسية علي اساس المتطلب النهائي الذي نريد انتاجه من هذا الفرع الدراسي.
– اعادة النظر بشكل شامل وكامل في معظم موضوعات الدرسات العليا وطريقة الدراسة ومنهج البحث العلمي.
– الانتصار للتفكير على حساب الحفظ والتلقين.
