نعم ، شعر بعضنا بالتقصير ولكن متأخّرا ، لكن كم يحزّ في نفسك ،حين تقرأ مانقل عن صفحة الأديب عادل محمود ، أنه لم يكن يعرف ما تناقلته أجيال ، أن ،، قبرالأمير،، أبي فراس الحمداني، في بلدة ،، صدد ،، حتى زارها 2010 مشاركا في مهرجان عراقتها .
بقدر ما أسفت لذلك ، بقدر ماسررت بصدور كتاب طادروس طراد ( أبو فراس الحمداني ..ومصرعه في صدد )أبو فراس الحمداني ومثواه في صدد، كما حين نوّه الصديق الشاعر توفيق أحمد ،لهذه الواقعة التاريخية ،خلال تقديمه لمخطوطي ،، الإعلام والناس ،، منوّها بوسط نشأتي ، وتكرّرت الغبطة في رسالة تلقيتها من الصديق الناقد د. عادل فريجات ، مثلما كان ينتابني شعورسار ، حين تصادفني في محرك البحث ، دراسة أو مقالة ،لاتتجاهل دفن الأمير الشاعر في تراب صدد ، فكيف إذا مانشرت جريدة عربية أو موقع إلكتروني، خبرا عن إحياء صدد لذكراه ، يوم بادر كاتب السطور للفكرة ، ووجدت تجاوبا عمليا وتحفيزا من لجنة أصدقاء المركز الثقافي ، والأهم ؛ صدى واسعا بحضور حاشد ومتنوّع .
الواقعة ، كما روتها كتب التاريخ: ((كان أبو فراس الحمداني [واسمه الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الرَّبَعي] أميرا على حمص، فجرى وحشة بينه وبين ابن اخته سعد ،، أبي المعالي ،، بن سيف الدولة ، وكان للأخير حين توفي مولى اسمه قرغويه ، طمع في التسلّط، فنادى بابن سيّده ،،أبي المعالي،، أميرًا على حلب، آملًا أن يبسط يده باسم أميره على الإمارة بأسرها، فأوفد أبو المعالي جيشًا بقيادة قرغويه، فدارت معركةٌ قُتل فيها أبو فراس، ذلك في ربيع الأول سنة 357 هـ (4 نيسان 968م) في بلدة صدد جنوب شرق حمص )).
ذكرى مقتله ، كانت موعدا لاحتفالية سنوية 2007-2009 ، وبما يعوّض عن تقصير ، خاصة بعد غفلة نقل رفاته الى قلعة حمص ، ومن دون ذكر مكان دفنه في اللوحة التذكارية للنصب الذي أقيم له هناك .
فكيف لا يحتفى بأمير الفروسية والشعر، بل ملكه ، على رأي الصاحب بن عباد : (( بدأ الشعر بملك وانتهى بملك ، بدأ بامرئ القيس وانتهى بأبي فراس الحمداني )) كيف لا ! والقائل :(( الشعر ديوان العرب )) كان صنو المتنبي ، ولولا مصرعه المبكر لكان له شأن آخر في الشعر كما في الحكم .
أما نقل الرفاة على حين غرّة ، فقد وجد صداه الشعري عاجلا لدى الشاعرين طا دروس طراد ويوسف حنون في قصيدتين ، لكن كان لهما أيضا وقعهما في الاحتفاليات ، ،،أبو فراس مقيم ما أقامت ،، صدد،،عنوان ذي دلالة لقصيدة طراد :
((أيرحل عن أرض المحبّين عاشق وتبقى له فيها الصبابة، والذكر
فكيف “عصيّ “الدمع” تجلو رفاته وفي أرضنا السمراء تضّوع العطر
عتابي على الأصحاب، كيف الذي جرى أنسمح بالأبطال، أينك يا كبر
تبّخرحلم ، راوّد العمر طيفه فهل نشهد التمثال، إن أسعف العمر؟
ففي “صدد” السمحاء، قامت قبابه ومصرعه فيها، وفي تربها التبر))
حسر ة جماعية ، صاغها أيضا الشاعر حنّون ،، أبو طلال،، في قصيدته ،، وداعا أبا فراس ،، نشرتها جريدة العروبة الحمصيّة ،في لفتة مقدّرة لها ، بعيد نقل الرفات وممّا قال فيها على وقع موسيقى حفيدته:
((إنّ ركب الأمير ينوي رحيلا فاحضنيه يا عين بالأهداب
أين أزمعت يا أمير ، فمهلا أمللت المقام بين الصحاب؟
أم سئمت التراب ، والحق أنت في صميم القلوب لا في التراب
أم نسيت الجوار والناس فيه لايحبون فرقة الأحباب ))
الشاعرة أمل خشوف ، عبرت عن افتخار صدد بالحمداني ، بما ينمّ عن تعلّقها بذكراه وواقعته التاريخية ، فاستحضرت مناقب الشاعر الفارس على وقع قصيدة ،، روائع السيف والقلم ،، التي خصّته بها :
((أبا فراسٍ أطِـلَّ اليـوم َعن كـَثَبِ
واسـمعْ مدائـحَ عن سـاداتِنا النُّجـبِ
ياشاعرَالحربِ خُضْتَ الحربَ مفتخراً
وقلتَ : خوضُ حياضِ الموتِ من إِرَبي
يافارساً ماكَبَتْْ في الحَـربِ قُدرتُـهُ
وإن أُسِــرْتَ فما أثنــاكَ عن طلـبِ
هي الشَّجاعةُ إنْ حربٌ وإنْ طَـرَبٌ
إنْ تظهر الصَّـبرَ في الأَمرْيـن تُسـتَجَبِ
وإنْ ذََكَرْتَ القِرى أَنتَ الذي أَلِفتْ
قِـرى يمـينـِك آلافــاً مـن العــَرَبِ
أحببْ بذكـرِكَ ذكراً تلكَ مَكرُمَــةٌ
خـلـَّدتَ فيها من في الأَمـْجـادِ والأدبِ))
كما أزجى الشعراء الضيوف عبد الكريم الناعم ، مجيب السوسي ، محمد وليد المصري ود.غسان لافي طعمة ، في قصائدهم التحايا للشاعر الذي عرف بشجاعته وصبره على الأسر والملمّات، وكان للموسيقى حضورها بمعزوفات رائعة للموهوبتين ،، مرح وقمر صافي عساف ،،.
كان طبيعيا حضور شعر أبي فراس ذاته ، قراءة من طلبة الثانوية ،،مطانس مقصود ،، ، وغناء ،، أراك عصي الدمع ،، شدتها رنيم بركات على وقع موسيقا جميل عمّاري ، وذلك بتوجيه وإشراف مدرّسة العربية ليلى الشيخ ، ، فيما قدّمت مدرّسة العربية مريم كدر ، بحثاً عمّا تجلّى من طموح وبأس في شعر الأمير ، وعن مقتله المبكر الذي حال دون تحقيق طموحاته، قبل أن تقدّم دراسة لجانب من روميّات “الحمداني” في احتفالية ثانية، وقد ضمّنتهما نماذج من شعره بإلقاء شاعرة منغمسة في مقاصد الحمداني ومعانيه .
وكان لطراد دراسة مقارنة ،، بين المتنبي..وأبي فراس ،، وأخرى للمرحوم المربي تادروس الشيخ ، عن أبي فراس وشعره، فيما قدّم المؤرخ د. منذر الحايك بحثا عن ولاية الحمداني في حمص ،منوه باسفه لنقل رفاته من مثواه في صدد.
وفضلا عن قصائد الحمداني وأبحاثه ، كان بدهيا أن يحتفي الشعراء بأعياد الجلاء وأبطاله،من يوسف العظمة ، إلى سلطان باشا الأطرش ،كما بأعياد الأم والمعلّم ، فيما نثروا بعض أزاهير أشعارهم من وجد وغزل ، كما عقدت حلقة كتاب عن مجموعتي الشاعر يوسف حنون “نزيف الحروف وأضواء“” تحدّث فيها الباحث تادرس الشيخ والإعلامي سعد الله بركات ، عن مضامين قصائد حنون، وما تضوّع من حنين لبلدة وحب لوطن.
المشاركة اللافتة كانت لتلاميذ ،،مدرسة أبي فراس الحمداني ،، آنذاك ، وللعرس الصددي الذي قدمته فرقة الشبيبة والطلائع ، وسط تكريم اربعة من روّاد البلدة في التعليم ،، تامر بجور – فرج مقصود – حبيب العرب – يوسف بطش ،، .
كان مأمولا ولايزال ، إحياء احتفالية الحمداني ، كما هو الأمل بنصب تذكاري ، أقله شاخصة وسور لمكان القبر، لقد بذلت محاولات وماتزال ، ويظلّ القصد الملحّ، ترسيخ علاقة هذا الأمير الشاعر ببلدة ضمّه ثراها (شمالا ) لألف عام ويزيد.. تخليدا لذكرى وتنشيطا لذاكرة .
هوامش
=====
- قصيدتا طراد وحنون وردتا كاملتين في كتاب الأول ،، أبو فراس الحمداني من الصدر إلى القبر ، ومصرعه في صدد ،الاسكندرية 2020 ، وقد وثّق ل15 رواية تاريخية عن دفنه في أراضي ،، صدد ،،.
- قصيدة أمل وردت في مخطوط مجموعتها ،، على ضفاف الأمل،،
- بادر كاتب السطور لاطلاق الاحتفالية بالتعاون مع المركز الثقافي ولجنة اصدقائه