( ١ )
* كانت القبائل المتواجدة في وادي الفرات تدين بالنصرانية قبل الفتح الإسلامي، تحج إلى الكنائس في مدن الفرات والجزيرة الفراتية ، وكان لها مزاراتها الخاصة وقديسيها ، فكانت قبيلة تغلب تحج إلى الرصافة وكنائسها ، وتزور القديس سرجيوس وتقدم له النذور . وكانت هذه النذور من الوفرة بحيث دعت السلطة الرومانية إلى أن تبني سوراً على مدينة الرصافة لحماية وصيانة النذور . وقد نبغ في أبناء القبائل العربية في الجزيرة الفراتية ووادي الفرات أحد عشر أسقفاً ترجمت لهم كتب الكنيسة .
لقد ساعدت هذه القبائل الفتح العربي لوادي الفرات والجزيرة الفراتية بدافع من قوميتها العربية وقد حرصت على ذلك بالرغم من أنها كانت في حكم الفرس والروم ، ولا عبرة لوجود فئات عربية في جيش الروم ، كانت فيه قبل الفتح العربي .
وكانت لهذه القبائل لغتها العربية بكل مقوماتهاوأدبها العربي وشعرائها قبل الاسلام وبعده . يحتلون مكانة مرموقة في تاريخ الأدب العربي القديم والحديث ، بل يشكلون قمة هذا الأدب . أمثال الشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي ( السيد الفارس) وأحد أصحاب المعلقات ، وأبي زبيد الطائي والأخطل شاعر بني امية ، وأحد ثلاثة شعراء متفوقين ( جرير والفرزدق ) في العصر الأموي ، قمة عصور الأدب العربي ، ومنصور النمري والعتابي وربيعة الرقي والبحتري وأشجع السلمي وأبي فراس الحمداني ودعبل الخزاعي ، وعوف بن ملحم الخزاعي ..وغيرهم من شعراء المدن الفراتية والريف في الشامية والجزيرة .
كانت ولادة مناطق وادي الفرات وجزيرة العرب فرسان شعراء ، يقولون الشعر ويقدرونه ، ويرعون الشعراء والأدباء ويجزلون لهم العطاء ، فلا عجب أن عرف وادي الفرات حركة شعرية وأدبية مزدهرة في العصرين الأموي والعباسي ، تمتاز بالأدب الرفيع الخالد .
كانت جيوش تدمر تعتمد على محاربين من أبناء القبائل العربية في وادي الفرات والجزيرة الفراتية وهم أبناء عمومة ، وقد عرف الفرس والرومان لجيش تدمر بأسه وقوته وشدته ، فمنحوا قائده أذينة وملكة تدمر زنوبيا أعلى الألقاب وأسمى المراتب . وكانت الجيوش العربية الذاهبة إلى أرمينيا والحدود البيزنطية في العصر الأموي والعباسي ، تعتمد على المحاربين في وادي الفرات ، وكانت مدينة الرقة قاعدة لتجمع هذه الجيوش وتموينها بالمواد والرجال المحاربين . وعلى القبائل العربية في الفرات والجزيرة قامت الدولة الحمدانية والدولة المرداسية والدولة العقيلية وغيرها من الامارات . وكان جُل جيش سيف الدولة الحمداني من الفراتيين حيث امتدت مملكته من حلب إلى عانة، وكذلك شاركوا في جيش صلاح الدين الأيوبي الذي انتصر على الصليبيين في حطين واسترد منهم القدس وفلسطين ، وكذلك استعانت دولة المماليك في مصر والشام بهم لقتال التتار ، حيق انتصروا عليهم في معركة عين جالوت …وجاءت أفواج عربية أخرى من قلب الجزيرة العربية إلى ريف الفرات قبل الاسلام وبعده وسكنت وادي الفرات وسهول الجزيرة الفراتية ، واستقرت بعد قتال طويل ومرير فيما بينها وبين الأتراك الذين حكموا البلاد مدة أربعة قرون ، والانكليز الذين حكموا مدة سنة ، والفرنسيين الذين حكموا مدة ربع قرن . مع كل هذا حافظت القبائل العربية في وادي الفرات على كيانها ولغتها وحريتها ولم تخضع لهم . وانسحبت السلطة العثمانية من هذه البلاد وأجلي الانكليز والفرنسيين وبقيت القبائل العربية إلى يومنا هذا …
خليل عبد اللطيف
– المراجع: من كتب تراث الفرات ..
*