“تدمير المعنى” !!
في واحدة من الصياغات الدّالة والمكثفة التي حَاولت أن تضع إطارا لواقع البلاد المضطرب ، تأتي عبارة الشاعر والكاتب العراقي جمال جاسم أمين ” مراحل تدمير المعنى ” في مقدمة المقولات العراقية التي حاولت حصر الدلالة في مبنى مكثف دال ، وقصير ، لتكون هذه العبارة هي العنوان الفرعي لكتابه( مقهى سقراط ) .
والكتاب هو( مقهى سقراط .. مراحل تدمير المعنى .. نقد السوسيوثقافي في التجربة العراقية) صدر (2014) عن رابطة البديل الثقافي العراق ميسان.
ويبدو إن العنوان ملفت وكوميدي ، فما علاقة سقراط بالمقاهي ؟ لاسيما مقاهي مدينة العمارة العراقية الجنوبية مكان ولادة وعيش شاعرنا العراقي !! كيف وصل سقراط إلى هناك ؟ ، يوضح لنا الكاتب سبب اختياره هذا العنوان بوصفه واحدا من الانتباهات المبكرة لديه ، يقول أمين : ” مقهى سقراط انتباهتنا البكر على فجيعة من نوع ما، بدأت هذه الأنتباهة عندما توقفتُ صغيرا أمام يافطة مقهى شعبي في أحد احياء مدينتي الجنوبية (العمارة) كان يشغل هذا المقهى عدد من مربي الطيور و الديكة أو ما يطلق عليهم باللهجة العراقية الدارجة (المطيرجية) هؤلاء الذين لا متعة لهم سوى التحديق في سماء المدينة بحثا عن طيورهم المحلقة أو مراقبة حلبة صراع الديكة عصر كل يوم”
ويعلّق أمين مستغربا عنوان المقهى ” الغريب أنهم اطلقوا على مقهاهم المتواضع هذا الاسم (سقراط) وهي تسمية شدت أنتباه الطفل قبل ان يعرف بالطبع من سيكون (سقراط)هذا؟ و مع مرور السنوات و التجارب ازدادت المفارقة حدة و غرابة أي بعد ان عرفت مغزى هذا الأسم تماما مثلما عرفت رواد المقهى بالدرجة نفسها ” !!
يسأل أمين نفسه ومحيطه وواقعه :” هل كان هؤلاء البسطاء يعرفون ان سقراط مقولة من مقولات (المعرفة) و ما سبيلهم الى ذلك ؟ بل ما علاقة سقراط برهانات الديكة و معاركها؟ قد لا تنفع مثل هذه الأسئلة ازاء مجانية تصل الى حد أطلاق أسم ما على مسمى لا يعنيه، ليس ثمة قرينة و لا مناسبة، سقراط هنا مقولة أوصلها اللامعنى إلى يافطة المقهى بطريقة أوصلتنا جميعا فيما بعد الى كوميديا من هذا النوع ” .
ومن ثم يستمر الكتاب في عرض مراحل تدمير المعنى في بلادنا ، الثقافية والسياسية والاجتماعية ، لاسيما تلك اللحظة التي قفز فيها عبد السلام عارف رئيس العراق عقب انقلاب الثامن من شباط ( 1963 ) من رتبة عقيد إلى رتبة مشير في غضون يومين ، لتحجز هذه الظاهرة مكانة مهمة في سجل مراحل تدمير المعنى في العراق من قبل ومن بعد .
الصورة / تمثل واحدة من الأحجار المرمية على جدار المعنى وتدميره في العراق ( وددت الإشارة فقط إلى صورة من دون عرض محتواها الفيديوي ) كي لا تكون هذه السطور اساهما في التدمير !! ، إضافة إلى ذلك فإن السطور لا تشير الزي العربي الأًصيل أبدا ، بل إلى بعض من يرتديها .