نهله البدوي
ولكن ..ماالذي يشدني لزيارة “الخربة “التي خربت اهتماماتي العبقرية الأدبية، التي كانت تصلح لتكون ذات شأن كبير في عمر يفاعتي ?
مذ كنت بافعاً، كان حلمي أن أغادر “خربة الأكابر”التي كنت أشعر أني كنملة في جذع شجرة تفاح زرعها جدي لتكون مسرحاً جسد كل انواع التعذيب، حيث كان جدي يربطني عليها ويجلس متأملا ان اتوسل اليه، واعداً اياه أن اتنازل عن احلامي وعشقي للصحافة و……
كنت أشعر أني كشعرة بيضاء قاسية كالابرة في لحية شيخ ضيعتنا، تلك الشعرة كانت تقلق راحته وتجعله يهلوس رعبا من تطورها، وكثيراَ ماحاول التخلص منها، ولكن لافائدة، فقد كانت تزداد توسعاً ووخزاً …وكنت سعيداً ومباركاَ له كلما لمحني او لمحته.
الطريق الى “الخربة ” موحلة جداً هكذا كانت حتى في فورة الصيف ..
بلحظة شرود كسيح ..كنت افكر “ماالذي يشدني الى خربتهم ?!
كان صوت عجلات الحافلة مريحاً أو هكذا خيل إلي لحظة استرخاء على مقعد ثابت بعكس افكاري المتخبطة بعشوائية تزيد من خفقان قلبي وترديني صريع الشيء ونقيضه.
-هل اشتاقت لي شجرة التفاح ياترى?
-هل اشتاق لي كلب المختار للنباح ياترى?
-هل اكون السبب في هذيان جدي لابتعادي عنه وعن خيزرانته ياترى?
هل….وهل …ومااكثرها في جغرافيتي وتاريخي و…..
************
زحام الخيالات تتوافد لتتصدر افتقادي واشتياقي لخصوصياتي المتروكة في الخربة التي خربوها تباعاً كلاً من والدي ووالده ومن لف لفيفهما من أعوان ووجهاء بلا وجوه حقيقية ..
نعم ..الطريق الى الخربة محاطة بالوحل ولكن اشياء غالية تشدني اليها حباً لها فقط وليس لصناع الكره و….
مايشدني الى خربتهم هو تفقد ممتلكاتي قبل أن تطلها يد الغدر التي لاتجيد سوى تشذيب المشانق والافراط في عنايتها، وتثبيت قاعدتها على قاعدة ماتم الصاقه بي من تهم، كانت ومازالت وستبقى بالنسبة لي أفضل الصفات التي أكرموني بها من بخلهم المقيت.
(ثرثري …مذياع …حشري…بصباص…قرباطي …وقح …وبلا مانكفي)
-(بدي اقطع ايدي ياشرشوح اذا رح تلاقي وحدة تقبل فيك)
كان جدي يهز برأسه موافقا على مايقوله والدي
-(أصلاَ مافي حدا بيقبل يزوج بنتو لواحد كتير غلبة متلك، مافي مجنون بيرمي بنتو مع واحد لسانو اطول منو)
كان والدي يهز برأسه موافقاً على كلام جدي الذي يلوح لي بخلف رمان مابخاف الله، وهو يطيل نظراته الموحية بعقاب الى شجرة التفاح.
-(اي ماشي، مافي مشكلة انا وانتو والزمن طويل يااسياد خربة الأكابر ..انا صالح ع سن ورمح، رغم انفكم الطويل كظلكم الأعوج عند المغيب، كتلك اللحية التي غزاها بيضاء لم يخف سواد القلب و……
(-ياعين ستك ليش حامل هالسلم بالعرض ?الله يصلحك ياصالح، يعني جسمك ماشبع من الضرب ولك ياستي ?والله مخك مسكر ع الأخر متل ماقالوا عنك ..ياصالح.)
استفقت من سهوتي لحظة تذكرت كلام “أم نعيم” العجوز المقطوعة من شجرة، وتسكن في غرفة صغيرة متاخمة لبيت شيخ ضيعتتا “خربة الأكابر “
-(والله ياستي السلم مابينحمل الا بالعرض لان طولو ماإلو معنى …يعني متل قلتو. )اي وهيك شي.
-(الله يصلحك ياصالح ..الظاهر صعب كتير)
-(هيك قولك ياستي)?
-إعقل ولك ستي ..صرت شنتير )
-(تكرمي ياستي رح كون عاقل بين هالمجانين)
***********
من اخر موقف للحافلة..نبهني السائق :
-وصلنا ..حمداَ لله على سلامتك أستاذ.
التفت اليه، ابتسمت وعدت للاسترخاء، كرر السؤال عدة مرات، وانا انظر من النافذة الى اتجاه واحد …مفرق الخربة وافكار وخيالات تضرب براسي وخفقان قلبي كموج في “نو”فسد مزاجه..
-لا ..لاأريد النزول ..سأعود من حيث اتيت ..فقد انتهت زيارتي ..
*****************
من. روايتي (أقدام موحلة)