م. ميشيل كلاغاصي
19/10/2023
منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين1, ضاعفت الولايات المتحدة تصعيدها العسكري في سوريا, وكثف حليفها التركي, تصعيده على امتداد الحدود الشمالية والشرقية السورية, وداخل الأراضي العراقية أيضاً, وسط إستمرار الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا, في الوقت الذي لم تتوقف فيه اّلة البطش الإسرائيلي عن حصار وتجويع وقتل الشعب الفلسطيني, واستمرار تهديداتها وإقتحاماتها للمسجد الأقصى, وبمنع المصلين من دخوله, ناهيك عن استمرارها ببناء المستوطنات وبطرد الفلسطينيين من بيوتهم وتهديمها, واستمرارها بإصدارها الأحكام القضائية المزيفة الظالمة بحق الشعب الفلسطيني, واكتظاظ السجون الإسرائيلية بالشبان الفلسطينيين …
لكن يوم السابع من تشرين الأول, حصل ما لم يكن يتوقعه العدو الإسرائيلي, مع إنطلاق عملية طوفان الأقصى, حيث شنت فصائل المقاومة الفلسطينية هجوماً صاروخياً مفاجئاً, باغت وأربك العدو, ومهد لعملياتٍ نوعية غير مسبوقة, اخترق فيها المقاومون تحصينات العدو, ونفذوا هجوماً برياً طال 20 مستوطنة وموقعاً و11 ثكنة وموقع عسكري إسرائيلي, واستطاعوا السيطرة على 7 مستوطنات في غلاف غزة.
ووسط حالة الهلع والإرتباك الإسرائيلي, تقدم المقاومون, وقضوا على العشرات وأسروا العديد من الجنود والضباط الإسرائيلين, الذين فروا تاركين مدرعاتهم وأسلحتهم ورائهم, في الوقت الذي اضطر فيه المستوطنين إلى إخلاء البيوت واللجوء نحو العمق الإسرائيلي, وسارعت سلطات الكيان للخروج من حالة الصدمة, وإعلان عملية السيوف الحديدية، ونفذت من خلالها الطائرات الحربية الإسرائيلية هجمات قصف عشوائي واسعة النطاق على أحياء في قطاع غزة، والمرافق الحيوية والمشافي, وتم قطع الكهرباء والماء, ومنع الغذاء والدواء عن القطاع بكامله.
لقد كان الهجوم على مواقع وثكنات ومستوطنات العدو الإسرائيلي مفاجئاً ليس بالنسبة إلى تل أبيب فقط, بل إلى كافة عواصم العالم, وبدأ الخبراء الإسرائيليون والغربيون بإلقاء اللوم على الأجهزة الأمنية والإستخبارية الإسرائيلية, والتي بدورها ألقت اللوم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تحديداً, وسياساته الغبية في ملف الإصلاح القضائي التي اقتضت تحويل الموارد الإسرائيلية من الأجهزة الأمنية نحو الأجهزة الشرطية لضمان الأمن الداخلي وسط التظاهرات والفوضى التي تعم كامل مساحة الكيان الغاصب.
سارعت الولايات المتحدة, وعشرات الدول الأوروبية لإدانة هجوم فصائل المقاومة وحركة حماس تحديداً, وأعربت واشنطن على الفور عن دعمها السياسي واعترفها بحق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس، وقدمت لها ثمانية مليارات دولار, وأرسلت حاملة الطائرات “جيرالد فورد”، إلى الشواطئ “الإسرائيلية”, في الوقت الذي سارع فيه الرئيس الفرنسي ومنافسته لوبان, وعدد من وزراء حكومته, للتعبير عن دعمهم المطلق, في موقفٍ عدائي فرنسي غير مسبوق, حذت حذوه عديد الدول الأوروبية الغربية, وانطلقت حناجر المفوضة الأوروبية أورسولا دير لاين, ورئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل, والألماني شولتز والبريطاني سوناك , بإدانة المقاومة, وبالتعبير عن دعمهم للكيان الغاصب وتعاطفهم معه.
في ذات الوقت، حذر حزب الله الإسرائيليون من عملية برية في قطاع غزة, لكن الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله رد وأكد بأنه: “عندما يحين وقت العمل سنقوم به”, كذلك توجه للأمريكيين بالقول: “بوارجكم لا تخيفنا, وسنكون لكم بالمرصاد”.. كذلك عبر الحشد الشعبي العراقي, وأنصار الله في اليمن, عن دعمهم اللامحدود للمقاومين لأهالي غزة, وأكدوا استعدادهم للمشاركة الميدانية, والوقوف إلى جانب إخوانهم في فلسطين ومحور المقاومة.
لقد تسبب الهجوم المفاجئ وعملية طوفان الأقصى, بدفع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي للإعتراف بأن ” ما شهدته إسرائيل كان يوماً صعباً للغاية لم تر مثيلاً له”, وأراد حسم إرتباكه وحكومته بالهروب نحو الأمام, وأراد إقحام حزب الله وسوريا في المعركة لإجبار واشنطن وعواصم الناتو للإنخراط في المعركة والدفاع عن مصيره ومستقبله السياسي, وعن بقاء وأمن الكيان الغاصب.
تلقف العدو الإسرائيلي رسائل الدعم الأمريكي والأوروبي, وبدأ نتياهو ووزير دفاعه بشن الضربات الصاروخية الإنتقامية العشوائية على غزة, أظهرا من خلالها همجية ووحشية سلطات الكيان, وتعمدا قصف منازل المدنيين, وحرصا على تحويل مئات الأبنية والبيوت إلى ركام, ارتفع معها إرتقاء الشهداء مع تسجيل سقوط أكثر من 726 طفل فلسطيني , ودد كبير من الأمهات والنساء والمسنين.
لقد نفذ العدو الإسرائيلي قصفاً جنونياً, اعتمد فيه استراتيجية الإنتقام والتهجير وإخلاء غزة من أهلها ودفعهم نحو سيناء, استخدم فيها أكثر من 600 طن من القذائف والصواريخ, ولم يتوقف عند حدود استخدامه ذخائر الفوسفور الأبيض المحرمة دولياً, وسط إطلاقه حملةً تضليلية إعلامية لتشويه الحقائق وسمعة المقاومة, ووصمها بالإرهاب, وبإظهار الإسرائيليين على أنهم ضحايا, وبأن الفلسطينيين “إرهابيين وقتلة”, بحثاً منه عن تأييد الغرب لـ “حق إسرائيل” في الدفاع عن النفس, وتاييد القصف الإسرائيلي الهمجي في غزة واستهداف المدنيين الفلسطينيين.
لم تتأخر الإدارة الأمريكية في دعم الرواية الإسرائيلية المزورة, وشارك الرئيس بايدن في سرد الأكاذيب حول قطع المقاومين رؤوس الإسرائيليين, وارتكابهم جرائم الإغتصاب بحقهم, فيما بكى مستشار الأمن القومي جون كيربي أمام عدسات الكاميرات, وأكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أثناء زيارةٍ للكيان, أنه يزورها “ليس كوزير خارجية أمريكي, إنما كيهودي فرّ أجداده من القتل”, واستمر “العزف” الأمريكي على أوتار “الهولوكوست” و”الإبادة” و”معاداة السامية” …
لم يكتف الرئيس بايدن بعديد الإتصالات مع نتنياهو لطمأنته, وأرسل بالإضافة إلى وزير خارجيته, وزير دفاعه أوستن, الذي أمضى ليلته في غرفة العمليات برفقة وزير الدفاع الإسرائيلي, وعقدا في اليوم التالي مؤتمراً صحفياً معيباً ومشيناً, استعملت فيه الشعارات وإدعاءات الحضارة والديمقراطية والقيم.
إذ أكد وزير الحرب والعدوان الإسرائيلي, في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع وزير الدفاع الأمريكي, أن “إسرائيل بصدد استلام طائرة الذخائر الأمريكية الثانية, واستعرض تفاصيل الحملة والرواية الإسرائيلية الكاذبة, وادعى بأن :”حماس هي داعش غزة, وبأنهم يتعرضون للقتل والذبح والإغتصاب”, وأكد أن “إسرائيل كدولة ديمقراطية تواجه حرباً ضد قيمها”, وبأنهم مستمرون في القتال, ووصف الحرب بأنها “ستكون صعبة وطويلة”, هل يعلم أحدكم عن أية قيم يتحدث ؟.
فيما لخص وزير الدفاع الأمريكي المتقاعد لويد أوستن حديثه, وأكد أن الدعم الأمريكي ” صلب وحازم” , وخاطب العالم بأن “من يريد السلام في المنطقة يجب أن يدين حماس, فهي الشكل البديل لداعش وهم متعطشون للدماء ويستهدفون المدنيين بشكل متعمد”, وكرر استعرض بلاده بالحديث عن أكبر حاملة طائرات في العالم, بأنها موجودة في المتوسط “, وسيقومون بإستخدامهاستخدمها “إن لزم الأمر”, كما أكد استمرار تزويد “إسرائيل بكل ما تحتاجه من أسلحة”, وتوجه برسالة مزدوجة نحو الداخل الإسرائيلي ومحور المقاومة, بالقول “لمن يفكرون بتوسيع الحرب .. لا تفعلوا”.
لم يعد خافياً على أحد, أن العدو الإسرائيلي يعتدي على فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن, ولا يحيد عن التخطيط لإستهداف إيران, ويقوم اليوم بقصف وبقتل أطفال غزة ونسائها ومسنيها, ويدمر بيوتهم وبناهم التحتية, بفضل الأسلحة الأمريكية والغربية.
لقد استغل العدو الإسرائيلي الحملة والرواية الإسرائيلية والغربية, في مضاعفة حصاره وعدوانه على الشعب الفلسطيني, لكن روايته انهارت وسقطت, وما راّه العالم عبر الشاشات ووسائل الإعلام, أجبر واشنطن وعواصم الناتو, لتوجيه الإنتقادات الخجولة لحكومة نتنياهو, وسط غضب عديد الدول وشعوب العالم, وإنطلاق التظاهرات في غالبية الدول والعواصم والمدن العربية والغربية, الأمر الذي ساهم بتحويل سلم الأولويات العالمية, نحو فتح المعابر الإنسانية وإدخال وإيصال المساعدات الغذائية والطبية والماء النظيف وغيرها, في الوقت الذي كانت واشنطن وسلطات الكيان الغاصب يحسبون ألف حساب للمرحلة التالية للهجوم والإجتياح البري لكامل قطاع غزة.
حساباتٌ معقدة مرتبكة خائفة, دفعت وزير الحرب الإسرائيلي, للإعلان عن تأجيل الغزو البري بداعي “الطقس”, واتجه بعد تسعة أيام من المواجهة وصمود المقاومة, للقول: “لا مصلحة لدينا بحرب في الشمال وإذا ضبط حزب الله نفسه فسنحترم ذلك”, في موقف واضحٍ يؤكد أن العدو فقد “استراتيجية الردع” وتحول نحو “إستراتيجية إستجداء حزب الله”, لمنع تكثيف وتوسيع الصراع.
ومع ذلك, لم تتوقف قوات الاحتلال الإسرائيلي عن استفزاز سوريا وحزب الله, وكرر استهداف مطار مطار حلب للمرة الثانية, وبإستهداف مناطق الجنوب اللبناني على طول الحدود, بهدف توسيع نطاق الصراع والإعتداءات الإسرائيلية, بما يؤكد أكاذيب وزير الحرب الإسرائيلي, وقيامه عصر يوم الإثنين 16 أكتوبر, بإطلاق صواريخه وقذائفه الإنشطارية الحارقة والفوسفورية على الجنوب اللبناني في مناطق الظهيرة وصولاً إلى بلدة علما وخراج بلدة الرميش, ووضع نفسه في مرمى رد مقاومي حزب الله, وقذائفهم الموجهة والصاروخية, وقيامهم بتدمير دبابة ميركافا إسرائيلية كثمن مباشر للإعتداء.
وتوج عدوانه على غزة , بإرتكابه مجزرة بإطلاقه صواريخ نوعية استهدفت المستشفى المعمداني بمرضاه وجرحاه وطواقمه الطبية, وبالمدنيين الذين أرادوا الإحتماء في محيطه , سقط على إثرها أكثر من 500 شهيد , وعدد كبير من الجرحى , في مشهدٍ أليم , سيبقى شاهداً على وحشية الاحتلال الإسرائيلي وداعميه , وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يعد الكيان الغاصب قادراً على تجميل صورته, وإحتفاظه بصورة الضحية, وتأكد العالم نفاقه ووحشيته, ومخالفته وتحديه كافة القوانين الإنسانية والأخلاقية, ونصوص القانون الدولي, وأثبت للقاصي والداني ومن يزورون حقيقته, بأنه كيان متوحش قاتل لا يعرف الرحمة, في الوقت الذي امتدح فيه الرئيس بايدن “إسرائيل” كدولة ديمقراطية , تدافع عن قيمها.
ومع استمرار قوات ال‘حتلال الإسرائيلي بحشد الجنود والاّليات والدبابات والمدرعات على حدود قطاع غزة , بما يشي بإقتراب الغزو البري، لإستكمال عدوانها , وعملية التطهير العرقي والإبادة الجماعية , وسط صمت المجتمع الدولي , وعجزه عن قول كلمة حق , ووقف اّلة القتل الإسرائيلية الأمريكية بحق الشعب الفلسطيني.
ويبقى السؤال, في غياب الحلول الدولية, إلى متى سيستمر الدعم الغربي لهذا الكيان الإرهابي القاتل, وإلى متى سيسمح الأشرار والقتلة, بوضع غزة على مذبح الوحشية الإسرائيلية بالأسلحة الأمريكية , وبإنتظار أن تثمر المواقف والجهود الإيرانية والروسية والصينية, والدولية عموماً لوضع الحد للهمجية الإسرائيلية ولجم عدوانها على شعب غزة, ووقف جرائم الإبادة الجماعية التي يقترفها بحقهم.
م. ميشيل كلاغاصي
19/10/2023