( تعرضت للمحاكمة بسبب قصة )
في منزلها اللندني ببريطانياّ وعن عمر 89 عاماً انطفأت يوم الجمعة 20 أكتوبر 2023 الروائيّة اللبنانيّة ليلى بعلبكي صاحبة “انا احيا” (1958) التي ألهمت بجرأتها جيلاً من الكتّاب والكاتبات، ستّينيات القرن الفائت وسبعينياته، فهي احدى أشهر الكاتبات العربيات، اللواتي تعرضن لمحاكمة في بيروت بسبب قصة.
ولدت ليلى بعلبكي في بيروت العام 1934، وتعود جذور عائلتها إلى قرية حومين التحتا في منطقة النبطية الجنوبية. والدها هو الشاعر الزجلي، علي الحاج البعلبكي. درست ليلى في المدرسة الرسمية في عين المريسة (بيروت)، ثم انتقلت إلى كلية المقاصد الاسلامية، فأنهت فيها المرحلتين المتوسطة والثانوية. ثم تابعت دراستها في معهد الآداب الشرقية التابع لجامعة القديس يوسف في بيروت. بدأت الكتابة في الرابعة عشرة، ثم عملت موظفة في مجلس النواب اللبناني بين 1957 و1959. وفي شتاء 1958، أعلنت مجلة “شعر” صدور روايتها “أنا أحيا”،
وقد لقيت هذه الرواية صدى إيجابيًا لدى النقاد.وقد وصف ميخائيل نعيمة بعلبكي بأنها روائية مجددة، أما الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا فرأى أن “الرواية تتضمن غنائية لفظية رائعة تقربها من الشعر،
اختتمت بعلبكي مسارها الروائي العام 1960 عندما أصدرت روايتها الثانية “الإلهة الممسوخة”، ولم تحظ بما حظيت به “أنا أحيا”. لكنها، هي التي لم تتوار لحظة عن المعترك الروائي، ما لبثت أنْ اختطفت الأضواء في العام 1964 عندما منعت وزارة الإعلام مجموعتها القصصية “سفينة حنان إلى القمر”، وكانتْ القصة التي تحمل المجموعة عنوانها، هي الحافز، نظراً إلى احتوائها مقطعاً أو جملة وصفت بـ”الإباحية”.
وحوكمت ليلى بعلبكي وأوقفت ثمّ تراجعت المحكمة عن قرار المنع مبرّئة الكاتبة والقصّة.
وبالرغم من تبرئة بعلبكي، إلا أن التجربة كانت مروعة. واتفق النقاد بالإجماع على أن المحاكمة أنهت المرحلة الأهم في مسار بعلبكي الأدبي. وكانت هذه المحاكمة هي الأولى من نوعها في لبنان التي يحاكم فيها أديب على هذا النحو.
وقد صرّحت ليلى بعلبكي قبيل المحاكمة: “لن أعتذر في غرفة المحاكمة، أمام هيئة المحكمة، عن الأشياء التي كتبتها والتي أحاكم من أجلها. إني جد فخورة بما كتبت”. وتابعت: “إني أسأل: هل العطاء هو جريمة؟ ذنب؟ خجل؟ أني أؤكد وأشعر أن هذه القضية تطاول جميع الأدباء والفنانين وهي تحد من الخلق والفن. إن هذا الشيء معيب بأن اقف أمام المحكمة واشرح لماذا كتبت. أنا أكتب بحرية. أكتب للنخبة، المثقفين، الأنباء ذوي الأفكار السامية، الأنباء الناس الناضجين. أنا ارفض أن أكتب لمرضى الأخلاق وللمقعدين وللمتأخرين عقلياً”.
وقد كتبت ليلى بعلبكي عن استجواب رجل الشرطة لها وهي تقول: «لم أتمكن من إخفاء استغرابي وهو يسألني: لماذا تكتبين بهذه الطريقة؟ وسألت نفسي هل يحقّ لأحد أن يسأل فناناً لماذا يكتب هكذا؟ بصوت مرتفع أجبت: لأنني أعتبر نفسي أتمتع بحرية الرأي، والفكر، والعمل، الممنوحة لكل شخص في لبنان». قالت إن كتابها يحكي «عن البشر، وعن الناس، وعن الأشخاص، في هذا البلد. يصوّر الواقع بطريقة أدبية فنية. وإذا كانت تجب مصادرته فالأصح أن تصادر البشر هنا، لأنهم مادته…».
وقد كتب أنيس صايغ في العدد الخامس من مجلة «الآداب» الصادر في 1 مايو (أيار) 1958 في مقالة نقدية: «(أنا أحيا) لا تعني (أنا حبلى) فحسب، إنها قد تعني أيضاً، أنا أنتج فكراً، أنا أُكافح عدواً، أنا أنصر ضعيفاً، أنا أُربّي يتيماً،…». خاتماً مقالته: «ليلى بعلبكي إمكانية كبرى، لن نسميها فرنسواز ساغان العرب، ولا نريدها أن تكون فرنسواز ساغان العرب، نريدها ليلى بعلبكي وحسب».
وبالتزامن مع نجومية الرواية، نشطت بعلبكي في ميدان الكتابة وفي إلقاء المحاضرات مثل محاضرتها في “الندوة اللبنانية”1959 التي اختارت لها عنوان “نحن بلا أقنعة”، والتي صبّت فيها نقدها على المجتمع اللبناني والمجتمعات العربية، وعلى العائلة والقيم السائدة.
وعندما اندلعت الحرب اللبنانية في العام 1975، هاجرت ليلى بعلبكي إلى لندن وانقطعت عن الكتابة. وحين كانت تعود في زياراتها القليلة، تبدو وكأنها ليست هي المرأة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بكتاباتها، بل بقيت صامتة، خصوصاً عن أي موضوع يمكن أن يزيد أو ينقص عمّا عرفناه عنها في الكتب. رفضت مشاريع كثيرة، أدارت ظهرها لأي مقابلة صحافية، أو حتى حوار شخصي يعيدها إلى أي تفصيل أدبي. قالت إنها هجرت حتى الكتابة الصحافية لأنّها كانت تتعرّض لمضايقات جمّة، ولم تشعر أن بمقدورها أن تكتب ما تريد أو تحكي عمّا تشاء.
في العام 2009، أي بعد أكثر من أربعين عاماً على ابتعادها عن الأضواء، أطلّت بعلبكي، تلك الإطلالة اليتيمة في معرض الكتاب العربي، في بيروت، لتوقع كتبها التي أعاد دار الآداب طباعتها، لتظهر بشكل مختلف، بطبيعة مرور الزمن.
إعداد : محمد عزوز
عن ( صحف ومواقع )
كل التفاعلات:
محمد عزوز، وEyad Khazaal و٢١ شخصًا آخر