قراءة الدكتورة اسيا يوسف
…………………………………………………
تتحرك منظومة العشق للجمال و الوطن و الأشياء و الذات لدى أ. سارة من المعاني الصريحة إلى ما وراء المظهري ( ما وراء السطور) ثم العمق الأوّل للمعنى و العمق الأخير للدلالة
فمنظومة البحث عن الجمالية المطلقة للذوات الكبرى
( ١.الله حيث تقول في وجه الجلالة في قاحلٌ في عقلنا
صليت فجري خاشعاً بجلاله
بضياء نورٍ قد ملأت عيوني
سبحان ربي و العيون هواطلٌ
من خشيةٍ مسّت فضاء وتيني
أما في تجليات فالله هو سكن الشاعرة وإليه ترفع الصلوات
الله يا وطني الجميل وروعة
فرشت تراب الأرض بالصلوات
(٢. الطبيعة و الكائنات : استقت المبدعة من الطبيعة أهم مصادرها فكتبت للشمس و الربيع و الزهور و البحر حيث دلت على جمال الله في خلقه كما في ص ٩٠ و ١٠٧ و ٩١ في قاحلٌ
(٣.البشر: قال المستشرق سارتر :الجحيم الآخرون هذا ما بدا لي عندما قرأت قصيدة قاحل في عقلنا فقد شجبت العادات و التقاليد المتخلفة و الجهل ودعت إلى التنوير و التخلص من عوامل الجهل وإن كانت تعمل على تأصيل الحضارة
فكتبت:القيدُ حطم معصمي و سواري
عاداتُ قومي و الظلام بداري
سنن الخراب وقاحلٌ في عقلنا
زندٌ ويقدح عتمنا بأوارِ
بينما وطدت لحبّ الوطن و الولاء الخالص في تجلياتها
حمى الله هذي الربوع السنا
وموطن حرفٍ بها من هنا
فتجذر الشاعرة في أرضها و محتدها منح القصائد نزعة وطنية تؤرخ مجد الوطن و حضارته العريقة كما في شمرا و إيبلا و ملحمة اللاذقية إذ قالت:
في اللاذقية صوتُ الحبّ مئذنةٌ
يعانقُ الأفق في الألحان ناقوسُ
و كذلك في شآمية أنا و النبض العريق يتماهى و الشاعرية
الشام نبضي و الحروفُ منابري
و الشّعر ثوبي من حريرٍ عاطر
و تنحو إلى تمجيد الشهادة و الشهداء إعلاناً لمواقفها الوطنية والقومية و تنقلت في تجلياتها من دمشقَ إلى خان شيخون إلى حمصَ إلى بغداد َ إلى الإمارات و عُمان و فلسطين و جنين في محطاتٍ شعرية مدحية لتخلّد اللحظات التي تركت فيها الأمكنة و الناس أثرها في شاعريتها
و بعشقٍ خالدٍ للجمال و الوطن وقفت على روائع التراث فقدمت أنشودة النجوم لإيبلا و شمرا و التراث في عيد الزهورية…. و لم تكتفي المبدعة بالمدح و التوصيف و إنما عارضت كبار الشعراء مثل أحمد شوقي في العيون الساجيات
و وظّفت عنترة العبسي في ظاهرة القناع لتبين موقفها من الحب و تمجيدها لقصص الحب الخالدة
فروح الحبّ في كتمان عشقٍ
تقاطر شهده بين الرضاب
ومن يعشق كعبلةَ يا فتاها
فلن يرضى بما دون الصعاب
فقد تحول العشق و الحبّ بين أناملها إلى شاعرية مفرطة الحساسية فتقرّ إن معاناة الحب و كتمانه من أهم سماته.
و تقدم النصيحة للمتطفلين على الشعر فتقول:
إياكَ تدنو من السقيا بقافيةٍ
إلاّ كفياً بنبض ماس الشعر
أما في ( هيهات) فتحسرت على مضي العمر و انصرام السنون بسرعة :
تمضي السنون إلى الأفول حزينةً
و الشّمس يذوي نورها لا يشرقُ
أسلوب الشاعرة سارة خير بك
أحدثت الشاعرة تآلفاً بين المناهج الفنية العديدة للجمال بدأً من الشعور به و استيعابه ثم الاستمتاع به كتجلٍ للجمال و الفكر… فجاء الأثر النفسي اتجاهاً مكملاً للدرس الجمالي كذلك فهم الفن اجتماعياً هو منهجٌ في الجمال
و حاولت المبدعة تقليص دور الخيال و الإلهام في عملية خلق الجمال الفني إلا أنها لم تحذفه تماماً من العملية الإبداعية.
الموسيقى :جمال أيّ نصّ شعري يكمن في موسيقاه التي لا تتحقق إلا إذا تموسقت الحروف و عزفت لحناً يسكن شغاف الكلمات و يلامس وجدان المتلقي فقد قامت الشاعرة بتوزيع النغمات الصوتية وفق أوزان الخليل على وحداتٍ زمانية و مكانية تنتظم داخلها الوحدات الصوتية و التشكيلات الايقاعية و الدفقات الشعورية المرهفة الإحساس بجمالية الكلمة و المعنى المرتبط به بما أتفق عليه أهل النقد بتسميته
بالدلالة الصوتية فالحرف و الكلمة و اللفظ هو الموسيقى و لكل تنغيم دلالة موحية، كلٌّ متصلاتٍ بين اللفظ والقلب هي الموسيقى.
وتحرك رؤى الشاعرة وفق مزاجها و ثقافتها منحها فرادة وخصوصية فقد أسهمت في حركة التأريخ الشعرية بسبب مواقفها القومية و الوطنية فقد وقفت على سمو أخلاقها و أشعارها إلى مستوٍ لا يضاهى من الفضيلة و التجمّل و الصبر وأصف رؤاها بتجليات الجمال و الحبٍ
و أعتبرُ قاحلٌ في عقلنا جهداً ابتكارياً يصل بمصاف التأسيس لأدوات المبدعة فتقاسمت التآلف الحسي و جمال النص…
عسى إني وفقت في إلقاء الضوء على بعضٍ من تجليات الشاعرة سارة في تجليات و قاحل في عقلنا… في قراءة سريعة و إيجازٍ موحٍ…
كل التفاعلات:
Hiyam Salman، وHanan J Hanna و٦٥ شخصًا آخر