سعدالله بركات
ثمرة الكاكاو التي فقدت ذاكرتها ، عنوان مقال لمحته في،،رأي اليوم ،، الغرّاء ، كيف لا تلفتك صورته البلاغية ، والابتسامة المشرقة لكاتبته !؟ تستوضح الإسم ،، رندا عطيّة ،، فإذا هي “عنقاء النيل” من ضفافه السودانية المعذّبة بحرب دامية ، ضفاف زرتها مرتين ، وذائقة “المندي” لاتزال بعد طرية ، وإن بعد سنين .
وإذا ما باشرت القراءة ، يجذبك أيضا قصر المقال ، فإذا هي ،،عطية ،، للفكر والأدب ، كيف لا! وأنت تخرج بحكاية وعبرة ، عمّن يحاولن تفتيح بشرتهن بما تروّج له مصانع وتجار ،ها هي صديقتها تفجئها مهرولة :” وجدتها… تصيح هاتفة بي بلهفة، هيه.. لقد أخبروني بمزيج ناجح لتفتيح لون بشرة الوجه، “.
ad
وحين استغربت اللون الأسود لهاتفها الجديد قالت :
“نعم، أنا قمت باختياره أسود، فاللون الأسود من الألوان الراقية…. حتى في السيارات ……ثم بصوتٍ يتمايل ضحكاً ، أردفت قائلة: وأنتم الشعراء أكثر الناس معرفة بأن العشّاق لا يتناجون إلا وهم متسربلون بالليل وسواده،،
ولمّا سألتها :لم جلبتِ لي كريمات تفتيح لون البشرة ..
أسقط في يدها.. لعقت لساني، متذوقة طعم قهوة النسكافية ..، وفيما عيناي تسبحان تأملاً في مزيجها الكاكاوي اللون، انتابني شعور مبهم ،بأنه قد سكب من لوني”.
أما حين تقرأ نصّها المقتضب ،، أعن قلة يارسول الله ؟ ،، حول القمم العربية ، فتأخذك الدهشة لتكثيف معان ودلالات، هي في أسطر أفضل من ألف مقال وتحليل .تراه ومضة نقدية، سياسية ، فكرية منثورة ، ورندا ، المتمكنة من لغتها وأفكارها على هذا النحو، تدهشك أيضا بومضاتها الشعرية :
((“رنا ..”
رنا إليّ بمقلتيه
رأيت صورتي منعكسة داخلهما
ثم
أطبق جفنيه..
ومن يومها
وأنا أرى الدنيا بـ.. عينيه…))
وترى التكثيف فنا وتجديدا ، واصفة شعر الومضة بأنه (( شكل من أشكال التجديد الشعري، يعبّر الشاعر من خلاله عن حياته وأوجاعه، بقليل ألفاظ وإيجاز، يتواءم مع ثقافة وإيقاع عالمه الرقمي)).
مهارة كاتبتنا في التكثيف ، محمولة على اقتدار لافت في القصّ فلنتابع معها “مغازلة الكترونية!” وقد صاعتها على شكل حكاية تنطوي على حوار راق :
((وهو يهم بإطفاء اللاب توب
سمعها تقول له بصوت مخنوق: خذني معك.
وعندما رفع رأسه ورأى دموعها المتساقطة على فلاشها الرابض على صدرها ، قال لها بحيرة:
ـــ إنتي عارفه إنو ده مستحيل … فا لزمن المتبقي لإقلاع طائرتي أقل من (3) ساعات!
وفيما هو يتلاعب بالفلاش المتدلي على صدره بعصبية ،أردف بضحكة مرتبكة:
ـــ وبعدين دموعك ديل امسكيهن .. قبل ما يغرقن فلاشك.
فمدت له يدها بغتة قائلة: ناولني فلاشك.
فأ عطاها إياه باستغراب ، وما أن أوصلته بلاب توبها ، حتى وضعت فيه ملفا باسمها يحوي كل ما كتبته عنه وله وفيه + صورتها الملونة، ثم بيد مرتعشة أرجعته له، وما أن أخذه منها حتى سلسل رقبته به بحرص، مدلياً إياه على صدره بحنان و.. و.. وسافر.
بعد ده حقو ما تستغربوا ، لو لقيتوني معلقة على صدري (فلاش) ذا سلسلة مصنوعة من الذهب الخالص..))
وفي قصيدها، لك أن تتمتّع بسلاسة لغة وخيال ، فتطير على أجنحة وجد وغزل :
((استرقت السمع والبصرا. والشاهد كان القمرا
على عاشقين في عناقٍ أبديٍّ بكؤوس الحبّ قد سكرا
في ضمّة شوقٍ وقبلة …… حنان قد سهرا
كلّ أمسك بخلّه في جلسة عشقٍ انصهرا
في ليلة جعلها الأحباء. للغزل واللهو والسمرا
يا له من عشقٍ بين. النسيم العليل والشجرا ))
ولئن كان الوضوح سمة لغة أديبتنا ، وتراكيبها نثرا ، على ما فيها من رمزية ، تراها في الشعر ،تغزل حروفها ، وتبسط رؤاها ،على نحو شفيف ، لكن بلا تعقيد، ولا مطوّلات أيضا ، ما يجذب القارئ في عصر متسارع، يتناهبه بغير اتجاه .
ومع ملكتها اللغوية ، والأسلوبية ، تراها ترتقي بقارئها إلى مدارج سموّ ، من طينة المشاعر التي تلامسها برهافة إحساس ، وصدق العاطفة ، وعلى نحو ماتع فريد:
((خطر.. خطر..
السباحة في عينيه خطر..
حيث لا شاطيء..
لا ساحل..
لا جزر..
أدري..
.. لكن ..
ما حيلتي..؟
ما حيلتي..!
أنا التي بتّ به..
مأخوذة القلب والبصر..
ما حيلتي.!.
سوي السباحة في عينيه..
فإذا ما نال منّي الخدر..
استلقيت في جفنيه..
متّخذة الرمش منه لي..
وسائد ودُثر.. ))
مادة رائعة أعدنا نشرها لأهميتها
شكرا للإعلامي والأديب سعد الله بركات
رأي اليوم
نفحات القلم