“على جناح الشوق “
ميرلاند ومصطبة ام سعدالله
*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
تلفتك نضارة الخضرة في حدائق مدينة كولومبيا وأشجارها ، فقد اكتست هذا العام بهاءها متاخرة ، بفعل شمس كانت خجولة إلى حين ، تتطلّع بناظريك أنى شئت ، فتبهرك ٠نضارة متجددة مع شمس الصباح ، ويزيد نضارتها خير السماء ، حين يصابحها أو يماسيها ، فيغسلها ويفتح مساماتها على إطلاق مزيد من الأ وكسجين ، فتبدو البيئة أكثر نظافة وصحية .
يقال لكل شيء وقت ، وهذا ما تحكيه الطبيعة بالبرهان الحي، حين ازدهت الأشجار بأزاهيرها المزركشة مع إطلالة الربيع ، بدت جنة للناظرين ، ولما راحت الشمس ، تكثف قبلاتها ، لثما أو لثغا لأوراق الشجر ، بدا لمعانها أخاذا ، بينما راحت العجائز تعتني بحدائقهن ، ويزرعن شتلات ورد متناسقة الألوان والاصطفاف ، وأما المتاجر فقد حجزت مساحات أكثر على عتبات مداخلها ، لأصص من شتى الورود ، تراها الساحات العامة تغصّ بمهرجانات التحفيز على تجميل الحدائق ، فتوزع أصصا وبذورا ، بل وشتلات ، في حين فرق المتطوعين والمتطوعات ، تباشر تجديد شتل الورد في الأمكنة العامة ، ومداخل الأحياء .
كل ما يحفزك على التجوال والمتعة موجود ، المقاعد هنا وهناك ،،اخلت مساحات للقاء العاشقين في ظلال حميمية وارفة ، لك ان تصطحب قهوتك ، او طعامك ، طرق المشاة ، تتلوى بين خضرة الحدائق ، مناظر تعانق الأشجار،من جانبي الطرق ، لتسحرك بمنظر خلاب على مد النظر ، لكني بحثت كثيرا عن مصطبة تعيدني لذكرياتي ، إلى مصطبة ام سعدالله، تجاورها تينتها المفضلة وعريشتها الأثيرة ، بخضرة تضاهي غابات العالم ، إن لم در كاسة المتة ، فعنب وتين منهما ،لقد أصرت،رحمها الله، على بنائها وتوسعتها لوحدها ، قبل 50 عاما ويزيد ، أخاطت لها وسائد خاصة ،و طالما جالستها منتظرة قدومنا ، فكانت ملتقى الجيران والمارة ، في عصريات ومساءات الصيف ، كانت مثل مقهى الحارة ، ما مر أحد إلا وتسامر مع أم سعدالله، مستوضحا عن الصحة والأولاد ، وهو يهم بالجلوس دقائق أو لحظات ، قبل أن يزودها بما تستوضحه عن أخبار عائلته ، بل واخبار الضيعة .
رحلت أم سعدالله إلى ديار الحق قبل 6 سنوات ،عن نحو 100 عام ، ورحل بعض جاراتها من قبل ومن بعد ،ولكن ظلت مصطبتها ومازالت وحيدة ، ملتقى من ندعو لهم ولهن بطول العمر ، وأحسبها سعيدة في ثراها …