،، الحلم شريان القصيد عند مريم كدر ،،
مشاركتي في ندوة وكتاب عن ديوانها الجديد
.*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
صدر عن دار ،،اسكرايب للنشر والتوزيع ،، بالقاهرة بالتعاون مع ملتقى الشعراء العرب كتاب /كتاب ،، النص بين الشكل والمضمون/(نقد) للأديب المصري ناصر رمضان عبد الحميد/ ويضم الكتاب مجموعات من الدراسات النقدية لشاعرات من الوطن العربي ومنهم الشاعرة مريم كدر، سورية ، و تضمن الكتاب كامل مداخلات الندوة وسير الشاعرة والمشاركين ، كما تضمن دراسات.وتراجم لثلاثة شاعرات لبنانيات وشاعرة سورية ثانية ،، وفيما يلي مشاركتي في الندوة والكتاب عن قصيد مريم كدر..
* ************
# قبل نحو عقدين باشرت مريم كدر ، تلوين قصائدها في أماسي مهرجانات ،،صدد العراقة ،، وغيرها من احتفاليات وصالات ثقافية ، فكرست نفسها شاعرة تلامس مندرجات الحياة و منعرجاتها، فترافق مشوارها الإبداعي مع إصرار وطموح قاداها لما هي عليه من عطاء ثرّ، وهل غير الإبداع يحفّز على هكذا تحدّ ،بل ويترجمه ، وما نكهته ، بلا طعم الإنجاز !
في بلدة صحراوية أنهكها قحط المناخ ، قبل أن تطالها نيران حرب الإرهاب ، ترعرعت وتعلّمت مريم كدر ، في،، صدد،، [حمص – وسط سورية ] التى حالت دون تصحّر العقول بمبادرات أهلية مبكرة في مواجهة التتريك والتجهيل ، وهاهي تنهض كما طير الفينيق .
وأمّا شاعرتنا مريم كدر ،فلم يحل زواجها دون مواصلة تحصيلها الثانوي، ثم الجامعي في الأدب العربي ، بنت عائلة رائعة ، وراحت تبني الأجيال مدرّسة نشطة للأدب ،وهي تمازج موهبتها التي تفتحت عن أكمامها باكرا ، في نوع من ذاك التحدي إياه ، نعم الإصرار والحلم وراء إبداع مريم الشعري الغني بالرؤى والقيم والدلالات .
بعد مجموعتها الشعرية الأولى ،،جنون حلم،، دار الهدى 2019 – حمص ، صدرت المجموعة الشعرية الثانية للشاعرة مريم كدر آذار ٢٠٢٤ عن دار إرشاد في حمص .
وعلى مدى 105 صفحات من القطع الصغير ، تنوّعت قصائد مريم..مابين المعاناة ، الإصرار ،الحلم – الأمل ، والحنين ، وقد توزّعت على فصول أربعة :
=القسم الأول و يضم قصائد مختلفة الموضوعات من أحلام و طموح وتحدي ، وقيم الوفاء ) .
= قسم٢ خصصته لبلدتها ،،صدد،،الغافية على كتف بادية حمص – وسط سورية ،فجاء تحت عنوان .،،صدديات ،،
= قسم ٣ وعنوانه ،،وطنيّات ،، أفردته لتكريس قيم البذل من أجل الوطن ، وتقديرا لمن ضحى واستشهد ، وخاصة في بلدتها التي عانت من محنة الإرهاب وفقدت أكثر من 100 من خيرة شبابها ومنهم على قرابة مع الشاعرة .
= قسم ٤ وعنوانه ،،من وحي مواجع الغربة ،، يشي بدلالته عن وجع هجرة وغربة ذاقت طعمها المرّ باغتراب أبناء وأقرباء فضلا عن أصدقاء ، قبل أن تغترب هي مجبرة مثل غيرها لا مخيّرة .
وأمّاعنوان المجموعة فاستمدّ نفسه من عنوان قصيدة تصدّرتها ،،على رصيف الحلم ،، ص 3 وقالت فيها:
“على رصيف الحلم نامت حكايا المحبين
تعلقت على ستائر الشوق
أناشيد الهوى
…………….
لملم نيسان بقايا قمره
ورحل في مواكب الضباب
وشيعت النجوم الورد
صلى المطر خلف جنازته
عازفاً لحن الفراق الحزين”
# ذلك أن شاعرتنا حمّلت طموحها ، على جناح الحلم ، وهل لليراع أجنحة بلا حلم ، بل هو عندها،،جنون حلم،، ليس فقط عنوان مجموعتها الاولى ، بل عنوان قصيدة تصدّرتها، ….ونقرأ في مطلعها :
((نستقل الحلم …….في شمس الصباح
من عمق الجراح…..يرقص الإلهام نشوان
على وقع النشيد…..ثم نمضي ..
لنعيد…قصة الماضي السعيد….))
# الحلم عند شاعرتنا، شريان لتدفّق الشعر والشعور ، إنه الأمل ، بل سلاح التحدّي ،منعا للقنوط وسط المصاعب وما أكثرها ..فهاهي على ،، موعد مع الحلم ،، وفي قصيدة بهذا العنوان تقول ص 6 :
“سأشرب حلمي حتى الثمالة… وأقرع نافذة المستحيل
بقلبي زاد من الانتظار. يوشّح بالصبر دربي الطويل
أنا الحلم والحلم أنت. وإنّا على موعد ياصديقي
سأزرع دربي سنابل قمح. لينبت على راحتيك
……………………
لأنك في القلب نهر فتون. يفوح العبير على ضفتيك ”
# تمكّن الشاعرة مريم كدر، يظهر في مقاربتها كل [ الاجناس الأدبية ] فلديها مخطوط رواية ،، نوافذ القدر ،، وكتب في القصة ، وفي أواسط نيسان ٢٠٢٤ نشرت في ،،ليلك برس ،، ثاني قصة لها لكنها الأولى بعد اغترابها ، وجاءت من وحي تجربتها أو الواقع العربي بشكل عام ، حيث الإنسان يجد نفسه مضطرا للهجرة لكن الحنين يشدّ للجذور ،
عنوان قصتها جاء لافتا ،،كفّ السنونو ،، وقد وجدت صدى واسعا وسريعا لدى القراء ،تماما كالصدى الذي أحدثته قصيدتها الاغترابية الأولى ،،ليل القناديل ،، على صفحات أزهار الحرف الغراء .
والقصة ماتعة ، تشي بتمكن مريم من أدوات القصّ ، دعونا نتوقّف عند بدايتها الجاذبة لغة وقيما :
//عندما ألقيت مرساتي على شواطئ الغربة ، لم أكن أحمل من زادي سوى دعوات أمي ، وذخيرة كافية من الحبّ الصادق الذي كانت تغدقه عليّ، و قبلاتها التي تطبعها على جبيني فيخترق دفئها اللذيذ شغاف قلبي ويتغلغل فيه، ولم أكن أعلم أني سأحمله معي في قادمات الأيام ليحمي روحي من صقيع غربةٍ هي قدري الذي لا مفرّ منه// وحصدت نحو ٩٤٠٠ قراءة في ،،ليلك برس ،، ٢٠ نيسان ٢٠٢٤
وأول قصة لشاعرتنا ، نشرت في جريدة العروبة خريف ٢٠١٩ وكانت بعنوان،، وعادت طفلة،، عن معاناة فتاة تزوجت صغيرة قبل حدث جديد لحياتها أحيا فيها مشاعر الطفولة التي لم تعشها يوماً.
# وكما يتنوّع بوح مريم في الأجناس الأدبية، كذلك نراه يتنقّل بين أشكال القصيد أو البوح شعرا ، تراها تطلق العنان ليراعها ، دون أن تحصر ذاتها في جنس معين ، وفي حوارها لمجلة زهرة السوسن تراها تقول :” الشعر إلهام ، يفجئنا دون سابق استئذان ، فهي كتبت القصيدة العمودية ، وشعر التفعيلة كما سنرى د وهي كاتبة ومضة أيضا، والومضة ، ” حالة شعورية سرعان ما يرسمها المبدع بأحرف على ورقته ” كما تقول المبدعة الشاعرة السورية هدى عبد الغني ، ماينمّ عن اقتدار إبداعي خاص ، ،والمبدع ناصررمضان شاعر ومضة بامتياز ،كما الشاعرة غادة الحسيني والشاعر أديب نعمة ، وهم خير من يقدّر هذا النوع من البوح أو غيره بالتأكيد .
ومريم ، حين تلج هذا المجال الإبداعي لا تعتبره استسهالا ، بل تراه ميدان بوح عفوي لرؤى شاعرية مكثفة بما تنطوي عليه من عبر ودلالات قيم كما في قولها :
“قررت أن تردّ خيانته بمثلها ، تعرّت ، ولكنّها لم تستطع أن تخلع خجلها ”
وفي ومضة ثانية كتبت مريم:
(( حاول أن يفرح لكنه خشي أن تهجره أحزانه
لم يتعلم من الرياضيات إلا إحصاء خساراته
تخلص من الزهور بقسوة، لكن أريجها مازال يطارده
حاول أن يكتب قصته فسالت دموع الورق ))
وهي بعدما أبدعت في شعر التفعيلة ،تراها أيضا كاتبة القصيدة العمودية ، وإن لم تغادر أحلامها فقصيدتها ،، سيّد الأحلام ،، ص٢٢
جاءت وفق النموذج الفراهيدي ففيها تقول :
“حملت أحلامي إلى أحضاني. يامالكا قلبي وكل كياني
ياسيّد الأحلام قلبي مدنف. عشق استكانة جفنك الوسنان ”
وأن تصدر المجموعة الثانية لشاعرتنا ، في رحاب عيد الأم، فلا غرو، وقد زيّنت قصائدها واحدة من درر البوح والتوق بل والوفاء ، هاهي تخصّ والدتها بتحية تنطوي على إشراكنا بدعاء أن يمدّ الله في عمرها ، فقالت تحت عنوان :
( في عيد أمي ) ص33
” أمّاه يامنبع الإلهام في قلمي نفحة الأمل الريان في نغمي
يا ضوعه العطر في روحي وفي خلدي حنانك العذب يسري في عروقي
با لعمر أفديك يا قلبا برفقته يحيل عمري لجنّات من النعم ”
# مريم التى عاشت كابوس الإرهاب ، الذي طال بيتها ومكتبتها وما خطّ اليراع ، الشاعرة المرهفة التي راحت تستفيق كل يوم ،على وداع شهيد أو مغترب ، قبل أن تغترب هي بعد ما عانت كما أسلفت من فرقة وبعاد أبناء ،راحت تغرف من نهرحنين ، بإحساس مرهف ، كما لغتها ، وسلاسة عباراتها وهي تتشبث بالأمل وتصرّ على فتح ،،مدائن الفرح المغلقة ،، ص 9
“أنا التي ما قتلني قتل…
ولا اغتالني اغتيال…
ولاكسرني انكسار..
قبل أن يسكنني الغياب
……………….
فخطف أحلامي…
وأطفأ نجومي …
ألبسني الحضور رداء السراب…٠
……………
انتعلت قلبي وعبرت دروب الضياع …
أبحث عن مدائن الفرح ..
وعندما وصلت… وجدتها قد أغلقت أبوابها
فمن أغلق مدائن الفرح ؟؟!!
من أفرغ الصباح من الصباح ؟؟!!
والحياة من الحياة !!!))
# حين طالها وجع غربة الأبناء ، داوته بصبر وبوح :
(( هطل صوتك………………. من سمّاعة الهاتف
كأمطار تشرين الرقيقة …… اشتقت لأغمر عطرك
لحظة اجتاحني الحنين … لعينيك ..
صار الهاتف شمسا وقمرا … عندما هطل منه صوتك))
**************
في فصل صدديّات تطالعنا قصيدة تقليدية بالشكل / أي عمودية لمريم بعنوان ،،صدد….تخاطب الصيف،، ص ٥٠ ومطلعها :
يا صيف عد ،ليعودني أولادي. صرخ الحنين مجلجلا في فؤادي
تراها تتماهى مع حالة البلدة ، التي تضج بهجة وأعراسا و أماسي سمر خلال فصل الصيف ، حيث يعودها أبناؤها من المغتربات و المدن السورية ، حيث حملوا تحصيلهم العلمي ،إلى حيثما حلّوا ، يعودونها
لشهور أو في إجازات الإسبوع ، وهذا الإنتماء كان مبعث فخر عند شاعرتنا فتقول عن صددها:
“ولاّدة معطاءة ، وسلالتي. في الناس مثل الكوكب الوقاد
يمشون والهامات تعلو منهم. شمّ الذرا وشوامخ الأطواد
لكن ريح البعد شتّتت شملهم. تفرّقوا ،كلّ غدا ببلاد
*****************
# حتى إذا اقتلعتها رياح الغربة من بيتها ، ومن بين تلامذتها ، ومن منابر الأماسي والمهرجانات ، أخذ البوح مداه وسع الحنين ، لكنّها لم تسمح للدنيا أن تسوّدّ في عينيها ،فراح قصيدها يضيء ليل غربتها بقناديل الأمل بلمّ شمل ، وبلا كلل ، فرتّلت ،، ليل القناديل ،، كأولى قصائد مريم في المغترب [ لاقت صدى واسعا وحصدت نحو 13000 قراءة في مجلة ،،أزهار الحرف 15\1\2024] ، وجاء عنوانها اللافت والمعكوس ، طاردا لعتمة لم تكن خيارها ،لولا أنها واحد من أمرين :”أحلاهما مرّ” ،فراحت ترسل معانيها على جناح توق وبوح في سلاسة تعبيرية جاذبة :
((كدمع الزيت في ليل القناديل
وصوت الآه في نايٍ تحطّم
من حميم الشوق
من وجع المراسيل”
# تراها بساطة التعبير ، محمولة على صور بيانية ،غير متكلفة ، وعلى تتالي تفعيلتها بجرس موسيقي ماتع ، بتناوب القافية والروي ، أو تكرارها :
((تحطّم خافقي الدامي
دروبٌ بات يمشيها
وأوجاعُ يقاسيها
وألحان على أوتار
خيباتٍ يغنّيها
فتشعل جذوة الأحزان
في صمت التماثيل))
و على أجراس الذكرى ، تعزف مريم بعض قصائد مجموعتها الجديدة ،،على رصيف الحلم ،، حيث الفؤاد مكسور.
كما في (حقائب النسيان) ص 13 :
“أودعت ذكراك في حقائب النسيان
وأودعت معها شظايا الفؤاد المكسور
والفرح المهجور
وفي كل صباح
تقرع أجراس الذكرى
وتصرخ حنيناً
إلى الماضي البعيد …”
ما بين،، جنون حلم ،، و،،على رصيف الحلم ،، ثمة لمريم ،،موعد مع الحلم ،، ص 6 ، ولعلّها تحقّق ما تحلم به ، والحلم رفيق الإبداع ، بل لعلّها تتحف القراء بما هو جديد بنكهة اغتراب باشرته في قصيدتها ،، ليل القناديل ،،
# وهي طرقت هذا الباب قبلا، ففي القسم الأخير من الديوان ، تتوقف مريم عند مرارة معاناة ، فتسمه بعنوان : ،،من وحي مواجع الغربة ،، كما في قصيدة نجوى مغترب ص ٩٥:
“نذوب شوقا لدهر كان يجمعنا. بكلّ غال عزيز من أهالينا
فمنذ صار هذا البعد ديدننا. وراحة البال ما عادت تلاقينا
لكن بالقلب أحباب ،تذكّرهم. يعطر الروح بالآمال يحيينا ”
# لعل مايلفت في عديد قصائد مريم أنها بوح مغنّاة شعرية ، بل تراتيل يجود بها ،يراع شاعرة متمكّنة لغة وأفكارا، ومتشبّعة رؤى وقيما مرفوقة بموهبة إبداعية ،صقلتها معايشات ، و راكمتها سنون ، ومشاركات منبرية لشدو القصيد على أسماع جمهور ، ونثر أريجه أمام قراء عديد المنصّات والفضاءات ، قبل وبعد مجموعتيها ،، جنون حلم ،، و،،على رصيف الحلم ،، ولعلّ ما بعدهما يشي بتحقيق ،،بعض حلم ،، لا يفارق مبدعا ، ولاطامحا في تجاوز تحديات تراها تتوالد، وتتراكم ،على أمل منجز جديد بهذه النكهة المتجدّدة .
*شهادات
قراءتي هذه في نتاج مريم جاءت ، في ندوة ، نظمها ٤ أيار ٢٠٢٤ عبر تطبيق zoom ملتقى الشعراء العرب وأدارها الأديب والشاعر المصري ، ناصر رمضان ، مدير الملتقى ، وقد وصف مريم بأنها :” شاعرة وناقدة ومثقّفة من طراز فريد. تحدّثتُ معها فوجدتها بحرًا لا قرار له. ورغم كلّ ما مرّت به، فإنّها مازالت مُحِبّة للعلم والثّقافة وللأدب وللّغة العربيّة والشِّعر العربيّ الذي تحفظ منه الكثير وتستدعيه وقت الحاجة ويشهد الله أنّي رأيتها معجمًا لغويًّا وأدبيًّا على الأرض يتحرّك .
مريم تقرؤها ولا ترحل ،لأنّ شِعرها يمثّلك، وشعورها يصلك، وحنينها، وحلمها المسلوب هو حلمك المسلوب.”
*الشاعر أديب نعمة قال:” مريم كدر شاعرة وأديبة المرموقة صاحبة ديوان ( على رصيف الحلم ) والغوص فيه يكشف لنا عن شخصية شعرية متميزة اخذت من القديم جماليته وتمردت على القوانين التي تحد من تحليق الفكر في فضاءات الأدب تناولت موضوعاتها بعفوية ودون تكلف أو تصنًّع وهذا شأن الاديبة المطبوعة التي تلامس كلماتها أشغفة القلوب كما في قصيدة مدائن الفرح المغلقة ص ٩ من ديوانها الجديد،، على رصيف الحلم،،..
وقد حالت ظروف تقنية دون مشاركة الشاعر أديب في الندوة التي قدمتها الشاعرة اللبنانية غادة الحسيني
التي عرضت ملخصا عن الديوان والسير الأدبية للشاعرة وللمشاركين بركات ونعمة .
*سعدالله بركات، نفحات القلم / ليلك برس