من كتاب ألفاظ ومعان .
د.رفعت شميس
عندما فكرت بتأليف كتابي ” ألفاظ ومعان ” كان الدافع الأساس هو أن معاجم اللغة العربية لم تتطرق إلى أصل الألفاظ وجذورها وتشاركها مع لغات أخرى ، والاكتفاء مع الألفاظ – أغلبها – بذكر المعنى دون تعمق … ولم تتم الاشارة إلى أن الكثير من الألفاظ دخلت العربية من لغات أخرى فصارت منها ، لدرجة أن الباحث السعودي، لؤي الشريف يشير إلى أن 85% من ألفاظ القرآن الكريم ذات أصل سرياني … (*)
========
لفظة بوز .
في مادة ” ب و ز ” ستجد في معاجم اللغة العربية شرحا لمعنى بوّز والطريف أنه ورد في معجم المعاني (1):
بوَّزَ يبوِّز ، تبويزًا ، فهو مُبوِّز
بوَّز الولدُ : قبض بوزَه وصَرَمه، قطّب وجهَه وأظهر اشمئزازَه بوَّز الطِّفلُ أمام طعام لا يحبُّه .
البُوز : الفم وما حواليه والجمع : أبْواز . (2)
فقد اعتبر صاحب المعجم أن بوّز بمعنى ” عبس ” وزعم أن معنى كلمة بوز الفم وما حوله ، فماذا حوله ؟ أيقصد الخدين مثلاً ؟!
تتردد كلمة بوز كثيرا وبعض المطاعم يطلق عليها اسم بوز الجدي .
ونحن نستخدم كلمة بوز بالعامية بمعنى المقدمة ، فيقال : بوز السيارة أي مقدمتها . وفي العامية ” سد بوزك ” تقال لمن تريده أن يلتزم الصمت ويغلق فمه . والحقيقة أن كلمة بوز لا علاقة لها بالفم وانما بالشفة والوجه عموما وهي لفظة غير عربية إلا أنها دخلت العربية وانتشرت في بلاد الشام خصوصاً ومنها إلى الكثير من الدول العربية .
الكلمة ذات أصل روماني ومعنى بوزا ” بأمالة الألف ” : بالرومانية buze أي شفة(3) – الشفاه . ولا عجب أن تكون كلمة ( بوسة ) والتي تعني القبلة ذات أصل روماني فهي أي ال ( بوسة ) زم للشفاه من أجل التقبيل ، وأيضا وردت بالرومانية Poze وتعني صورة ، ولا عجب أن تكون لفظة ( صورت ) بالفارسية تعني الوجه / زمن هنا نجد أن كلمة صورة ليست عربية وإنما دخلت العربية فصارت منها ، ونتابع ….
نحن نعلم أن أعضاء الجسم تتشابه عند البشر مثلا الأطراف الجذع الكتفين الخ … ولكن الوجه يختلف إذ نميز بين شخصين نعرفهما من خلال النظر في الوجه . فالوجه هو الذي يكون الجزء الذي يتم تصويره في بطاقة التعريف وجواز السفر . ولا عجب ان كلمة وجه العربية هي كلمة : ” صورت ” الفارسية اي صورة .
واتوقف مع كلمة شفة .. الشفة بوابة الفم ، والفم مدخل الطعام وهو مخرج الالفاظ والكلام عند البشر ، وقد ارتبط الفم بالعبادة (4) حيث أدرك الكائن البشري ضعفه وخوفه فراح يبحث عن مصادر القوة ليقدم لها الولاء والطاعة كي تبقيه على قيد الحياة وكي تحقق له امانيه، فعبد الشمس والقمر والنار وغيرها (5) وكان يرى أن للفم مكانة خاصة على سائر الأعضاء (6).فهو مصدر دخول لذيذ الطعام وهو مصدر خروج الأصوات والصيحات التي تمنحه الشعور بالقوة وكلما علت الصيحات اثناء القتال كلما اشتد خوف الخصم (7).والأهم من ذلك هو مخرج الأصوات والألفاظ التي يعبر فيها عن مشاعره .
ولكن هل من علاقة بين بوذا ( والشفاه أو الصورة فيما ذهبنا إليه ؟
هناك من ذهب إلى أن بوذا مجرد اسطورة نشأت قبل الميلاد بعدة قرون ، بينما ذهب البعض إلى أنه كان رجلا مصلحاً وقد أراد أن ينقذ شعبه من التخبط في عبادات عديدة كالشمس والنار فأوجد لهم ديانة نسبت الى اسمه ، وأرى أنه إذا كان بوذا شخصية حقيقية فأسمه مجرد لقب وربما يعني الوجه أو الشفة كما في اللغة الرومانية .
================
(*) : في الحقيقة هناك مبالغة أو ربما اختلط على الباحث لؤي الشريف فليست كل الالفاظ التي يرى أنها سريانية هي حقا سريانية فهناك ألفاظ يونانية وفارسية وبهلوية وعبرية وحبشية ومصرية .
(1) المعاجم العربية اكتفت بذكر مادة بوز على أنها الفم وما يلحق به .
(2) في العامية نقول بوزم . بمعنى عبس والكلمة لم تأت عبثا أو من فراغ . فهي من مادة بوز . بفتح الجميع .
(3) سنلاحظ العلاقة بين الشفاه والعبادة وبوذا … والقبلة أي البوسة.
(4) تقبيل الأرض أمام السيد او الآلهة او رمز الآلهة ، تمثال او صورة او منحوتة وما شابه. تقبيل الكتب الدينية المقدسة … ويكون التقبيل بملامسة الشفتين للشيء …تلك الملامسة تسمى بالعامية عند اغلب العرب بوسة .
(5) العبادات الأولى كانت بسبب الخوف من الجبروت وليس حبا وكرامة .
(6 ) فيما بعد يكتشف أهمية اعضاء أخرى فقدسها مثل العضو الذكري والفرج …
(7) بعض الفنون القتالية كالكاراتيه والتوكواندو وغيرها تعتمد الصيحات كلزوميات في التدريب.
(8)تقدّر الإحصائيّات غير الرّسميّة عدد معتنقي هذه الدّيانة عبر العالم بما يقارب مئة وخمسين مليون إنسان أو ثلاثمئة مليون إنسان حسب إحصائيّات أخرى، ويتواجد معتنقو المذهب البوذي في الهند والصّين والتّبت واليابان وكوريا وبورما وتايلاند وسيلان