رغم إشادة السلطات السعودية وثناءها على طريقة أداء مناسك الحج هذا العام، إلا أن الحرارة غير المسبوقة (وإن كانت بفارق نحو درجتين مقارنة بالسنوات السابقة)، تسببت في وقوع العديد من الضحايا البشرية، في وقت حاولت فيه السلطات السعودية ووسائل الإعلام أيضا عدم إبراز هذا الأمر بشكل كبير.
إذ لم تنفك وسائل الاعلام الـتأكيد على مصطلحات “انتبهوا” معتمدةً أسلوب التقليل من أعداد الضحايا، وفي حين أشاروا إلى تحذيراتهم السابقة من احتمال وقوع مثل هذه الحوادث، فقد اعتبروا أن سببها هو إهمال المراجعين للمشورة الطبية.
وأعلن التلفزيون السعودي أن الحجاج أدوا مناسك الحج في أجواء شديدة الحرارة، ما أدى إلى وفاة بعضهم خلال موسم الحج الحالي. وبحسب الإعلان الرسمي للسلطات السعودية، فإن الحجاج الذين يأتون بتصريح رسمي لهم الحقوق التي تكفلها السلطات السعودية، أما الذين يأتون بدون تصريح فلا يتمتعون بهذه الحقوق، وفي الحقيقة ينكرون حقوق الحجاج الآخرين مع تصاريح. بدورها، حذرت وزارة الصحة السعودية عبر موقع “X” من التعرض لأشعة الشمس خلال ساعات الظهر وحتى بعد الظهر، عندما تصل درجة الحرارة إلى 49 درجة مئوية، وأوصت باستخدام المظلات وشرب الكثير من الماء وقال جميل أبو العين المشرف العام على الإدارة العامة للطوارئ بوزارة الصحة السعودية لرويترز إن الوزارة قدمت خدمات صحية وطبية لأكثر من 2700 حاج تتعلق بارتفاع درجة الحرارة.
وبحسب آخر الإحصائيات التي نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية، فقد تجاوز عدد وفيات الحجاج هذا العام 1000، منهم 658 حاجاً مصرياً، و630 منهم لا يحملون تصاريح الحج. وأيضاً إندونيسيا (183 شخصاً)، الهند (68)، الأردن (60)، باكستان (35)، تونس (35)، كردستان العراق (13)، ماليزيا (14)، إيران (11)، السنغال (3) والسودان ( 1)، على التوالي، في حين سجّلت مصر أكبر عدد من الضحايا (الوفيات) خلال موسم الحج هذا العام.
كما نقلت وكالة رويترز للأنباء عن وزارة الخارجية الأردنية تحت عنوان “الحجاج في مكة يغرقون في لهيب الشمس ويفقد العشرات حياتهم” أن 6 مواطنين أردنيين توفوا بسبب حروق الشمس أثناء الحج. وأعلنت الوزارة لاحقا أن عدد الوفيات وصل إلى 14، دون أن تحدد سبب الوفاة.
وذكرت وكالة فرانس برس نقلا عن دبلوماسيين عرب، أن 323 حاجا مصريا على الأقل لقوا حتفهم أثناء أداء مناسك الحج في مكة، معظمهم بسبب ارتفاع درجات الحرارة. وذكرت وكالة فرانس برس في مكان آخر أن إجمالي عدد الجثث المنقولة إلى مشرحة الميسيم، أكبر مشرحة في مكة، وصل إلى 550.
كما أعلنت وكالة فرانس برس أن 60 حاجا أردنيا على الأقل لقوا حتفهم أيضا. هذا فيما أعلنت وسائل الإعلام الرسمية في الأردن أن عدد الوفيات بلغ 41 شخصا.
توفي الحاج طارق البستنجي شفيع أهل غزة متأثرا بحروق الشمس على جبل عرفة (الصحافة الأردنية)
والحاج طارق البستنجي هو عضو نقابة المعلمين في الأردن، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو منسوب له يدعو فيه لأهل غزة أثناء عبوره باتجاه جبل عرفات. وبعد ذلك نشر عمه السيد رياض البستنجي منشوراً على الفيسبوك أعلن فيه وفاة ابن أخيه (طارق). وقد حظيت صلاته من أجل أهل غزة ومن أجل نصرهم الوشيك باهتمام خاص من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أطلق عليه البعض اسم مختار الله.
وأعلنت دائرة العمليات والشؤون القنصلية في بيان لها أن “جميع القتلى والمفقودين ليسوا من ضمن وفد الحج الأردني الرسمي” وتم تفعيل فريق أزمة في هذه الدائرة لمتابعة عمليات الدفن والنقل والبحث عن الأشخاص المفقودون.
كما قالت وزارة الأوقاف الأردنية -الاثنين- إن فرقها تمكنت من العثور على الحجاج المفقودين في مخيمات الحج الأردنية، فيما يستمر البحث عن أحد أعضاء وفد الحج الرسمي الذي لا يزال مفقودا. وقال وزير الأوقاف محمد الخليلة لوسائل إعلام محلية إن المتوفين جاءوا بتأشيرات سياحية ولا توجد معلومات عنهم في بعثة الحج.
*بعض المسؤولين المصريين والأردنيين يطالبون بتحقيق
من جانبه قال الكاتب الأردني ياسر الزعترا عبر حسابه على منصة “إكس” عن هذه الوفيات: “هذه مأساة تستحق التحقيق فيها، حتى لو كان السبب هو التعرض للشمس أثناء المشي في درجات حرارة عالية”.
وفي إشارة إلى ارتفاع عدد الضحايا (وفيات ومفقودين)، طالب محمد عبد العليم داوود، عضو مجلس النواب المصري، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بأسرع ما يمكن من قبل الجهات المعنية بشأن وفاة مصريين في موسم الحج، وقال: لابد من كشف دور البعثة الطبية المصرية في موسم الحج ومن الضروري رفع الستار عن كل الحقائق للشعب المصري!
وأكدت وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج سها جندي، أن الوزارة ظلت تعمل خلال إجازة الحج وعيد الأضحى من خلال غرفة العمليات على مدار الساعة عقب وفاة عدد كبير من المواطنين أثناء الحج .
كما أعلنت القنصلية العامة للمغرب بجدة بالسعودية وفاة 5 حجاج مغاربة لأسباب مختلفة. وأعلن مصدر بالقنصلية العامة لروسيا بجدة أن 4 حجاج روس توفوا أيضا أثناء أداء مناسك الحج بمكة المكرمة. وفي هذا العام، ذهب ما يقرب من 25 ألف حاج من روسيا لأداء فريضة الحج، منهم 400 من أفراد عائلات العسكريين الذين قتلوا في العمليات العسكرية، كما ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن من بين الضحايا الإندونيسيين ثلاثة منهم ماتوا بسبب ضربة شمس.
وفي الفضاء الافتراضي، أبدى بعض المستخدمين، خاصة المصريين، استغرابهم واحتجاجهم على عدم مبالاة السلطات السعودية بمعاناة الموتى وتركهم على جانب الشارع وعلى جوانب الطرق. ويبدو أن وسائل الإعلام السعودية، ووسائل الإعلام في الدول المتضررة وعلى رأسها مصر والأردن، لا تملك الانفتاح اللازم للكشف عن الإحصائيات الدقيقة للوفيات. إن عدم الإعلان عن الإحصائيات الحقيقية يمكن أن يضعهم في موقف محرج أمام إشباع فضول الرأي العام لمعرفة مجريات وتفاصيل ما حدث، ومن ناحية أخرى، سيؤثر هذا الأمر على علاقات هذه الدول مع المملكة العربية السعودية.
ورغم أن السلطات السعودية تتنصل بسهولة من مسؤولية الخسائر البشرية بذرائع مختلفة، منها عدم الحصول على تصريح الحج، إلا أن المشاكل لا تنتهي فقط بعدم الحصول على التصريح، فالمؤسسات المسؤولة في مجال الحج والعمرة لا تتعاون كثيراً في علاقاتها مع الدول الإسلامية المشاركة في الحج، من أجل تحسين مستوى الخدمة المقدمة للحجاج وإزالة النواقص والعثرات الماثلة.