مفاجأة لم يتوقعها أحد، كانت من نصيب من قرروا متابعة مسلسل “عمر أفندي” -الذي بدأ عرضه عبر منصة “شاهد” قبل أسبوعين- دون توقعات مرتفعة، إذ على الفور بات الأعلى مشاهدة ومحور الحديث على منصات التواصل الاجتماعي، رغم كونه البطولة الدرامية الأولى للممثل أحمد حاتم.
هذا الانجذاب الفوري بدأ بسبب حبكة العمل الفانتازية التي تناولت فكرة السفر عبر الزمن وتحديدا العودة للماضي، مما جعل البعض يظنون المسلسل سوف يقتبس من ديستوبيا مسلسل “دارك” (Dark) قبل أن يفاجأ المتابعون بأجواء مختلفة تجمع بين خفة الظل والأحداث غير المتوقعة مع بعض الغموض، مما زاد من المحتشدين حول العمل.
عمر أفندي
تدور أحداث مسلسل “عمر أفندي” بين حقبتين زمنيتين، الأولى معاصرة تعكس عالمنا السريع القاسي والبغيض أحيانا، والثانية بالماضي البعيد حيث الاحتلال الإنجليزي لمصر في حقبة الأربعينيات وزمن قصص الحب الأفلاطونية وبدايات العديد من الفنون الاستعراضية والحياة ذات الإيقاع البطيء المتزن، ورغم كل الصراعات المحتدمة حينذاك يبدو كل شيء ذا رونق خاص وجذاب.
بطل القصة هو “علي”، أب وزوج لفتاة شديدة الثراء، أحبها فاضطر للعمل مع والدها وإمضاء شيكات لإثبات عدم طمعه بأموالها، ورغم مساهماته لإنجاح شركتهم يراه والد زوجته وصوليا بدرجة أقل اجتماعيا ويسيء معاملته، الغريب أن “تهامي” والد “علي” يرفض الزيجة هو الآخر لعدم التكافؤ وأمام إصرار ابنه يقاطع كل منهما الآخر لسنوات.
غير أن كل شيء ينقلب رأسا على عقب فور وفاة والد البطل، حيث يكتشف “علي” سردابا أسفل منزل أبيه يقوده إلى عام 1943، وهناك يتعرّف إلى “زينات” الفنانة الاستعراضية وأمها “دلال” الراقصة المعتزلة زوجة أبيه، و”دياسطي” البوسطجي الذي يحلم أن يكون فدائيا، و”شلهوب” اليهودي البخيل الذي يخشى الألمان ويحاول التخفّى منهم، إضافة إلى شخصيات أخرى.
لأسباب حسية وحميمية يسحر هذا العالم “علي” أو “عمر أفندي”، وهو الاسم الذي يختاره لنفسه بذاك العالم الموازي، خاصة أنه يتيح له اكتشاف جوانب خفية عن والده وأن ينهل من فنون مختلفة. ومن ثم يتنقل بين العالمين محاولا الاستفادة من الاختراعات الحديثة والأغنيات وأخبار الصحف القديمة لتطويع الأمور لصالحه، وهو ما يجري بطريقة ساخرة.
نوستالجيا الزمن الجميل
مثلما وقع عمر أفندي بحب الأربعينيات، فعل المشاهدون الذين أكدوا افتقادهم مظاهر الحياة بعيدا عن التكنولوجيا واعتكاف البشر خلف شاشات هواتفهم، راغبين في العودة إلى عصور اعتاد قاطنوها عيش حياة ذات تفاصيل متشابهة وواقع واحد بسيط دون فروقات شاسعة.
ساعد على ذلك جاذبية الديكور شديد الدقة والحساسية لأحمد جمال، والأزياء والإكسسوارات التي عبرت بمصداقية عن هيئة رواد تلك الحقبة، وتغليف كل ذلك بمفردات قديمة مميزة جاء في مقدمتها “حاجة 13” التي سرعان ما تداولها الجمهور تعبيرا عن إعجابهم بالمسلسل.
ومع أن المسلسل هو التجربة الإخراجية الأولى للشاب عبد الرحمن أبو غزالة، فإنه نجح بتأكيد امتلاكه أدوات مرهفة وميزان منضبط أحسن عبره توظيف كتابة مصطفى حمدي التي تضمنت جرعة من الكوميديا تغلفها التراجيديا دون ابتذال أو استسهال.
في حب زينات ودياسطي
رغم أن أحمد حاتم هو البطل الرئيسي، فإن كلا من الممثلة آية سماحة “زينات” والممثل مصطفى أبو سريع “دياسطي” نجحا بكسب محبة الجمهور ومضاعفة ارتباط المشاهدين بالعمل.
من جهة لتلقائية الأداء الخاص بهما، ومن أخرى لخفة ظلهما الملحوظة والثنائيات المتناغمة التي جمعتهما مع البطل، مما جعل النقاد يتوقعون لهما نقلة بالأدوار التي سوف تسند إليهما مستقبلا.
ممن أجادوا أدوارهم أيضا محمد رضوان “شلهوب” ومحمود حافظ “أباظة” كذلك برع الكثيرون من أصحاب الأدوار الثانوية، في حين اتسم أداء رانيا يوسف بالتواضع، وظل تمثيل أحمد حاتم هو الحلقة الأضعف بالعمل.
أولا لعدم قدرته على تجسيد الانفعالات التي تمر بها الشخصية، وثانيا لشعور الجمهور بأن محاولاته الكوميدية دخيلة على شخصه وتكاد تكون مفتعلة، إلا أن الكتابة الجيدة ومشاركة آية سماحة ومصطفى أبو سريع مشاهده الطريفة كان السبب وراء قبولها جماهيريا.
بجانب الاختيار غير الموفق لحاتم بدور البطولة، من العيوب الأخرى التي شابت العمل كان الإيقاع شديد البطء بالأحداث حَد الملل، لم ينقذ العمل من هذا التباطؤ سوى قصر عدد حلقاته (15 حلقة) وفضول الجمهور لمعرفة ما ستؤول إليه الأحداث والاستمتاع بالحالة الخاصة التي وفرها المسلسل.
كذلك وقع صانعو العمل ببعض الأخطاء السطحية التي كان يمكن تفاديها بقليل من المراجعة، مثل استعراض صورة لجريدة قديمة بتاريخ محدد وبالرجوع لذاك اليوم يتضح أن التاريخ يوافق يوما آخر من أيام الأسبوع.
دراما تفاعلية
أما أبرز ما أسهم بنجاح المسلسل كان حالة الغموض التي فرضها العمل على المتلقي وحثته على التفاعل مع الألغاز من حوله، إذ شرع الجميع يحاولون التنبؤ بأي الأزمنة قد يختار عمر المكوث بها، في حين تساءل آخرون: هل يعود البطل للماضي بالفعل أم أنه يتخيل كل ما يجري لفرط نفوره من حاضره؟
كذلك كان هناك أسئلة أخرى فرعية، من بينها من هو “الشبح” ذلك الفدائي الذي يبحث عنه الإنجليز، هل يكون “تهامي” أم “أباظة” أم مجهول؟ ومع الاقتراب من الحلقة الأخيرة ازدادت حدة الأحداث وباتت أكثر درامية مع التوالي بكشف الحقائق، الأمر الذي جعل الحلقة 14 تحظى على مكانة خاصة بقلوب المشاهدين.
موسم جديد تلبية لرغبة الجمهور
تلك الحالة من الصخب والجدل والاستمتاع شجعت البعض على المطالبة بأجزاء أخرى من العمل، خاصة أن قصة السفر عبر الزمن تحتمل خطوط درامية وحكايات لا تنتهي، الأمر الذي استجاب له صانعو المسلسل على الفور معلنين بداية التحضير بالفعل لموسم قادم.
وهو الخبر الذي أثلج صدور الكثيرين، غير أن البعض كان لهم رأي آخر بسبب عيوب العمل، على رأسها الملل وإسناد البطولة لأحمد حاتم، لكننا لا نملك إلا أن ننتظر ونرى، متمنين أن يكون الموسم القادم متماسكا دراميا وأن يحتوي سردا أكثر تصاعدية والسفر لأزمنة جديدة ربما مستقبلية.
والأهم الاستفادة من نظرية “أثر الفراشة” حيث تؤثر التغييرات التي يجريها الأبطال سواء بالماضي أو المستقبل على الحاضر الأصلي، وهو ما جرى الإشارة إليه بالموسم الحالي لكن بطريقة بدت غير منطقية حملت بعض التناقضات والاستفهامات.
جدير بالذكر أن بعض المشاهدين أعربوا عن استيائهم من كثرة المشاهد التي جرت في “بيت الدعارة”، فحتى مع ما بها من كوميديا وخلوها من الإغراء أو الإثارة لكنها حالت دون أن يصبح المسلسل عملا عائليا صالحا للمشاهدة من قِبل الصغار، وهو ما كان يمكن للحبكة أن تحتمله ويزيد من شعبيته.
“عمر أفندي” عمل درامي فانتازي رومانسي غير تقليدي من 15 حلقة للباحثين عن حكاية خفيفة الظل والروح وتجربة بصرية دافئة وطيبة مليئة بالاستعراضات.
المسلسل بطولة أحمد حاتم، آية سماحة، رانيا يوسف، محمد رضوان، محمود حافظ، مصطفى أبو سريع، محمد عبد العظيم، وميران عبد الوارث، ومن تأليف مصطفى حمدي، وإخراج عبد الرحمن أبوغزالة.