“زمن التجريد” كتاب جديد للشاعر والباحث محمود نقشو سلط الضوء من خلاله على شاعرية العالم غير المرئي، من خلال التمحيص في تأصيله ودوافعه وما آل إليه بعد قرن من ولادة فن التجريد بمختلف أنواع الفنون الأدبية والتشكيلية، موضحاً أن هذا الفن أحدث ثورة حقيقية في العالم بجوار الثورة العلمية والتقنية المرافقة التي غيرت إحداثيات الفن والأدب، وما زال الانعطاف مستمراً من خلال الأدب والفنون الأخرى.
ويسلط المبدعون حسب نقشو اهتمامهم نحو المنظور والأجسام والأبعاد والأشكال والألوان بعيداً عن المفاهيم التقليدية على فكرة أن هناك ما هو مجهول، وقد خلف هذا التقدم وتلك الحداثة وكل أضواء عصر التنوير عجزاً وقلقاً وكآبة وإحساسا بالضياع لا يمكن إنكاره.
ويشير نقشو في كتابه إلى أن أغلب الكتاب في هذا المجال ينتمون بشكل أو بآخر إلى عالم ما بعد الحداثة، وهم من الفلاسفة ويمتلكون القدرة على توظيف استراتيجيات فكرية في غاية الذكاء، لافتاً إلى أن مفاعيل هذه الحركة التجريدية لا تزال مؤثرة في المشهد الثقافي العالمي، مرجعاً أساسياً في تأريخ الأفكار عقب الحرب العالمية الثانية بعد شيوع الإحساس المتعاظم بالعبثية واللامعنى في الوجود الإنساني ذاته.
وبين نقشو أن الكثيرين اعتمدوا التجريد أساساً جديداً للتعاطي مع الفن شكلاً ومضموناً، منعتقين من سطوة التصوير الطبيعي الذي ساد قروناً طويلة، مدعين أن هذه النزعة الشكلية تنفصل عن الأفعال والموضوعات التي تتألف منها التجربة المعتادة، فالفن عالم قائم بذاته وليس مكلفاً بالسير على إيقاع الحياة أو الاقتباس منها، فينبغي أن يكون مستقلاً مكتفياً بذاته.
ورأى نقشو أن التجريد أجهز على الثنائية التي حددت الصيغة البنائية للشكل وفق المضمون، وقد تخلصت الأشكال من حمولاتها الدلالية الإخبارية فأخذت تؤدي هدفها الجمالي في ذاته حتى يتقصى المتلقي عن القيم الجمالية الخالصة والكامنة في الأنساق البنائية لأشكال اللوحة الماثلة أمامه.
وبين نقشو في كتابه مستخلصاً مما رآه أن الشعر هو جنون اللغة وأناقتها وكذا التجريد في الفن، فهو عمل استثنائي إضافة إلى تعدد الآراء تجاه الرسم والنحت والصورة الضوئية التي يجب أن تكون مخلصة لما هو حديث، ويلمح إلى وجود الأشياء بشكل رمزي ودلالي وهذا ينطبق أيضاً على الموسيقا وكل الفنون الأخرى.
وأوضح نقشو في كتابه أن التجريد في اللغة هو العلو عن كل ما هو ثانوي، فالتجريد هو اعتزال الخلق وترك العلائق والعوائق، والانفصال عن الذات وقطع العلائق الظاهرية والباطنية وأشياء أخرى.
وعبر كتابه يبحث نقشو في مكونات كثيرة للتجريد مثل تلازم المسارين، والتجسيد والتجريد بين الشرق والغرب، والواقعي والتجريدي في العمل الفني، ومرحلة ما قبل الحداثة، والحداثة وما بعد الحداثة، إضافة إلى البحث في التجريد جسداً وإدراكاً، والفن بين المرئي واللامرئي، وتجليات التجريد، وأزمة التوصيل والتلقي، وإحداثيات نقطة الانعطاف، وغير ذلك بشكل منهجي وتطبيقي دقيق.
يذكر أن الأديب محمود نقشو هو شاعر باحث وعضو اتحاد الكتاب العرب، ومن مؤلفاته في الشعر: “أسئلة الحرائق” و”جسر الخراب” و”أوراق خريف” وفقه الليل”، أما في البحوث فقدم عدة مؤلفات منها: “شعراء دمشق” و”الأنتروبيا” و”الشعر ونظريات في قفص الاتهام”.