في روايته الثالثة ،، مذكرات فأر ابيض ،،
د. عبداللطيف يغرف مجددا من بحر المجتمع ، فهل من يتعظّ؟!
# بقلم سعدالله بركات *
ليس جديدا ، على الأديب الطبيب روضان عبد اللطيف ، أن يلامس السلبيات المجتمعية ، مضيئا عليها ، ومنوّها بخطر تداعياتها ، أو مناشدا بأخذ العبرة منها وما يماثلها ولكنه نحا هذه المرة باتجاه آخر ، فطالعنا بمرويّة لافتة ، اختار لبطولتها فأرا أبيض يقصّها ، ليخلص إلى مأربه التوعوي .
وليس جديدا أن يسرد الكتّاب حكايات أو حوارات مجتمعية على لسان حيوانات ، فكتاب ،،كليلة ودمنة ،، الذي ترجمه ابن المقفع من الفهلوية في العصر العباسي….اتحفنا ، بقصص تبسّط مغازي وعبرا من الحياة ، قبل أن تتحفنا الشاشات الصغيرة بأفلام الكارتون ،،الرسوم المتحركة ،، الجاذبة للكبار قبل الصغار ، وأغلب قصصها تدور على لسان الطيور والحيوانات ، وأحسب أن القصد ،هوالابتعاد عن الموعظة المباشرة ، وتقديم الفكرة عبر حوارات ماتعة، وتشدّ المتلقي بسلاستها ، وأكاد أزعم أن المتعة والجذب وراء إسناد الدكتور روضان ، حكاية منجزه الأدبي الجديد إلى فأر يرويها على شكل مذكّرات دوّنها ليفيد بني جنسه منها ، وها هو المؤلّف يغوص مجددا في عمق المجتمع ، وبحر سلبيات تراكمت أو استجدت ، ليستخلص العبر ، لعلّ من يرعوي أو يتّعظ ، على نحو ما فعل في روايتيه السابقتين ،د ثلاث حصيات ،، حيث تناول مشكلة الإرث وتداعياتها و،، المدينة اللافاضلة حيث أضاء على قضايا مجتمعية معتّم على بعضها ، ومنها استغلال الأطفال، التنمّر ، الهالات المجتمعية، ترويج المخدرات، تجارة الآثار، والفرق بين حياة الريف والمدينة، فساد بعض أنماط العلاقات الاجتماعية ،،، بل وحتى في قصته الأولى ،،حدث في عيادة ،، التي نال عنها جائزة نقابات أطباء الأسنان العرب في مسابقة الأردن ..٢٠١٩.حيث تناول مشكلة ابتزاز الأطباء .
مهّد الكاتب لروايته ، بالقول :” إنها ترجمة لما دوّنه افتراضيا ً فأر أبيض هر ِم لبني جنسه في مذكرات تعادل حوالي مائة واحدى وأربعين صفحة، يروي فيها تفاصيل حياته منذ ولادته حتى كتابة المذكرات، وما شاهده أو سمعه، أو حدث معه، بأسلوب شائق” متمنيا “الاستفادة مما ورد فيها، وإسقاطه على تجاربنا في الحياة ”
يباشر الراوي حكايته الافتراضية بمقدمة يوضح فيها أنه تجاوزكثيرا بعمره كل بني جنسه ، وما شهده من أحداث ، وما عاشر من طباع .. فقرّر أن يروي ماجرى معه ، ببساطة وموضوعية :”عسى ولعل ّ أبناء جنسي – معشر الفئران البيضاء – يستفيدون منه، فيتجنّبون كل ما كرهته، ويبتعدون عن كل ما قاسيته، ……، ويسعون لعمل كل شيء يفيدهم ولا يضرّ غيرهم، ويستخلصون من تجربتي هذه معارف وعلوما ً من خلال قراءة هذه المذكرات” ص 10
في حديثه عن ولادته ونشأته ، أراد الرواي تذكيرنا بفضل الأهل على الأبناء ، فروى ظروف عيشه و،،أسرته حياة هانئة مسالمة ، وكيف كان أبواه يعتنيان به وإخوته ،، وكيف استماتت أمهم بادفاع عنهم حين اكتشف صبية حجرهم بالصدفة ، وراحو يهاجمونهم فوقعت ،، الكارثة ،،ص ١٤.
وحين حجز وأخوه في قفص، بعد خطف والدته ، نقلا إلى بيت ثري اسمه شريف ،، ولكنّه ليس بالشريف ،، حينها عاينا ما يدور في بيت شريف من دسائس وخيانة زوجية ص٤٨..
وهكذا يمضي في رواية مشاهداتهما في ،، عيادة الطبيب ، ثم في منزل الشاعر ، وليس أخيرا في منزل ،،النبيل ،، حيث ينقل لنا من حواره مع أمه المريضة نصائحها المعبّرة :
،،- صدقني يا ولدي إن العمل الصالح هو الذي يدوم، قد يجبر، الناس على أن يخطئوا أو يكونوا سيئين، قد تدفعهم ظروفهم أو فاقتهم أو حاجتهم إلى ذلك، قد تجد بين الناس خيّرين أجبروا على ارتكاب الشر يوما ً.
– صدقني، كلّ منا مزيج من الخير والشرّ، قد يجبر أحدنا بسبب الظروف أو الرغبة على أن يطغى أحدهما على الآخر، مما يعطي الناس صورته الظاهرة من خلال ذاك الوجه، ويصبح صعبا ً عليه
تغييرها وإزالتها من ذاكرة الناس.
-حاول أن يطغى عندك الخير على الشرّ دائما ً، وإن لم تستطع أو أجبرت على ذلك، فلا بأس أن تكون شريرا ً بأقل درجة من الشر، بما يردّ الشرّ والضرر عنك ،، ليسوق لنا في الختام عبرته الغنية بالدلالات حين قال : “خشيت ان تنتهي حياتي دون أن يعلم بي أهلي وبنو جنسي، فبدأت أدون مذكراتي بطريقتي الخاصة، حيث وجدت ما يناسبني لذلك، على أمل أن يجدها بنو جنسي كذلك ،ويستفيدون منها، فما قيمة أن تنتهي حياتك دون أثر يذكّر الآخرين بك؟! افعلوا شيئا ً جميلا ً قبل أن ترحلوا.
اصنعوا ما يجعل أحفادكم يطربون عند ذكر اسمكم عبر الأجيال.
قدّموا شيئا ً مفيدا ً قبل أن تغادروا هذه الدنيا ، ساعدوا بعضكم بقدر ما تستطيعون. تجنبوا البغض والحقد والضغينة. تجنبوا الشرور والآثام. اصنعوا خيرا ً….اصنعوا خيرا ً………اصنعوا خيرا ً”١٣٨و١٣٩
وحسبي من النماذج التي سقتها من نصوص الرواية ، مايدلّ على تمكّن المؤلف ، من أدواته الفكرية والاسلوبية ، كما من لغته ، وسرديته الميسرة للقارئ .
وكان د. روضان قد باشر الكتابة بمؤلفين بحثيين ،، الضوابد الاخلاقية والقانونية للاخطاء الطبية ،، و،، تطوير المنشآت الصحية وترويجها ،، وهو خريج كليتي الحقوق وطب الأسنان .
*كاتب وإعلامي