م. ميشال كلاغاصي // 14/10/2024
من جديد تُثبت يوميات الحرب والعدوان والصراعات والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط حجم العار الأخلاقي الغربي والأمريكي والإسرائيلي, الذي أظهر بوضوح أن حياة الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وباقي شعوب المنطقة لا تعنيهم ويفضلون التعامل مع أشلائهم وجثث أطفالهم , وحرق مدنهم وقراهم وقصف مشافيهم ومدارسهم, وإقتلاع ذكرياتهم وأشجار زيتونهم, وإعادة رسم خرائط المنطقة, وتمهيد الطريق لتحقيق النبؤات المزيفة التي لن تتحقق أبداً, تلك البنؤات الخبيثة التي ترضي الجمهوريين والديمقراطيين والنازيين الراديكاليين والإنعزاليين والإرهابيين حول العالم, لإبهاره وإخضاعه لحسابات “اليوم التالي” لمنطقة الشرق الأوسط الجديد أولاً والعالم برمته تالياً.
يالها من “فوضى” منظمة مسبقة التخطيط, ومن حروبِ تم تفصيلها على قياس الأصيل والوكيل, والتي منحت “إسرائيل” الضوء الأخضر لقتل الآلاف من الأبرياء, وتقويض كافة جولات التفاوض لوقف العدوان على غزة، وتحويل المدافع نحو ضاحية بيروت الجنوبية وعشرات المدن ومئات البلدات والقرى اللبنانية, واستغلال جوهر الحكاية بعبارة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
على الرغم من التفاوت النسبي للتصريحات الغربية والأمريكية, يبقى دعم “إسرائيل” سيد الموقف, وسط عدم إكتراثهم بإنكشاف حقيقتهم وقباحتهم ومعاييرهم المزدوجة وتخليهم عن البوصلة الأخلاقية الإنسانية بشكلٍ سافر, مقابل الإبقاء على ممارساتهم الإجرامية بعيداً عن نطاق القانون والمحاسبة.
لا نذيع سراً بالحديث عن الممارسات الإجرامية الأمريكية وتنفيذها جرائم التصفيات الجسدية والإغتيالات, أوالعمليات العسكرية المحدودة أو الكبرى, التي أزهقت أرواح الاّلاف البشر سواء كانوا قادة سياسيين أوعسكريين أو مستشارين, وحتى رجال أعمال وإعلاميين ومدنيين وأناس عاديين وأطفال ونساء ..إلخ, وبالرغم من ذلك, منح الأصيل قادة الكيان الإسرائيلي عصا الجلاد وصكوك الوكالة, لتولي مهام تنفيذ الجرائم على الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية والعراقية …إلخ, وبات من الصعوبة بمكان معرفة هوية منفذي العمليات الإجرامية – الإرهابية ما بين الأصيل أو الوكيل, أوبالمشاركة الثنائية بينهما, ولم يعد مجدياً الإعتماد على بياناتهما لتبني أو نفي تلك الجرائم, وسط سخافة الإدعاءات الأمريكية “بعدم علمها المسبق” حيال تنفيذ تلك الجرائم.
لقد أفضى الدعم الأمريكي والغربي إلى إإطلاق اليد الصهيونية وانتهاكها كافة الأعراف والاتفاقات والمعاهدات ونصوص القانون الدولي, وقرارات مجلس الأمن الدولي, ومحكمتي العدل والجنائية الدوليتين, بما سمح لها بالتمادي وبمضاعفة جرائم الحرب التي يرتكبها نتنياهو ومجرمي حكومته وقادة اّلات حربه في غزة والضفة ولبنان واليمن ناهيك عن الجرائم شبه اليومية واستهدافها المدنيين في سوريا بشكل متكرر.
في وقتٍ لا تختلف فيه الممارسات الإجرامية الإسرائيلية “الوكيل” عن تلك التي يقوم بها الأمريكي “الأصيل” , فالذهنية القاتلة واحدة وشهوة القتل دائمة الحضور, ولنا في ذلك عشرات ومئات الأمثلة كالجرائم الأمريكية في العراق وأفغانستان وسوريا، بما في ذلك إغتيال قاسم سليماني عام 2020, وصولاً إلى إغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله, ومزامنة جرائمها بإطلاق الحجج والذرائع والمبررات الواهية, التي يقبلها العالم الخانع بوقاحة , ويُظهر تفهمه وتأييده ودعمه لها, وعدم إدانتها أو المطالبة بمحاسبة مرتكبيها سواء كان منفذها الأصيل أو الوكيل.
بات من السهولة بمكان ملاحظة أن كافة الشخصيات التي استهدفتها أجهزة القتل الأمريكية والإسرائيلية, أو تلك التي تضعها على لوائح التصفية والقتل والإغتيال, بأنها لا تستند إلى القانون الدولي ونصوصه التي حددتها الأمم المتحدة وفقاً للإتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة بالحروب, بل تخضع لمنطق البنتاغون وشريعة الغاب الخاص به وبجنرالاته, الذين تقودهم ذهنية رجل الكاوبوي, وورثة وخلفاء رجال العصابات الصهيونية كـ الهاغانا والشتيرن وغيرها, “منطقٌ” لا يستثني المدنيين والمسعفين والأطباء ورجال الدفاع المدني, بالإضافة لعدم احترامه شرعية وتواجد القوات الأممية – اليونيفل, أمورٌ بمجملها تستمر بدفع مراكبهم على قاعدة الإستهداف للإستهداف والقتل للقتل, بما يضمن السطوة والترويع وإخضاع الدول والشعوب تحت كافة العناوين.
إن إعتمادهم على القتل والترويع دفعهم لتحويلها إلى استراتيجيةٍ خاصة للوصول إلى أهدافهم, وفرضت عليهم امتلاك الوسائل الأشد فتكاً, والإبتكار الدائم والمستمر لاّلات واّليات قتلِ جديدة, حتى لوكانت محرمة دولياً, ولا نحتاج في هذه الأيام إلى الكثير من العناء لنُثبت استخدام الكيان الإسرائيلي العديد منها في غزة والضاحية الجنوبية في لبنان, كقنابل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنظم والقنابل العنقودية والفراغية والعشوائية الغبية, والقنابل الذكية التي يبلغ وزن بعضها حوالي 2000 رطل بما يعادل 900 كغ كتلك التي استخدمت في عملية إغتيال الأمين العام لحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية.
ناهيك عن استخدامها التفخيخ المسبق للأجهزة الإلكترونية, كما حصل مؤخراً نتيجة تفخيخ وتفجير أجهزة البيجر واللاسلكي التي يستعملها عناصر حزب الله, واستخدام عشرات الأساليب والأسلحة المحرمة دولياً, التي تحصل عليها من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وأستراليا وإيطاليا وبعض الدول الأخرى, والتي لا تزال تستخدمها لإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية في غزة ولبنان .
ويبقى السؤال, إلى متى ستستمر وحشية الأصيل والوكيل, وهل سيستمر العالم بخداع نفسه, وتأييده وإعجابه بسياسة “كبش الفداء”, ومن تراه كبش فداء اليوم, هل سيكون نتنياهو أم بايدن أم كليهما معاً, وتطوى مع رحيلهما صفحة الجرائم التي خططت لها الأيادي الخفية ومن يجلسون وراء الستار, وبإنتظار انتخاب القتلة الجدد تستمر الحكاية وشلالات الدماء ومظلومية الدول والشعوب, لكن الرهان دائماً وأبداً سيبقى على الشرفاء والمقاومين والمناهضين لسياسة وغطرسة وهيمنة الأصيل والوكيل, وعلى الأقوياء والقادرين على إعادة تصحيح التاريخ, وإستعادة كرامة البشر وأمن وسلام الكوكب الذي يستحق زراعة الورود وابتسامة الأطفال.
م. ميشال كلاغاصي // كاتب وباحث استراتيجي
14/10/2024