م. ميشال كلاغاصي // كاتب وباحث استراتيجي
21/10/2024
نجح وسائل الإعلام الأمريكية والفرنسية بتعميم مصطلحات جديدة لتوصيف تحركات الموفد الأمريكي إلى لبنان عاموس هوكستين, وبات الحديث عن ” نوافذ ” كارئية وأخرى تفاؤلية, رغم تصريحات هوكستين بأنن تطبيق القرار1701 “لا يكفي”, وبتعليق الرئيس بري: “اللقاء كان جيداً والعبرة في النتائج”, وبما نُقل عنه أيضاً: ” لن يتمكنوا من دفن المقاومة وأنا حي”, ووسط الحديث عن مشهدية عدم مصافحة الأستاذ بري لضيفه الأمريكي, الذي سبق وتطاول وحمّله بشكل شخصي مسؤولية التمهيد للإنتخابات الرئاسية اللبنانية, بما يعني اتهامه ومسؤوليته عن الفراغ الرئاسي لأكثر من عامين.
ويبقى من اللافت الإهتمام الأمريكي المفاجىء بلبنان بعد تجاهل وزير الدبلوماسية الأمريكية انتوني بلينكن الإتصال بأي مسؤول لبناني لفترة طويلة, في وقتٍ يبقى فيه هوكستين الأقرب إلى الرئيس بايدن كصانع للقرار, والذي قد يحصل على كرسي الوزير بلينكن في حال فوز الديمقراطية كامالا هاريس في الإنتخابات القادمة, أو كموظف في شركة “ادنوك” الخليجية” في حال فوز ترامب , الأمر الذي يدفعه للمزيد من التذاكي والإحتيال والتلاعب بالألفاظ والعقول.
يبدو واضحاً أن الموفد الأمريكي يسعى إلى نسف القرار 1701 من جذوره , من خلال حديثه عن تطبيقٍ حرفي لنص القرار , من خلال مبادئ ومطالب إسرائيلية حملها معه اليوم , بعيداً عن المرور بمجلس الأمن الدولي صانع القرار وبتجاوز روسيا والصين , وبحديثه عن عدم كفاية إلتزام الطرفين اللبناني والإسرائيلي بالقرار 1701, وأراد إضافة بنود جديدة تحت عنوان بحثه عن ضمانات التطبيق, الأمر الذي يفضح المخططات الأمريكية للتفرد بلبنان وبإعادة إصدار القرار, وبمنح نتنياهو المزيد من الوقت للقضاء على حزب الله وسلاحه للأبد, وتهجير بيته الحاضنة, والفوز بموافقة لبنانية على منح اليونيفل حرية الحركة, والقبول وفق “الوثيقة” التي نشرها موقع أكسيوس الأمريكي, بحرية الحركة الجوية لسلاح الجوالإسرائيلي وبالتحليق في الأجواء اللبنانية, وابتعاد أية جهة موجود على الأرض اللبنانية (حزب الله واليونيفل والجيش اللبناني) عن الحدود لمسافة 5 كم, بهدف إقامة منطقة إسرائيلية عازلة مؤقتة داخل الأراضي اللبنانية, والموافقة الرسمية اللبنانية على تطبيق حصارٍ إسرائيلي بحري وجوي, بما يضمن له اختراقاً وانتهاكاً “قانونياً ” للسيادة اللبنانية لمدة عامين, يدمر الإسرائيليون خلالها الأنفاق والبنى التحتية والبيوت ومؤسسات حزب الله ومن ثم يخرجون منها.
أي عقلاء لبنانيون سيقبلون بوعد إسرائيلي بالخروج من أراضٍ لطالما حلموا بإحتلالها, خصوصاً بعد إمتلاكهم صكاً دولياً وبموافقة لبنانية يعتمد تطبيق بنود النسخة الجديدة للقرار 1701, الأمر الذي يتعارض وينسف القرار 1701 الموثّق في مجلس الأمن, يالها من مسرحيات أمريكية غربية إسرائيلية تقود نحو تغير الوجه السياسي للبنان, تحت عنوان دعم لبنان الإنساني في مؤتمر باريس الذي سيعقد في 24/الشهر الجاري وبغض النظر عمن سيحضره, وبما بغياب روسيا والصين ووزير الخارجية الأمريكي وحضورهوكستين بالنيابة عنه, وهو مهندس مؤامرة اليوم على لبنان.
لن نستبق مؤتمر باريس لدعم لبنان, لكن وكما يُقال “المكتوب مبين عنوانه”, فالمؤتمر لن يقدم الحلول السياسية, ولن يوقف العدوان الإسرائيلي, ولن يجبر الإسرائيليين على تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بإستكمال إنسحاب “إسرائيل من كافة الأراضي اللبنانية المحتلة, وسيتفكي المؤتمر بإقرار زيادةً في أعداد عناصر اليونيفل, وبتواجد 8000 جندي أمريكي على الأراضي اللبنانية لتطويق كافة منافذه ومعابره الحدودية بما فيها تلك التي تربط سوريا بلبنان, وبتقديم بعض الأموال والمساعدات والوعود الكاذبة على شكل “رشوة” للقبول بالمخطط الأمريكي الخبيث, تلك الأكاذيب التي إعتاد لبنان على الإستماع إليها, وبقائها خارج إطار التطبيق والتنفيذ.
من جهته, اعتبر رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري بأن زيارة هوكستين هي “الفرصة الأخيرة لإدارة بايدن”, وتحدث عن هدنةٍ لـ 21 يوماً لوقف إطلاق النار, وإدخال المساعدات الإنسانية, ومن ثم الإنتقال خلالها إلى إنتخاب رئيس للبلاد, والذي سيتولى بدوره عملية نشر الجيش اللبناني على الحدود, وبتطبيق القرار 1701, وسط تأكيد صحيفة “سكاي نيوز عربية” بأن بري “أبلغ هوكستين، بإمكانية إنتخاب لبنان رئيساً خلال الإسبوع الأول من الهدنة”, وسيكون بمقدورالرئيس المنتخب الإشراف على تطبيق القرار 1701, والتوصل لوقف دائم لإطلاق النار.
بات من الواضح في ظل عجز نتنياهوعن حقيق أي إنجاز أو إنتصار خلال عام كامل, وسط قوة جبهات المساندة وتحديداً اللبنانية, على الرغم من إغتيال عدد كبير من قادة حزب الله وأمينه العام, لكن الإستعجال الأمريكي بدا واضحاً مع اقتراب الإنتخابات الرئاسية الأمريكية, والأموال الباهظة التي تتكدبها إدارة بايدن لحماية الكيان الإسرائيلي, ومخاوفها من توسيع المواجهة إلى إقليمية وعالمية في هذا التوقيت, الأمر الذي دفعها نحو الإتجاه المباشر نحو الإستثمار السياسي, والتفاوض تحت النار, وعلى وقع الوحشية قوات نتنياهو, واندفاعها نحو مضاعفة استهداف المدنيين اللبنانيين, ومئات القرى و البلدات اللبنانية, ودفعهم لإخلاء مناطقهم, وللإنفضاض عن دعم المقاومة, وسط حملات التضليل الإعلامي, وحملات الحقد والكراهية التي تتبناها بعض القوى اللبنانية اليمينية الإنعزالية الإنفصالية المتطرفة المعروفة بولائها للعدو الإسرائيلي, واستعدادها لخدمة الأجندات الإسرائيلية ضد حزب الله, وبتحويلها إلى أجندات ضد الطائفة الشيعية, بهدف رفع منسوب التحريض, وإحاطة حزب الله بفوضى وبحرب أهلية في حال تطلب الأمر, بالإضافة إلى الحملات الكبرى التي تشنها وسائل إعلامٍ وشاشات عربية معروفة بالتحريض والفتن وبخدمة الرواية والمشاريع الصهيونية الأمريكية الإسرائيلية الغربية.
للأسف لا يدرك العديد من العملاء في لبنان أن تاّمرهم لا يقتصرعلى المقاومة فقط بل يتعداه للتاّمرعلى لبنان وشعبه ششوثرواته, وسيادته وأرضه, وعلى دوره السياسي والجيوسياسي, وإحاطته بحربٍ أجمعت علي وصفها كافة الأطراف بأنها “وجودية , مصيرية “.ششش
ومن دلائل الإستعجال الأمريكي أيضاً, عدم إنتظار نتائج المواجهة الميدانية, والتي تبلي فيها المقاومة اللبنانية وأبطال مجاهدي حزب الله أروع الملاحم البطولية, والتي يُثبتون فيها بأنهم قادرون على تحطيم العنجهية والعدوان الإسرائيلي ككيانٍ “أوهن من بيت العنكبوت”, فقد قدرة الدفاع عن نفسه ووجوده, وبإستعادة أسراه, وبحماية مجتمع الإستيطان, في وقتٍ فقد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو القدرة على حماية حياته والمنزل الذي اغتصبه واتخذ منه سكناً لا شرعياً .
لن تمر المسرحيات الأمريكية, ولا بد من معاقبة إدارة بايدن ومنعها من تمرير الانتخابات الأمريكية وفي جيبها حصادٌ تجنيه على حساب الدماء الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية والسورية, ولا بد من الإستمرار بمرحلة إيلام العدو, وإجباره ومن يقف خلفه على إحترام نتائج الميدان, كذلك لا بد من الإنصات لقول الأستاذ نبيه بري الذي توجه به إلى اللبنانيين وعامة وللشعب الصامد:” اطمئنوا واصبروا ساعةً مهما غلت التضحيات, فقدرنا جميعاً هو المقاومة, والمقاومة فقط وسننتصر بإذن الله.
م. ميشال كلاغاصي // كاتب وباحث استراتيجي
21/10/2024