بعد اكثر من ثلاثين عاما في مهمة النائب العام، اصبح الشيخ نعيم القاسم امنيا عاما للحزب، وجاء هذا الاختيار على خلفية استشهاد امين عام الحزب السيد الرجل، وكذلك استشهاد السيد صف-ي* الد-ين، فضلا عن عدد كبير من قيادات الخط الاول والثاني على اثر الاستهدافات المنظمة التي قام بها الكيان الصهيوني في سياق التصعيد الجاري في المنطقة وخاصة في فلسطين ولبنان.
وعلى الرغم من كون القاسم، قد قضى جل حياته في تشكيلات المقاومة وخاصة في الحزب، منذ بداياته إلا ان الظروف الحالية تفرض عليه مصفوفات من التحديات والمخاطر تتضاعف في كل يوم، وهي ظروف استثنائية وحرجة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وتتمثل ابرز هذه التحديات والمخاطر في الآتي:
١- الحفاظ على التاريخ الشخصي والوفاء لحسن السيرة: فقد قضى الرجل عمره في العمل التنظيمي مخلصا صادقا وفيا لمبادئه وقضيته، وكرس هذا السلوك الفذ صورة ايجابية في وجدان ابناء المقاومة وكل المنصفين عنه، الامر الذي يحتم عليه، الحفاظ على هذه السمعة والذكر الحسن في ظروف استثنائية صعبة الخيارات، لذا يفرض هذا الضاغط عليه، حساب الامور بطريقة بالغة التعقيد.
٢- سلامة امنه والحفاظ على حياته: فقد جاء تسلمه للمهمة في ظروف الحرب المستمرة، واصرار العدو الاسرائيلي على اغتيال اي شخصية تتسنم قيادة الحزب، لذا فإن الشيخ دخل في قائمة الاهداف المطلوبة للكيان، وان الحفاظ على حياته مسؤولية مهمة في هذه الاوقات، فهو بقية السيف والشخصية صاحبة التاريخ الجيد، والاقدر على تجاوز المرحلة مع رجالات الحزب الاخرين.
٣- استدامة الانتصارات التي تحققت في المرحلة السابقة: على الرغم من المسيرة الطويلة للشيخ في العمل التنظيمي إلا انه لم يكن مباشرا للعمل العسكري من قرب كما حال الامين العام الشهيد، وان الاستحقاق الاهم في هذه المرحلة، يتمثل في المواجهة العسكرية، وقد حقق الحزب انجازات عظيمة على الجبهات كافة في المرحلة السابقة، سواء من خلال نوع وطبيعة الاستهدافات للعدو في كل مناطقه ومحلات تواجده، إذ وصلت يد الحزب الى غرفة نوم نتنياهو او على مستوى الصمود في جبهة المواجهة وصد العدوان، فقد فشلت كل محاولات التوغل، وتلقى العدو مقاومة استثنائية، لا تزال تكبده خسائر كبيرة.
٤- الثأر للشهداء: تشخص بين يدي الشيخ القاسم قائمة نورانية من آلاف الشهداء الافذاذ وفي مقدمتهم دم السيد الرجل فضلا عن آلام اللبنانيين وجروحهم وما يجري على اهل الجنوب والضاحية، وهذه الاستحقاقات الكبيرة، تفرض على قيادة الحزب ورجاله مسؤولية اخذ الثأر من العدو بالطريقة التي تتناسب مع الظروف ومعطيات المعركة.
٥- إدارة مفاوضات العزة: على الرغم من خطورة واهمية الاستحقاقات السابقة إلا ان الاخطر في مهمة الرجل، يتمثل في موقفه من اي مفاوضات تجري لوقف اطلاق النار وانهاء العدوان والوصول الى ترتيبات تبعد لبنان عن دوامة الحرب، إذ تتداخل عدة تحديات في هذا الاستحقاق، فمن جهة يضغط عليه وضع الامور في الجبهة اللبنانية وما آلت إليه الامور فضلا عن وجهات نظر التكوينات اللبنانية الاخرى، وتعقيدات المرحلة الحالية، ومن جهات اخرى، يحاصره دم الشهداء وتاريخ الحزب وشرف المقاومة ومبدئية المواقف، والجرح الوجداني في قلوب اهل المقاومة ومحبيها، فضلا عن استحقاقات اخرى.
٦- انتاج خطاب يتناسب ومتطلبات المرحلة: عرف القاسم بوعيه المنفتح، ومنطقه الايجابي ولغته المتزنة، ومع ان له بصمته الخاصة في خطابه (شكلا ومحتوى) إلا انه في كل الاحوال، يمثل نسخة من خطاب الحزب العام، إلا ان الظرف الحالي، يفرض عليه بصفته الشخصية وموقعه القيادي خطابا صعبا وحساسا، فهو مطالب بخطاب الى الشركاء في الوطن، يتضمن التطمين والرغبة في حماية لبنان وتجنيبها الحرب، وخطاب مبدئي وفي لدماء الشهداء وعازم على الاخذ بثأرهم، وفهم وتحسس للمعاناة التي يتحملها الناس وخاصة اهل الجنوب والضاحية جراء العدوان الاسرائيلي، وخطاب آخر للمجتمع الدولي والاطراف الفاعلة في الازمة، وخطاب للشركاء في خندق المواجهة، والذي يعني انه امام حزمة تناقصات وتضادات، ينبغي العمل على توليفها في خطاب متين وقادر عن التعبير عن هوية الحزب وتوجهاته في هذه المرحلة.
٧- الاستعداد لاعادة التنظيم ولملة القوى واستيعاب الجراح والاستفادة من الدروس والعبر: إن المهمة التي تنتظر الشيخ بعد ان تضع الحرب اوزارها ليست اسهل من مهمة الحرب، فهناك الخروقات الاستخبارية والتحديات الامنية، والمدن والقري المهدمة، وعوائل الشهداء، والنزوح، والاختلالات في منظومة القيادة والسيطرة، وملف السلاح، والمهام السياسية المتعلقة بإستحقاقات الوطن، فضلا عن شبكة العلاقات الخارجية.
ليست هذه قائمة نهائية للتحديات والمخاطر التي تواجه الشيخ القاسم في مهمته، بل يتفرع وينبع من كل تحد وخطر، عدة تحديات واخطار، ويضاعف الامر، طبيعة الظروف والمرحلة التي يمر بها لبنان والمنطقة، فضلا عن شحة الموارد، والاوضاع التي تجعل الادارة والقيادة في غاية الصعوبة.
ان نجاح الشيخ القاسم في مهمته الخطيرة يحتاج من ابناء الحزب جميعا، ان ينخرطوا معه في ممارسة واعية لتجاوز الازمة والحفاظ على النصر، الامر الذي يقتضي مضاعفة روح التفهم والاحساس بالمسؤولية، بل، لا يتوقف الامر على ابناء الحزب، فهذا الاستحقاق يشمل كل اللبنانيين الشرفاء الذين يؤمنون بالمقاومة وخطها.
وفي سياق ذي صلة، من الانصاف، ان نقرأ خطوات وعمل الشيخ في هذه المرحلة بعين تلحظ كل التحديات التي اشرنا إليها، وتتفهم الظروف الصعبة والاستثنائية التي يمر بها.