قصة -مكافأة دقّ الباب..في بلاد الاغتراب …*
حين لاحظت عدم وجود صندوق بريد أحد المنازل في المنطقة التي أقوم بتوزيع البريد والصحف فيها ، طرقت باب المنزل ، فإذا برجل مسنّ يفتح الباب على مهل ،وهو يتوكأ عكازه .
ألقيت التحية و استوضحته : ” لم أجد صندوق بريدك الخاص ، ما الأمر ؟ هل ترغب بأن أدسّ بريدك من تحت الباب هذا إذا أمكن ذلك سيدي ؟ ”
أجاب : ” لا ..بل آمل أن تدقّ بابي حتى أستلمه منك مباشرة ، لقد ألغيت صندوق بريدي عمدا”، وحين لمح استغرابي ، ابتسم وتابع: “أريد أن استلم منك بريدي أو الصحيفة كل يوم ، من فضلك اطرق الباب وسلّمها لي شخصياً”.
حرت جوابا ، لكنّي استدركت: ” كما تشاء سيّدي ، أليس هذا مزعجًا ”
قال: “لا أبد ، ليس مزعجا بل هو مريح لي ، و سأنقدك بمكافأة شهرية لتحفيزك على دقّ بابي كون ذلك من خارج مهام عملك “.
وأضاف متوسلا:”إذا طرقت بابي ذات يوم ولم تجد ردًا، فيرجى الاتصال بالشرطة.”
صدمني قوله ، وقبل أن يضيف :” زوجتي انتقلت إلى رحمته تعالى ، وابني خارج البلاد، أنا أعيش هنا وحدي، ومن يدري متى ستأتي منيتي؟؟؟”
وبينما اغرورقت عينا الرجل العجوز بدمع خفيف ، تلاقت غصّتانا والنظرات ، فهمت الغاية فأومأت بموافقتي ومشاركته مشاعره ، وتمنيّت مشاركته فنجان قهوة بين حين وآخر بدلا من المكافأة المالية ، متعهدا أن ألقي تحيّة الصباح عليه كلّما جئت ببريد له ، أراد أن يشجعني أكثر حين قال: “لا أقرأ الصحيفة مطلقًا، لقد اشتركت فيها لأتواصل مع العالم ، وها أنا أتوق لسماع صوت طرق الباب أو جرسه.. وتبادل القليل من البهجة معك .” واستدرك بقوله : “أيها الشاب، من فضلك اصنع لي معروفًا..آخر ، هذا هو رقم هاتف ابني في الخارج.. إذا طرقت الباب يومًا ولم أردّ، أرجو أن تتّصل أيضا بابني لإبلاغه. ”
تلاقت غصّتانا والدموع ثانية ..، فلم أجد فكاكا من تلبية رغبته ، ورحت أسامره بين حين وآخر، بمشاركته القهوة ، فأسعد بسعادته ، ولا تحسبوها حكاية قديمة قبل زمن ” الفيسبوك وأخواته ” بل في عصرهما ،فلا يظنّن أحد أنهما يعوّضان عن التواصل الإنساني المباشر .
* سعدالله بركات