كل ربّة منزل مدبِّرة قادرة على وضع سياسات اقتصادية لميزانية منزلها، هذا في الظروف العادية، أما في الظروف غير العادية، والتي نعيشها الآن من ارتفاع مذهل في الأسعار، والتي تتزايد طردياً مع ثبات الأجور، فذلك يضع الأسرة في مأزق لا تُحسد عليه، خصوصاً مع دخول شهر رمضان الكريم، والذي يليه العيد ثم المدارس.. إذاً، ما هو الحل؟
خبراء الاقتصاد يستفيضون كثيراً ويتشدقون بـ"كلام مطاط" لا يُقدّم ولا يؤخّر مع ربّة المنزل، التي لا ترى أمامها الآن حلاً يرضيها سوى الاقتصاد والاقتصار في المصاريف، بل وإلغاء بنود مهمة وضرورية في الميزانية في الطعام والشراب واللحوم، وحتى الخضراوات؛ بما يتناسب مع الميزانية المتوسّطة.
جشع التجار
في البداية، إذا قامت أي سيدة بجولة في السوق ستصاب بذعر شديد من ارتفاع الأسعار المفاجئ والرهيب، والحجة هي شهر رمضان.. وكل سنة وأنتم طيبون.
فمثلاً، كيلو البندورة بين ليلة وضحاها تضاعف سعره، وكيلو البطاطا بالمثل، وكيلو الفاصولياء الخضراء أيضاً، وهكذا الأرز والبامية والخيار.. أما بالنسبة للفاكهة، فأعتقد أن الأسر الفقيرة ستمحي تماماً بند الفاكهة من ميزانيتهما.
واجهت العديد من تجار الخضار والفاكهة بسؤال: لماذا ترفعون الأسعار.. ارحموا الناس؟ في الغالب كان ردهم واحداً، وهو أن تاجر الجملة رفع السعر علينا، وأن هناك تجاراً يحتكرون البضائع ويخزّنونها حتى تشح في السوق، ثم يطرحونها أضعاف أضعاف سعرها، ويُقسمون بأن مكسبهم زهيد، ولا دخل لهم بذلك.
والبعض أحياناً يُقحم الأحداث الأمنية المتنقلة في الموضوع، معللاً بأنها السبب وراء ارتفاع الأسعار، وقد أغضبتُ البعض حينما لمحت لهم بأن جشعهم هو السبب وراء ارتفاع الأسعار وتفاقم الأزمة.
أسعار نار.. وحلول بديلة
أبدت الكثير من السيدات استعدادهن للتكيف مع الحالة الاقتصادية لبيوتهن بما يتناسب مع الدخل وحجم المصروفات.. ففي البداية تشير اختصاصيات التغذية إلى أن الأكثر تكلفة في ميزانية البيت هو اللحوم بشتى أنواعها، وبالذات في رمضان، فمن عاداتنا التنوع في الأطعمة التي تحتوي على اللحوم، خصوصاً في "العزومات" في رمضان، بل تتباهى كل أسرة بما تقدّمه من لحوم ودواجن على السفرة، كما أن السيدة العربية عموماً قادرة على التكيف مع أوضاعها المالية، بل أحياناً نندهش أنها رغم الضيق المالي الذي تمرّ به بعض الأسر، فإن هناك من السيدات من يستطعن الادخار!
بعض الحلول البديلة كاستبدال اللحوم بالفول الصويا لم تلق إعجاباً كثيراً، خصوصاًً لدى الأسر الفقيرة والمتوسطة، وبما أن اللحم البلدي سعره مرتفع، فإن الحل الأمثل لاستبدال اللحوم البلدي هو اللحوم المستوردة المجمدة أو المبردة، إذا تأكّد أنها تمرّ بسلسلة من الاختبارات والفحوصات بمعامل وزارة الزراعة اللبنانية/ قسم صحة الحيوان، وبمعامل وزارة الصحة، وأيضاً بمعامل الهيئة العامة للصادرات والواردات، وكل هذه الاختبارات تجيز هذه اللحوم وتؤكد صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، وهذه اللحوم تحتوي على كل الفوائد والعناصر الغذائية اللازمة لصحة الإنسان، ويبقى سعرها مقبولاً، فإذا استطاعت أي سيدة أن تستعيض بهذه الأنواع، فيمكن أن توفر في ميزانيتها، وأن تحاول جاهدة بأن تستخدم اللحوم بشكل غير متكلّف، فلا داعي أن نطهو أكثر من نوع من اللحوم على السفرة في يوم واحد.
الأكل الفائض في رمضان
تجدر الإشارة إلى أننا، ومع الأسف، أكثر الشعوب التي لا تستفيد من الأكل الفائض، والمشكلة أننا نطهو كميات كبيرة من الأكل من دون عمل حساب للفائض، خصوصاً في "العزومات" في رمضان، والتي في الغالب يكون مصير ما تبقّى منها سلة المهملات.
لكن هناك عدة طرق للاستفادة من الفائض، أولاً: يجب الاستعانة بعدة علب بلاستيك مخصصة لحفظ الطعام في البراد أو الثلاجة، وعقب كل عزومة ستتبقّى كمية كبيرة من الطعام، فاحفظي الخضار المطبوخ كلاً على حدة في علبة بلاستيك، على أن يتم تسخينه في اليوم الثاني، مع التجديد في نوع الشوربة أو السلطة.
أيضاً، اللحوم يُتَّبع معها الشيء نفسه، وعلى كل سيدة أن تحاول أن تخرج من البرّاد الكمية التي تكفيها من الأكل السابق حفظه، خصوصاً أن الأطعمة المحفوظة من الصعب إعادتها مرة أخرى إلى حالة التجميد، حيث ستفقد العديد من فوائدها الصحية.
أما بالنسبة إلى الخبز، فيمكن أن تحفظيه بكميات في البراد وتأخذي منه حسب حاجتك، وكذا الفواكه الفائضة، والتي زادت درجة نضجها على الفور يمكن للسيدة أن تصنع منها عصيراً أو مربى وتحفظها في الثلاجة.
كما يحفظ الشربات الفائض من عمل الحلويات في الثلاجة حتى يسهل عليها استخدامه في المرة المقبلة، وأخيراً هناك طريقة مفيدة جداً وإنسانية جداً، وهي الاستفادة من الطعام الفائض بأن تتصدقي به لأي شخص فقير من المحيطين بك.
لا للمستورَد
يؤكد خبراء الاقتصاد المنزلي أن العديد من السيدات تبهرهن الآن المأكولات التي نستورد أفكارها عبر شاشات الفضائيات، لكن تبقى المأكولات اللبنانية من خضار وفاكهة هي الأقل سعراً وأكثر فائدة على الصعيد الصحي، فأنواع كثيرة من المأكولات المستوردة يتم رصها على أرفف السوبر ماركات الكبيرة حتى الشوربة والصوص موجودة جاهزة وباهظة السعر.
ومن جهة أخرى، هناك العديد من السيدات يتصيّدن أوقات معينة في السنة، تكون فيها أسعار الفاكهة والخضراوات معقولة، فيشترين ويقمن بحفظها في الثلاجة، وهذا ما تحاول أن تسعى إليه كل مدبّرة حقيقية للمنزل.