أمّنت عمان، لأحمد الجربا، رئيس ما يسمى ائتلاف المعارضة السورية، التسلل، إلى ريف محافظة درعا، في عمل يخرق السيادة السورية بوضوح، ولا ينسجم مع الشرعية الدولية ولا مع أعراف علاقات الأخوة والجيرة والشراكة الاعتيادية للأمن الحدودي.
أعلن الجربا عن تسلله إلى الأراضي السورية، في سياق حديثه عن المباحثات الايجابية مع المسؤولين الأردنيين، بما في ذلك ما ادعاه من تفاهم للاعتراف بممثلية ل” الائتلاف” في عمان، واعتماد سفارة “الائتلاف” في الدوحة كجهة رسمية لمعاملات السوريين الخ
الأخطر إعلان الجربا عن مشروع انشاء قوة عسكرية لغزو سوريا من الجنوب. وهو ما يتوافق مع خطط أميركية متداولة بهذا الشأن. وعلى رغم ضبابية المشهد كله، فمن الواضح أن انتقال الملف السوري من قطر إلى السعودية، يجرّ الأردن إلى طريق مغامر سيكون له ثمن باهظ جدا على أمن البلد ومستقبل العلاقات الأردنية ـ السورية.
بينت الأحداث أن الدولة السورية غير قابل للكسر، وقد أصبح واضحا أن حلفاء دمشق مستعدون لكل احتمالات المواجهة، بما فيها العسكرية، لكن غير الواضح هو استهتار المسؤولين الأردنيين بحسابات التمادي في معاداة سوريا، من دون أن يتوقعوا ردا، ومن دون أن يقدّروا مخاطر انفتاح الحدود أمام الإرهابيين.
الكلام على معارضة سورية مدنية وقادرة على إعادة تأسيس الدولة، ثبت مرارا أنه بلا مضمون؛ فلم تتمكن هذه المعارضة بعد 28 شهرا من القتال والرعاية السياسية والمالية الخليجية والغربية والتركية من تقديم شخصيات سورية ذات صدقية في مواجهة نخبة الدولة السورية ، المتماسكة والتي تبرز من بين صفوفها شخصيات وطنية لامعة. وعلى المستوى الميداني، تتوزع القوى المعارضة المسلحة بين أقلية من المرتزقة وأكثرية من التكفيريين الإرهابيين الذين قدّموا أبشع الأمثلة في التاريخ على الأعمال الجرمية المتحللة من أي قيد أخلاقي أو وطني أو إنساني.
وبغض النظر عن الموقف من النظام السوري الحالي، فإن الرهان على اسقاطه هو رهان على تسليم سوريا للفوضى والتقسيم والإرهاب. وهي نتيجة سيسدد الأمن الوطني الأردني، فواتيرها.
السعودية التي حصلت على فرصة أخيرة للعمل على اسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، عسكريا، تعمل بلا أفق سياسي، وستنتهي بها محاولة فاشلة جديدة إلى فتح الخطوط مع دمشق، والانخراط في مصالحة تشمل سوريا ولبنان، كما حدث في العام 2009. وسوف يترك الأميركيون والسعوديون، الأردن، لملاقاة المصاعب مع السوريين وحلفائهم.
الحقائق السورية لم تعد معرفتها تحتاج إلى الكثير من المعرفة والذكاء:
(1) بسبب عوامل داخلية وإقليمية ودولية، فإن مساعي اسقاط الأسد ونظامه، ستبوء، حتى لو احترقت المنطقة بكاملها، بالفشل.
(2) وبسبب الطبيعة الطائفية للحرب المديدة على سوريا، تمكنت القوى التكفيرية الإرهابية، ليس فقط من السيطرة الميدانية على المعارضة المسلحة، وإنما، أيضا، من الهيمنة الفكرية والوجدانية على القوى الاجتماعية والمقاتلة في سوريا.
(3) وبسبب تقلّص القوى الاجتماعية المؤيدة للمعارضة إلى ما دون ال10 بالمائة من السوريين، وبسبب الطبيعة الريفية والمتخلفة ثقافيا لتلك القوى، فإن مسعى بناء قوة عسكرية منظمة ومدنية للمعارضة ـ حسب المخطط الحالي ـ هو مسعى ساذج كليا، وعلى المستوى العملي، فإن احتياج الإرهابيين أنفسهم لاستقدام مقاتلين أجانب على نطاق واسع، يدل على أن المجتمع السوري لم يعد قادرا على تزويد الجماعات المسلحة بالمقاتلين، وهو ما حوّل ما يسمى ” الثورة السورية” إلى ما يشبه عملية غزو أجنبي للبلاد تستفز المشاعر الوطنية لأغلبية السوريين.
(4) وبسبب كل ذلك، ليس هناك حتى الكثير من المرتزقة السوريين لتأليف قوة يعتد بها ،وستكون النتيجة أن كل موارد الدعم السياسي والعسكري والمالي الخ سوف تصب، واقعيا، في أيدي الإرهابيين.
شيء آخر يغفله المغامرون هو التطورات في مصر؛ فالمعركة بين الدولة والحركة الوطنية المصرية من جهة، وبين الحركة الإسلامية لن تقتصر على الإخوان والأجنحة القطرية، بل ستشمل الأجنحة السعودية وسواها، كما أن فرص الصدام المصري مع الأميركيين، تتصاعد، ولا يمكن، في هذا السياق، الركون إلى العلاقات التقليدية بين المؤسسة العسكرية المصرية والبنتاغون؛ فكل شيء متوقع أسرع مما يظن الجميع في مصر التي دخلت في المجال التاريخي للموجات الثورية المتلاحقة التي ليس لها مناص من تجديد الناصرية؛ منذ الآن، مصر الثورية أقرب إلى سوريا القومية منها إلى التحالف الأميركي ـ السعودي.
نجحت عمان، حتى الآن، في إدارة أزمة المملكة مع الملف السوري، بأقل قدر من الخسائر؛ لا تأخذونا، في ربع الساعة الأخير، إلى مغامرة قاتلة.