خاص بنفحات القلم
يوما ما تحاورت مع الأكاديمى السودانى وعالم الإجتماع د. حيدر إبراهيم وكان صديقا حميما لى ، وزرته ببيته بالقاهرة وتعرفت على أسرته الكريمة ..المهم أننا تطرقنا إلى اسمك وقد وصفتك بأوصاف أخرجت د. حيدر عن هدوئه فدافع عنك وعن شرفك الأكاديمى وعن فكرك .. وعن .. وعن ..اشتبكنا فى الحوار ، ولم يعقبه بعد ذلك إلى الفتور فى علاقتنا وصولا لحد القطيعة ..
بعدها قررت ان أقرأ أعمالك الأكاديمية لأتبين بعد قرائتها حجم الهوة التى هويت إليها ، ومستوى الأنحطاط الذى أفضت إليه قداستك الزائفة .
أنا هنا لا أناقش أفكارك المجردة ، ورؤاك الأكاديمية الجامدة ، بل ولا ارى رغم وجاهة محتوى أعمالك أى فائدة من تلك المناقشة ، لأنك عبر ممارساتك قد برهنت على محنة بعض إن لم يكن أغلب أنتلجنسيا العرب : قداسة الشعارات ، وإنحطاط الممارسات .
ماأريد نقاشك فيه هو ماظللت تردده طوال عمرى عن الديمقراطية وكراهية الأنظمة الإستبدادية ..وعلى ذات أرضيتك أقف لأناقشك : الحملة الدولية للإطاحة بالنظام هل هى عمل ديمقراطى ؟ ..أليس لهذا النظام ركائز شعبية وجماهيرية تريد بقائه ، والديمقراطية تعنى الإحتكام لرأى الأغلبية والإعتداد بما تستقر عليه وتنحاز إليه ..إذن فسيادتك تنكر على الأغلبية المؤيدة للنظام حقهم فى بقاء النظام السياسى الذى أرتضوه كممثل لهم ولمصالحهم ولأحلامهم وتطلعاتهم ..هذا الإنكار هو فعل ديكتاتورى شنيع وبغيض ..اليس كذلك سيدى الدكتور .
الأمر الثانى هو : ماهو المصدر الذى أستقيت منه سندك فى إسباغ الشرعية على الحملة الدولية للإطاحة بالنظام ؟ .. ومن ذا الذى أعطى لتلك الحملة الحق فى إقصاء هذا النظام او الإطاحة بأى نظام ؟ هات لى سند من افكارك ونظرياتك التى ظللت تدبجها منذ عشرات السنين ؟ .. اليس الإطاحة بالنظام على هذا النحو هو إنقلاب عسكرى تقوده قوى خارجية ، يامن أشبعت الدنيا حديثا عن مقتك للإنقلابات العسكرية ورفضك لها ؟ ..ثم من هم اطراف الحملة الدولية للإطاحة بالنظام ؟ ..ومن من اطرافه او مكوناته لديه سجل ديمقراطى فى إحترام إرادات الشعوب وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية ؟ .. من من اطراف هذه الحملة الدولية لم يمارس اللصوصية وينتهج اسلوب قطاع الطرق فى التعامل مع الشعوب الطيبة والمسالمة ؟ ..أعطنى من فضلك مثال واحد فقط على العدالة الأمريكية او الفرنسية او الانجليزية او الاسبانية او الإيطالية منذ الثورة الصناعية وحتى اليوم ؟ …
وإذا كنت متمسكا بقوة بفكرة عدالة الحملة الدولية التى ستطيح له بالنظام فإنى أسألكم أليست العدالة تعنى المساواة ؟ والإجابة بالطبع نعم ، فإن السؤال البديهى هو : لماذا لا تشمل العدالة الجميع ، ولماذا تحرس أمريكا رمز عدالتك أنظمة تعود إلى أزمنة ماقبل التاريخ المكتوب ، وترتكب ضد شعوبها مالم ترتكبة الجماعات البدائية والهمجية عبر التاريخ كله ؟ …
لن تستطيع الإجابة مهما تبجحت ولا أعتذر عن هذا اللفظ ، لأن اسقطت تماما الوعاء الذى تدور فيه نظرياتك وأفكارك ، وهو المجتمع ، وفى حالتنا المجتمع السورى الذى تراه مازال طفلا يحبو وعلى ولاة أمرك ان يقرروا له من يحكمه …
والحقيقة سيدى الدكتور انك لا تختلف مع هيئة التحرير او جبهة النصرة ، مذهبيا ، فكلاكما يردد مالا يؤمن به ، وكلاكما إنتهازى حتى النخاع . خلافك تكتيكى بحت ، فما كنت لتتمنى ان تعرى النصرة زيف ثورتكم الى هذا الحد ..كان عليها ان تستتر وهى تمارس بلواها فلا تصدر وثيقة الفلاح علنا وهى أهم وثيقة تميط اللثام عن مستوى الدناءة الذى أنتم عليه.
فالنصرة مثلك ، وكلاكما قطعة شطرنج ، وأداة لتحقيق الاهداف الإستعمارية والامبريالية حتى ولو إقتصى الامر تدخل الأصيل بعمل عسكرى مباشر للإطاحة بنظام والإتيان بآخر يجلسك على مقعد الأراجوز ..
هل هذه نماذج الثورات التى تدرسها لطلابك وتلاميذك ؟ .. هل هذا هو مفهومك عن تغيير المجتمعات ، وآلية تغييرها ؟
سنوات وشعبك يذبح بفعلك وفعل جوقتك ..سنوات وأرضك تنتهك ، سنوات وشعبك يبرهن على أنه وريث لبناة الحضارات ، أصيل فى مواجهة حملة لم يشهد لها العالم مثيلا وأنت عرابها ، سنوات وشعبك رغم الجوع والتشرد والحرمان يقاتل ويقاوم وينتصر ..ورغم ذلك ظلت تضاعفت وضاعتكم التى يبدو أنها تتناسب طرديا مع مستوى صمود وانتصار الشعب السورى ..
لك فى ذمتى نصيحتان : ان تقرأ تاريخ سوريا الذى لم تعرف ، وان تسبر اغواره ، علك تفهم ، وتدرك ، ان الصمود والانتصار محتوى تاريخى وحضارى ، وستعلم وأن فى خضم القراءة أن وهم الاطاحة بالنظام تأباه حتى الأوهام بإنفلاتها …
أما نصيحتى الثانية فهى أن تحرق كتبك لأنها دليل إدانتك أمام الدنيا ، لتكتفى بما يعلمه عنك كل طفل سورى ، وكل صبية وكل رجل وكل إمرأة ، بأنك خائن ..وفى رقبتك دم كل سورى أريق ، ودموع كل أم ، وكل زوجة وكل طفل على شهداء سوريا العظام .