((رسالة من غبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام،بطريرك الروم الكاثوليك السابق
نقلها لنا لنشرها في الموقع المهندس باسل قس نصر الله مستشار مفتي الجمهورية العربية السورية))
موقف الكنيسة من القضية الفلسطينية والسلام في المنطقة العربية
وباء الكورونا واحد من الأوبئة التي تُهدِّد عالمنا عموما، ومشرقنا وبلادنا بنوع خاص. هكذا تجتاح بلادنا أوبئة، منها:
الصراع الاسرائيلي الفلسظيني العربي! وباء الداعشية! وباء التطرف! وباء العنف! وباء السباق الى التسلّح من قبل الدول والأحزاب! وباء سعر الدولار المتصاعد! وباء الجوع! وباء الخوف! وباء الهجرة! وباء الاجرام! وباء السرقات! وباء صفقة القرن! وباء قانون “قيصر”! وباء انقسامات الصف العربي! وباء التطبيع مع اسرائيل بدون الاهتمام بالقضية الفلسطينية!…
أمام هذه الأوبئة، نسمع صوت الكنيسة، تدعو إلى الدواء الأكثر نجاعة أمام هذه الأوبئة، ولا سيما الصراع الاسرائيلي-العربي-الفلسطيني الذي يعنِّف المنطقة وهو سبب الحروب والصراعات في المنطقة منذ العام ١٩٤٧. هذا الدواء هو السلام الذي نجد له تحديداً بأنه مجموعة الخيرات التي تُسْهم في بناء حضارة إنسانية حقيقية. ويقول النبي أشعيا: “يا الله أعطنا السلام فقد أعطيتنا كل شيء” (أشعيا ٢٦).
وأقول بأعلى صوتي: إنني أفخر بأن أكون عضواً في كنيسة أعتبرها الداعية الكبرى إلى السلام، والمدافعة الدائمة والثابتة عن القضية الفلسطينية، وعن الشعب الفلسطيني وحقوقه وقيام دولته إلى جانب الدولة الاسرائيلية، على أساس القرارات الدولية …
هذا هو موقف الكنيسة عموماً، ولاسيما كنيسة ودولة الفاتيكان. وقد عبَّر عن هذا الموقف نيافة الكاردينال بارولين، أمين سر دولة الفاتيكان. وهذا ما أعلنه المكتب الإِعلامي للفاتيكان يوم الاربعاء الأول من تموز ٢٠٢٠. وجاء في هذا الإعلان ما يلي:
” إلتقى نيافة الكردينال بارولين سفير الولايات المتحدة الأميريكية وسفير دولة إسرائيل لدى الفاتيكان. وأعرب الكردينال عن اعتراضه على أية أعمال أُحادية، من شأنها أن تزيد العقبات أمام مساعي تحقيق السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ويُعقِّد الوضع الدقيق في الشرق الأَوسط.
وأضاف: “كما أعلنَّا بتاريخ ١٩ تشرين الثاني ٢٠١٩ ويوم ٢٠ أيار ٢٠٢٠، أن الكرسي الرسولي يُجدِّد تأكيده أن دولة إسرائيل ودولة فلسطين، لهما الحق في الوجود، والحق بالعيش بسلام وأمان، ضمن حدودٍ معترفٍ بها دولياً وعالمياً. وكذلك يدعو الفريقين لعمل كل ما يمكن عمله لأجل إعادة متابعة عملية السلام، من خلال محادثاتٍ مباشرة على أساس قرارات الأمم المتحدة، لأجل إعادة الثقة المتبادلة، لكي من تكون لديهم الشجاعة، أن يقولوا نعم للقاء بدل النزاع! نعم للمفاوضات بدل العداوات! نعم لاحترام الاتفاقيات بدل أعمال الاستفزاز! نعم للصدق والاخلاص بدل الرياء والنفاق! (من كلمات البابا فرنسيس ودعوته للسلام في الارض المقدَّسة، ٨ حزيران ٢٠١٤).
هذا وقد كان موقف الفاتيكان والبابا فرنسيس واضحاً وحازماً وقاسياً تجاه العمل الاحادي من قبل اسرائيل والرئيس ترامب، بالنسبة لضم الجولان إلى إسرائيل، وبالنسبة لاعلان القدس عاصمة إسرائيل، وبالنسبة لصفقة القرن، وبالنسبة لضم أراضي الأغوار إلى إسرائيل…
لقد رفض الفاتيكان كل هذه التجاوزات والأعمال الأحادية الجانب، بطريقة أوضح من كل مواقف الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والعالم!..
إنه حقاً لموقف مشرَّف ونبيل! ولا يمكننا أن نُغفل ذكر مواقف المسيحيين، لا سيما في أوروبا، والمؤسسات الخيرية تجاه آلام ومعاناة العراق وسوريا، وقد جمعت المؤسسات الملايين والبلايين لأجل مدِّ يد المساعدة للجميع بدون استثناء.
كل ذلك دحْضٌ واضح وقاطع للتجني والتهم ضد كنائس الغرب وتواطؤها المزعوم تجاه بلادنا المشرقية في مآسيها وويلاتها.
إن موقف الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، وموقف الكنيسة عموماً وجميع الكنائس شرقاً وغرباً حول القضية الفلسطينية، هو دحضٌ لبرامج تلفزيونية ومقابلات، فيها طعنٌ بموقف الكنيسة، أو صمتها أو تواطؤِها، بالنسبة للقضية الفلسطينية وللحرب على سوريا وعلى العراق وفي المنطقة.
إن صوت الكنيسة والفاتيكان بالذات بالنسبة للقضية الفلسطينية والسعي لأجل تحقيق السلام في المنطقة، هو الصوت الذي نحتاج أن نسمعه اليوم ونشكر الكنائس على مواقفها الواضحة.
إن موقف الكنيسة دعوة الى السلام بدل : التطبيع والعداء والصواريخ والتسلّح والكراهية والحقد والبغضاء…
هذا ما عبَّرتُ عنه شخصياً، لا سيما أثناء خدمتي في القدس كنائب بطريركي (بين الأعوام ١٩٧٤-٢٠٠٠)، حيث شاركتُ لا بل قُدْتُ المظاهرات، والزيارات للمخيمات ولعائلات الشهداء وللمؤتمرات المحلية والعالمية، لأجل القضية الفلسطينية ولاجل السلام، معبِّراًعن موقف الكنيسة في الارض المقدسة.
وأُضيف كلمة حول مواقف كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك. أخصُّ بالذكر هنا المطران غريغوريوس حجار مطران الجليل، والمطران جاورجيوس حكيم مطران الجليل (لاحقاً البطريرك مكسيموس الخامس حكيم)، والمطران جبرائيل أبو سعدى (نائب بطريركي في القدس ١٩٤٨ – ١٩٦٥ على مدى ٢٧ سنة) والمطران ايلاريون كبوجي (١٩٦٥ -١٩٧٤ حيث اعتقل وسجن…)، والمطران لطفي لحام (١٩٧٤ -٢٠٠٠، على مدى ٢٦سنة).
أعدُّ كتاباً بعنوان “مقدسيات” وفيه خطابات وكلمات ومواقف كثيرة حول قضية السلام وموقف الكنيسة حول القضية الفلسطينية.
ختام
ونقول في الختام لكل ابناء هذه الديار المقدسة، من كل قومية ودين واتجاه سياسي وقومي، رافعين صوتنا بالصلاة لأجل كل شهيد وقتيل، وجريح وسجين ومعتقل ومُقعَد ومتألم؛ ولأجل العدل والسلام والمصالحة، قائلين: لماذا الحرب يا إخوان؟ لماذا العنف ؟ لماذا الكراهية؟ لماذا البندقية؟ لماذا الحجر؟
فلنرمِ بكل هذه جانباً، ولنجْمعْ حجارةَ الوطن، وترابَ الوطن، وطاقاتِ الوطن، طاقاتِ هذه الارض المقدسة، بقداسةِ كتبها وانبيائها وأوليائها، ولنبنِ بها كلِها وكلُنا، حضارةَ المحبةِ والسلامِ في أرضِ المحبةِ والسلام.