صراحة لم يكن بودي التعرض لسياسة دول الخليج وبالأخص منها المملكة السعودية، ثم في السنوات الثلاثة الأخير قطر، والسبب بكل أمانة أن قناعتي الشخصية، قامت ذات عام 1990 قبيل احتلال الكويت بأسابيع قليلة، وفي عاصمة هذا البلد شاهدت ما يكفي العاقل، ليتيقن بأن القوم لا يملكون من استقلالية القرار ذرة، فضلا عن تلكم النظرة الفوقية لبقية أشقائهم العرب، نتيجة مستوى معيشي مترف مصحوب بثقافة تبتعد بنيتها عن القومية العربية، ومفردات الأمة الاسلامية الواحدة وغيرها، كما تابعت من على أرضها عملية كسر العظم مع العراق، والتغول بالحليف العضوي الأمريكي، وأذكر حينها اصطدام الدبلوماسية الجزائرية بصخرة تعنت قيادات الخليج، والتي سعى الرئيس الشاذلي بن جديد جاهدا في فك القنبلة، التي زرعتها الولايات المتحدة هناك، ما أدى الى غيابه عن القمة العربية التي عقدت ببغداد عامها، وايفاد رابح بيطاط ممثلا عنه، عاد بقناعة سقوط الجميع في الفخ الامريكو-اوروبي؛ لم تخطئ حينها تقديرات الجزائر وبلغ الامر الى احتلال الكويت فعلا، وكنت غادرتها قبل هذا الحدث الخطير بشهر أوأقل، ثم ازدادت قناعتي بخصوص مواقف دول الخليج في القمة التي تلت الحدث بالقاهرة، حيث كنت هناك 15/08/1991 التي أصابت قراراتها الأمة في مقتل حقيقي، وقد لاقت الجزائر مرة أخرى عنتا مستغربا، وتعاميا مدهشا عن تداعيات تلكم القمة “الغمة”، ما زرع في الجزائريين حينها شعورا بالمرارة قويا وعميقا، فمن ناحية كانت الجزائر تسعى بخبرتها الطويلة مع الغرب لتجنيب الأمة ما آلت إليه من بعد ذلك كما يشهد المواطن العربي، ولم تعبأ بمصالحها القطرية اوالسلطوية، في حين أعطيت القيادة للنظام المصري ممثلا حينذاك في الرئيس حسني مبارك، والمفارقة أن الجزائر هي من رمت بثقلها لإعادة مصر الى جامعة الدول العربية، بحجة ضرورة استعادة هذه الدولة المركزية بسياسة الاحتواء، وعدم تركها فريسة عمالة نظامها (كامب ديفيد) وعبث اسرائيل والعالم الغربي، لكن اتضح أن النتائج جاءت عكسية تماما، خاصة في تلكم المرحلة المفصلية والخطيرة، وغيّب صوت الجزائر وهمش دورها، مع أن لهذا البلد دون مزايدة قيمة لا تقل أبدا عن بقية الدول العربية المركزية، هذا في أسوء تقدير له.
هناك تفاصيل كثيرة عن مواقف الجزائر داخل القمم العربية، لا يتسع المقال لذكرها، سمعتها شخصيا من الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، وغيرها مما تابعه المواطن العربي كشهادة الرئيس اللبناني اميل لحود اوالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وغيرهم، ما يفسر ابتعاد الجزائر كثيرا عن “العرب” ومشاكلهم الاصطناعية وحلولها الخرقاء، ولما لمسته من عمالة مفضوحة تصل حد بيع الاوطان وتبرير احتلالها تحت عنوان الحماية والتهديد الفارسي (حسب تعبير اصحابها)، فضلا عن خيانة قضية الأمة المركزية “فلسطين”، كل هذا وغيره جعلني اترفع عن الخوض في هكذا مستنقع
لكن فوجئت حقيقة بحفلة “اللطم” التي أقامتها الدبلوماسية السعودية مؤخرا، والتصريحات العنيفة التي تبطن غضبا شديدا، ما أنسى أصحابها حقيقة حجم الدولة التي يمثلونها فضلا عن حجم الدولة التي يقعون تحت حماية قواعدها العسكرية المتمركزة سواء على أراضيها، أوتلكم التي تشكل حزاما بل طوقا في بقية دول الخليج، والمتأمل العارف يعي جيدا أن تلكم التصريحات، بل حتى موقف رفض مقعد مجلس الأمن، لا تزيد قيمتها عن قيمة أصحابها لدى صناع السياسة الدولية، ذلك أنه من جهة: وجود النظام السعودي ذاته قائم أساسا على الفعل البريطاني تاريخا، وامتداده وبقاؤه مرتهن ومرتبط عضويا بالولايات المتحدة، ومن جهة أخرى لا يملك هذا النظام أي مؤهلات تمكنه من الخروج عن عباءة أمريكا، فلا شيء يدل على تلاحم الشعب مع السلطة (الخيار الحر كما تدعوله في دول أخرى)، ولا اقتصاد يقوم على الانتاج الصناعي والغذائي، ولا جيش قوى متمرس مجهز بترسانة من انتاجه، ولا حتى استقلال في الطاقة، بل والأخطر أنه ليس للسعودية أي بديل لها عن الولايات المتحدة، حتى وإن كان لقادتها الشجاعة وسلطة القرار بفتح المجال لروسيا والصين، فكليهما سيرفضان دخول المستعمرة الامريكية لضرورة توازنات دولية أخرى تتجاوز بكثير المملكة. أفترض أن هذه الأبجديات يعرفها جيدا من أقاموا حفلة اللطم تلكم.
كنت أرجومن رموز النظام السعودي أن يتأملوا جيدا الخارطة السياسية حولهم، والتي كان لخياراتهم الغير مسؤولة جزء كبير في صياغتها، فعلاقتهم بالامارات مهلهلة وكذلكم بقطر، ومع سلطنة عمان باردة ان لم تكن مجمدة، ومع اليمن ملتهبة، ومع العراق كذلك، ومع شعب مصر بلغت التراق، ومع الشعب الليبي حسب التقارير الميدانية التي نتلقاها فاشلة تماما، ومع تونس لم تعد تملك مثقال ذرة من تأثير ايجابي، أما مع الجزائر فلا تختلف عن تونس، وأخيرا المغرب الذي ليس في حسبان السعودية أكثر من منتجع سياحي، وختم الأمر بلبنان الذي ينظر اليها بعين الريبة، وسورية التي تستعديها كل يوم، أي محيط حيوي بقي للمملكة السعودية؟. ثم إن كان باراك اوباما اكتشف بأن تهديداته لسورية لم تكن سوى تسلقا لشجرة، لولا ان تداركه صديقه فلاديمير بوتين بسلم الكيماوي لبقي طول عهدته معلقا، فمن يكون قادة السعودية ليتسلقوا ذات الشجرة وهم لا يملكون صديقا مثل بوتين !!!.
أخيرا، تناهى الى علمنا تسريبات بخصوص محاولات قطر اعادة فتح العلاقات مع سورية، واستعدادها لمراجعة سياستها الاعلامية فضلا توجهاتها الدبلوماسية، وتأكدت لي هذه المعلومات اليوم 25/10 من قنوات موثوقة، أرجوأن تكون القيادة القطرية الجديدة جادة في خيارها هذا، فهوقطعا أنفع لها، وأن تحذوحذوها المملكة السعودية، مع أن القيادة السورية قد تردد مطلب السيد حسن نصر الله ذات عام 2006 ” ما بدنا منكم لا دعم ولا شي، بدنا تتركونا لحالنا”.