في الحقيقة, صدمني كثيراً ما قاله الأستاذ الكبير والبروفسور اللامع صادق جلال العظم منذ أيام خلت في إحدى الصحف الخليجية عن ان نجاح جنيف2 مرهون بسقوط العلوية السياسية!. أن يقول الأستاذ الكبير وعميد كلية الأداب بجامعة دمشق سابقاً كلام كهذا فهذه نكسة حقيقية ليس لشخصه الكريم فقط بل لمجمل المشهد الثقافي والتحرري في المنطقة والذي شكل البروفسور العظم أحد أهم ركائزه طيلة نصف القرن التي مضت.
هناك من قال أن العظم رائع لجرأة التفكير بصوتٍ عال, ولأنني أعتبر نفسي تلميذاً من تلامذة العظم ( ليس في كلية الفلسفة-جامعة دمشق حيث كان يدرس) وخصوصاً في مشروع/كتاب ( نقد الفكر الديني), ولأنني ايضاً أعشق شئ إسمه التفكير بصوت عال, فإنني أصر على ان كلام البروفيسور آلمني, وأن يستخدم صادق جلال العظم مفهوم (العلوية السياسية) في إحياء واستعارة لمفهوم المارونية السياسية, وهو المصطلح الذي سيطر على كافة مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية في لبنان منذ استقلاله ( وربما قبل ذلك) وحتى مؤتمر المصالحة الوطنية المسمى بالطائف 1990, هو نكسة بمعنى الكلمة.
بعيداً عن شاعرية المقدمات, يجمح السؤال في عقولنا فوراً ومنه نسأل: هل هناك من علوية سياسية في سوريا؟ دعونا نرى.
من الناحية السياسية:
في لبنان, قامت المارونية السياسية من خلال ركائز حزبية تقوم بالتشجيع على التقوقع والتدجين الطائفي من خلال أحزاب مارونية خالصة بأيديولوجيا عنصرية ونقاء في الانتساب لهذه الأحزاب, بمعنى أن الديمغرافيا الحزبية في احزاب كالكتائب والوطنيين الاحرار كانت فقط من الموارنة. فهل هناك في سوريا حزب علوي أنشئه النظام وأوكل اليه مهمة ( تدجين العلويين) فيه كما كان معمولاً به في لبنان؟ هل سمعتم عن قيام النظام السوري بنشر أيديولوجيا ( تفوق علوي ) أو ( تواصل نسل فينيقي أو كنعاني حتى وصوله الى العلويين ) وبالتالي تفسير ( العلوية السياسية في الحكم)؟!.
في سوريا, ومنذ عام 1963, كان النظام السوري ( يدجن) الشعب السوري بكافة طوائفه ( بل وحتى إثنياته) ضمن حزب البعث وهو حزب ذو ايديولوجيا قومية عربية ولم يكن التدجين يخص طائفة دون اخرى ولم يكن ( المدجنون) يعملون للدفاع عن طائفة أو لزيادة امتياز طائفة, بل كانوا كلهم يعملون لزيادة مزاياهم الشخصية من وظائف وغيرها وذلك على امتداد ساحة الوطن.
يسجل في التاريخ أن علويو سوريا ,وفق مبدأ النسبة والتناسب , كانوا الأكثر حضوراً في أحزاب المعارضة السورية, لا وبل كانوا في بعض الحالات يشكلون النسبة الأكبر في بعض أحزاب المعارضة العنيدة والراديكالية كالبعث الديمقراطي وحزب العمل الشيوعي, وهذا الأخير يعد الأشرس ضد النظام في سنوات السبعينيات والثمانينيات. وأكاد اجزم, ومن مشاهدات عينية ( غير موثقة), أن عائلة علوية واحدة ليس بينها سجين سياسي سابق وهذا مالم أجده لدى بقية مكونات الشعب السوري.
المارونية السياسية التي استقاها العظم ليعمم مفهوم العلوية السياسية كانت, وبسبب ما ذكرناه أعلاه, معزولة محلياً واقليمياً لاوبل حتى دولياً في كثير من المحطات وذلك لأنها لم تكن تعبر عن أي مشروع أو عن أي ارادة شعبية خارج القوقعة المسماة ( مصلحة الموارنة في الحكم), وهذا عكس مايجري في سوريا تماماً.
إن نظام الحكم الشمولي الذي يحكم سوريا غير معزول سياسياً ولو كان هناك من علوية سياسية لكان سقط منذ زمن بعيد.
لم يكن احد يتضامن مع المارونية السياسية لآنها كانت تمثل النقيض لمصالح احزاب وقوى وفئات شعبية واسعة وكبيرة لذلك اتفق ,مثلاً, الناصريون والشيوعيون والقوميون السوريون والاسلاميون بل وحتى الليبراليون ضدها في حين أننا في سوريا نرى بأم العين ان نظام الحكم غير معزول على هذا المستوى لاوبل بالعكس فنحن ننفق, كمعارضة سورية, الكثير من الوقت لمنع انزلاق الكثير من القوى اقليمياً ودولياً في معركة المفاضلة مع النظام!!.
إن النظام السوري ليس نظاماً عادياً ولايمكن التعامل معه بتبسيط الصراع وتعميم مصطلحات خلبية كالعلوية السياسية. في عام 2005 كنت أحار في امر مازال الى الأن: كيف يجتمع في حب النظام السوري شخصان/ مشروعان لايلتقيان ويكرهان بعضهما بعضاً ويكيدان ببعضهما بعضاً كالراحل الشيخ البوطي و نبيل فياض!!
نعم, في ساحة الصراع الان يقف البوطي الى جانب فياض وهما يحملان السلاح في معركة وجودية كلُ يراها من زاويته.
لاينفك النظام السوري يستقبل الوفود العربية والدولية الداعمة له فهو يودع القوميين العرب الجزائريين ليستقبل اليمين المتطرف الانكليزي ليودعه ويستقبل إسلاميين فلسطينيين وما ان يصل في وداع هؤلاء الى الباب حتى يكون في استقبال نقابيين أردنيين وبعد راحة قصيرة يستقبل رجال دين مسيحيين ويشاهد معهم على شاشات التلفزة المظاهرات الكبيرة الداعمة له في تونس والرباط وصنعاء وواشنطن وباريس ولندن…. فهل تضامن أي من هؤلاء سابقاً مع مشروع انعزالي اسمه ( المارونية السياسية)؟ وهل لو كان من علوية سياسية ما في سوريا كنا رأينا هؤلاء في بلاطات القصر الجمهوري؟!.
ان النظام السوري يعطي لكل شخص ولكل مشروع شئً منه وهذا ماينتج عنه مفارقة أن يجتمع العلماني المتطرف مع المسلم المتطرف والمسيحي المتطرف والقومي العربي المتطرف وداعم المقاومة وكارهها.. كلهم في تأييد هذا النظام.
إقتصادياً:
بما أن السياسة هي تكثيف للاقتصاد كما يقول لينين, بمعنى ان الهيمنة السياسية ( العلوية السياسية هنا كما يقول العظم ) تكون تعبيراً عن الهيمنة الإقتصادية فهذا يقودنا لسؤال مهم ولكن قبل ان نسأله نعيد فنقارن بالمارونية السياسية في لبنان, نموذج العظم المفضل على مايبدو.
في لبنان, كانت الأحزاب المارونية وكونها تسيطر على السياسة تقوم بعملية انماء غير متوازن, وكان التركيز دائماً على منطقة كسروان وغيرها من مناطق الموارنة لدرجة كانت تبدو معها حتى بيروت عجوز متصابية. هذا عدا طبعاً عن احتواء فرص الاستثمار بالموارنة وتوسيع وجودها عمودياً في مفاصل الحكومة وخططها التنموية والاقتصادية وعلى رأسها السياحة.
والسؤال الأن: هل سمعتم يوماً أن حافظ الأسد, ومن بعده ابنه بشار, ومنذ وصوله الى السلطة العام 1970 قد قام بتفكيك معمل او مصنع في حلب او دمشق ونقله الى اللاذقية أو طرطوس!؟.
هل سمعتم يوماً الخطط الخمسية السورية ( سبعة منها على الأقل كانت أيام حكم حافظ الأسد وبشار الأسد) قد قامت على اساس التنمية في الساحل السوري على حساب بقية المناطق والمحافظات؟
هل سمعتم يوماً أن النظام السوري قد قام بنقل الثقل التجاري من دمشق الى اللاذقية أو نقل الثقل الصناعي من حلب الى طرطوس؟
نستطيع الاجابة عن الأسئلة اعلاه وبكل ثقة ووثائقية أن لا. لم يقم النظام السوري بذلك طيلة تاريخه بل على العكس تماماً احتفظت حلب ودمشق بمركزيهما التاريخيين في الصناعة والتجارة لابل نستطيع ان نحكي الملاحم عن اهتمام النظام بهما ورعايتهما ( وتدليل) الطبقة البرجوازية في كلا المدينتين لدرجة باتت معها حقوق العمال في خبر كان, وهذا ماكان موضوع عمل لنا مع بعض اليسار السوري منذ سنوات خلت ولكن صوت البرجوازية الحلبية لدى النظام كان أقوى ( وأحب) الى النظام من صوتنا النشاز.
لقد إختار النظام السوري, على سبيل المثال, أن يقيم المدينتين الصناعيتين العصريتين الوحيدتين في سوريا في كل من عدرا بريف دمشق وحسياء في ريف حمص, وفي كلا المدينتين يقوم مستثمرون سوريون ورجال اعمال بإنشاء مشاريعهم وهم في غالبيتهم المطلقة من غير ( العلوية السياسية).
هل يعلم البروفسور العظم أن النظام السوري كان قد أصدر قانون الإسثمار رقم 10 في العام 1991 بناءً على مصالح عدد من رجالات النظام بينهم عبدالحليم خدام وعبدالله الاحمر ومصطفى طلاس!! وذلك بهدف شرعنة أموال القطاع العام المنهوبة!! وليس بين المشاريع التي ظهرت بناءً على ذاك القانون ماهو يدل على هيمنة ما ل ( العلوية السياسية).
طبعاً, من المهم الاشارة هاهنا الى ماكان السوريون يرونه منذ عقود حول الفقر المدقع الذي تعيشه قرى
( العلوية السياسية) بالنظر الى بقية الأرياف أو المدن.
إذا لم يكن هناك تمييز في السياسة ولا في الاقتصاد.. فأين تكمن ( العلوية السياسية) التي تحدث بها العظم!
هل في الدين مثلاً؟
المناخ الديني:
عندما يتحدث العظم وغيره عن ( علوية سياسية) فإن المرجح في الجانب الديني أن يكون هناك تمييزضد السنة وغيرهم, أن يكون هناك نشر للمذهب العلوي بشكل افقي في المجتمع على حساب المذهب السني, بمعنى أخر: الأخذ من الرصيد الشعبي للسنة ووضعه في رصيد العلوية. وبالنسبة لي فلو كان هذا ماحصل ويحصل في سوريا فلن ألومن طائفي واحد! ولكن هل هذا ماحدث ويحدث في سوريا؟ أيضاً دعونا نرى.
يحدثنا التاريخ والواقع بأن النظام السوري ومنذ 1970 لم يقم ابداً بتغيير المناخ الديني لسوريا, وذلك من نواحي عدة على رأسها أن من يهيمن على البرامج التلفزيونية الدينية في سوريا هم السنة, والسنة فقط, دون غيرهم.
هل رأيتم مثلاً شيخ علوي يقدم برنامج ( حديث الروح)؟ هل سمعتم يوماً اذان الصلوات الخمس ( الذي مازالت تبثه اذاعة دمشق) أو الإفطار والسحور في رمضان وفق المذهب العلوي؟ أو بصوت شيخ علوي! أو جعفري؟.
هل سمعتم مثلاً عن أن النظام عمل على ( علونة ) مذهب ما استطاعوا اليه سبيلاً من الشعب السوري!؟
يعلم الجميع أن النظام السوري فرض على السوريين ( وعلى رأسهم العلويين) دراسة الإسلام في المدارس وفق المذهب السني ( وهذا أشد انتهاكاً لحقوق الإنسان مارسه النظام علينا).
في سوريا, يفرض على الأزيدي ان يتعلم في المدرسة الإستعواذ من الشيطان وان يشتمه وذلك وفق المذهب الاسلامي السني في حين ان عقيدته تقول عكس ذلك تماماً. وفي مدارس سوريا أيضاً يفرض على المسلم الجعفري الإثني عشري أو الإسماعيلي أو العلوي الإعتراف بحديث (الثقلين) وفق المذهب الإسلامي السني في حين أنه في بيته ,وكعقيدة دينية, هو رافض له ويعد الاعتراف به هو نقض وكفر بعقيدته التي تناقلها أباً عن جد وأماً عن جدة.
والمشكلة ان طالب المدرسة سيرسب إن لم يجب على أسئلة مادة التربية الدينية التي يعلموننا اياها منذ الابتدائية الى الثانوية وفق المذهب السني فارضين بذلك قمعاً دينياً واعتداءً على عقائد دينية لغير السنة.
( أرجو ان لايفهم كلامي خطأ في هذه الفقرة فأنا لست مع التدريس الديني لاوفق السنة ولا وفق الاسماعيلية او المسيحية وانا مع الغاء تدريس مادة التربية الدينية في مدارس سوريا وقد تشرفت بتوقيع عريضة في العام 2006 في هذا الأمر).
في النهاية يحق لنا سؤالين: من يتحمل مسؤولية إجبار المسلمين السوريين ,من غير السنة, على الكفر بعقائدهم وقناعاتهم الدينية لصالح عقائد السنة وقناعاتهم وهذا ماحصل ويحصل كل يوم في مدارس سوريا؟ ومن هو المضطهد دينياً في هذه الحالة؟
اذاً, إن حقيقة إقصاء السنة عن المناخ العام هو اكذوبة كبيرة خصوصاً اذ ماعرفنا أن حافظ الأسد لم يبني سوى جامع واحد في القرداحة في حين انه انفق من ميزانية سوريا لبناء لايقل عن 18000 جامع يرتاده السنة في كل شبر من أرض سوريا, وان وزارة الاوقاف تذهب مخصصاتها كلها لمشاريع لأتباع المذهب السني ( للحقيقة والتاريخ شذ قليلاً عن هذا الواقع المفتي الحالي بدر الدين حسون في وقائع لامجال لذكرها الان).
العروبة السياسية:
ان عمليات التغيير السياسي والاجتماعي في أي مجتمع هي عملية معقدة وهذا مايبدو أنه فات أستاذنا العظم!! فصاحب كتاب ” دفاعاً عن المادية والتاريخ” لم يلحظ ابداً أن التغييرات السياسية التي حدثت في دول الربيع العربي اختصرت بشكلها ” الرومانسي” على كل من تونس ومصر بينما دول اخرى كليبيا واليمن وسوريا تعيش مخاضات عنيفة دون الوصول الى التغيير المطلوب ” اليمن أهدأ حالاً” وذلك بسبب ان شعوب هذه الدول غير متجانسة من حيث العرق والدين واللغة وغير ذلك, في حين ان مصر وتونس كان التغيير فيهما سهلاً لوجود التجانس من حيث المذكور اعلاه.
في تونس ومصر ,ورغم التجانس, استطاع نظاما البلدين خلق تشوهات للّعب عليها حيث العلمانيين من جهة والاسلاميين من جهة اخرى فما البال والحديث هنا عن ليبيا ( الانقسام على اساس القبيلة) أو اليمن ( الانقسام على اساس القبيلة والدين وشمال وجنوب) أو المثال الاكثر تعقيداً سوريا ( حيث هناك اكثر من 28 طائفة وعرق ومذهب)!!
ان حال سوريا يشبه تماماً حال يوغسلافيا التي لم ينجح فيها التغيير ,الذي ضرب اووبا الشرقية نهاية الثمانينات, الا تقسيماً وفاشيةً حيث وكما هو معروف فان يوغسلافيا تشبه ,في تعقيد خريطتها الديمغرافية, سوريا الى حد كبير.
أن يعمم العظم مصطلح العلوية السياسية ويلقي اللوم عليه بسبب عدم سقوط النظام يجعلنا ندعوه أيضاً الى استخدام نفس ” المنهجية” ليعمم مصطلح ” العروبة السياسية”!!
نعم, لماذا لم يطلق العظم على قمع انتفاضة ” الأكراد” في اذار 2004 مصطلح العروبة السياسية!! هل يعرف العظم أن من يتحدثون مثله بالعلوية السياسية كانوا في عام 2004 يؤازرون النظام في قمع الأكراد؟ هل يعلم ان طلاب جامعة حلب كانوا يتصيدون زملائهم الطلاب الاكراد في المقاهي وعلى مدرجات الجامعة؟ هل يعلم ان هؤلاء الطلاب هم عرب سنة وعلوية ودروز ومسيحية وغير ذلك وغالبيتهم العظمى اصطفوا مع النظام انذاك ضد الاكراد السوريين؟ هل يعلم العظم أن هناك سوريين ممن يتحدثون عن العلوية السياسية اليوم قد كانوا بالامس يضربون الكردي في الشارع دون ان يحاسبهم احد؟ وأنهم كانوا يفعلون ذلك دفاعاً عن رئيس دولتهم ” العربي”؟.
كي أقتنع أن صادق جلال العظم يتحدث عن العلوية السياسية بأكاديمية وحرفية فعليه أن يكتب متحدثاً عن العروبة السياسية ضد الأكراد في 2004 وبذلك يكون منسجماً مع نفسه.
بالنسبة لي, لايوجد ” علوية سياسية ” اليوم كما لم تكن توجد ” عروبة سياسية ” في 2004 وما المسألة سوى أننا نعيش في مجتمع مازال ينظر الى الإنتماءات الماقبل وطنية نظرت التقديس. في عام 2004 كان السني السوري العربي يمثله بشار الأسد طالما ان هناك مشروع كردي واليوم فإن العلوي السوري ومعه بقية الأقليات ( بما في ذلك الأقلية العلمانية داخل السنة) يشعرون أن بشار الأسد يمثلهم طالما ان هناك مشروع إسلامي, وفي كلا الحالتين لايمكننا مواجهتهما بالعنف أو شيطنتهما.
إعرف خصمك:
يكرر صادق جلال العظم نفس خطأ الإخوان المسلمين في السبعينيات عندما اختصروا حقوق الشعب السوري ولم يجدوا سوى ( العلوية السياسية) وسيلةً للحشد ضد النظام وهذا تماماً ما نقضته أدبيات ( ربيع دمشق) عندما تم الاتفاق على أن: الطائفة بيد السلطة وليست السلطة بيد الطائفة.
إن كلام العظم هو بيع للوهم فكأنه يقول أن الامور في سوريا هي الجنة بحد ذاتها ولاشئ ينغص هذه الجنة سوى ( العلوية السياسية)! فهل ,مثلاً , محاولتنا في هذا المقال اثبات أن لاوجود ( للعلوية السياسية) ستنفي عن الشعب حقه في استرداد حقوقه من النظام؟
للوهلة الأولى, ولمن صدق كلام العظم الذي أضاع بوصلة المواجهة مع النظام, سيظن أن الجواب: نعم
لكن لا, إن للشعب السوري حقوقاً هدرها النظام ويحق للشعب استعادة هذه الحقوق والتي لايمكن إختصارها ب ( علوية سياسية).
إن النظام السوري, مثله مثل الأنظمة الحاكمة في المنطقة, قد مارس طيلة عقود على الشعب الاستبداد وعمم الفساد وخنق الحريات وابتلع الصالح العام وعمل على تحويل المواطن الى ألة صماء مهدور الكرامة أمام تسلط أجهزة الأمن ومحاكمها الاستثنائية, النظام السوري عمل على تشتيت طاقات الشعب وجعل نزيف الشباب الى الخارج ديدن وجوده ومحاربة حرية الرأي أسلوب حياته, وكل هذه الأسباب هي مايجب أن تدفعنا للخروج ضده لإسقاط كل تلك المنظومة إحياءً للديمقراطية واستعادةً للكرامة.
أما الحديث عن ( علوية سياسية) فهو تبسيط ساقط وبيع للوهم وقبل كل شئ هو نسف لمبادئ المعارضة الوطنية السورية وأسلوب عملها القائم على محاربة المقدمات المذكورة أعلاه لا الحشد لها من خلال تعميم مصطلح خلبي اسمه ( العلوية السياسية).
إن من الفصاحة في العمل السياسي أن ندرك خصمنا وأليات عمله ولا أعتقد أن هذا الأمر خافي على البروفسور العظم. لذلك فبدل أن يحدثنا العظم عن (علوية سياسية) كان يجب ان يحدثنا عن استبداد النظام الحاكم وتكميمه الأفواه ومحاربته للعمل السياسي والمدني وتعميمه للفساد وهدره للكرامات. كان على العظم بدل ان ينفق وقته في نحت المصطلحات ان يحدثنا عن الإقتصاد السوري المنهار وعن خطط النظام الخمسية التي لم تجلب سوى الفقر المعمم لصالح طغمة من الأثرياء داخل النظام وخارجه. كان على العظم ان يطالب بالغاء التدريس الديني من مدارس سوريا بدل ان يوحي لفئة من الناس انه متضامن مع عسف ديني موهوم من النظام تجاههم.
ختاماً, تهمني الإشارة الى ان الكلام عن ( العلوية السياسية) لو كان قد صدر عن أحد الإخوان المسلمين لما رددت عليه فهؤلاء جماعة من الموتورين المفلسين, ولوكان هذا الكلام صادراً عن أحد أبناء حمص في الأحياء المحاصرة أيضاً لما رددت عليه لأن للبشر طاقة محدودة تنكمش وقت العنف والدمار وأنا لا أزايد على مثل هؤلاء فأكتفي بالصمت… أما أن يصدر عن البروفسور صادق جلال العظم من مكان إقامته الوثير خارج البلاد فهذا مالا أقبله ولايمكن الصمت عليه.