ساد في المصطلحات السياسية على مدى عقود ماضية ما اصطلح على تسميته بالحقبة السعودية التي تجبر فيها الحكم السعودي نتيجة الطفرة النفطية الدولارية اولا ووجود اقدس اماكن المسلمين على اراضيه ثانيا وتوظيف هذا وذاك في التأثيرعلى التوجهات السياسية في المنطقة ولاسيما التحكم بمسارات الصراع العربي الاسرائيلي بعد خروج مصرمن المعادلة بسبب اتفاقات كامب ديفيد حيث وصلت هذه الحقبة اوج سطوتها بعد تحطم قوة العراق واشغال سورية بالحرب الاهلية اللبنانية وتراجع الانتفاضة الفلسطينية بما يؤكد ان الحقبة السعودية نشأت وترعرت سياسيا واستراتيجيا على حساب تراجع المد الجماهيري العربي الذي سطع نجمه في الخمسينيات من القرن الماضي وكانت الحقبة على امتداد سنواتهاش مسخرة بالكامل لتقديم خدمات مباشرة للمشروع الامريكي الصهيوني ..
وبغض النظرعن الخلافات التي طفت على السطح مؤخرا بين السعودية والولايات المتحدة الامريكية وهل هي عابرة ام دائمة وتأثيرها البالغ على مصير ما يسمى الحقبة السعودية فان اوراق هذه الحقبة قد اصفرت وبدأت بالسقوط ولم يعد السؤال هل ستسقط ام لا ؟ وانما السؤال متى ستسقط وتنهار كليا الى غير رجعة ؟ ولعل مؤشرات هذا السقوط والانهيار التي تؤذن بنهاية وشيكة لها قد باتت واضحة ولاتخطؤها العين المجردة فبقاء مملكة آل سعود كان مرهونا بثلاثة عوامل :العامل الاول تمثل في حاجة واشنطن للمملكة لتمدها بالنفط وقد بدأ هذا العامل بالتراجع بعد الاكتشافات الامريكية للنفط الصخري في اراضيها و بكميات تفوق حاجتها وتجعلها في مقدمة المصدرين للنفط في العالم والعامل الثاني تجلى في الحاجة الى السعودية لكي ترافع في قضية السلام مع الكيان الصهيوني وهذا العامل فقد اهميته في ظل الظروف المستجدة على الصعيد ين الفلسطيني والعربي والتدخل الامريكي المباشر بين الفلسطينيين والاسرائيليين والعامل الثالث ظهر في حاجة واشنطن الى السعودية لقيادة ما يسمى جبهة الجهاد العالمي ضد الاتحاد السوفيتي سابقا ولاحقا وراهنا لاسقاط انظمة عربية في مرحلة ما اطلق عليه الربيع العربي وقد اوشك هذا الجهاد الكاذب باسم الاسلام على الانكسار التام على اسوار دمشق وقد انتفت حاجة الولايات المتحدة الامريكية له بعد فشلها في افغانستان وانسحابها من العراق والتقارب الروسي الامريكي والعامل الرابع برز من خلال حاجة الغرب وامريكا لقيادة سعودية تحشد الخليج والعرب ضد ايران وهذا العامل قد بدأت اولى مقدماته بالانحسار بعد الاتصالات الامريكية الايرانية على مستوى الرئيسين ومعاودة دول غربية ومنها بريطانيا بفتح اقسام من سفاراتها في طهران ..
لقد برزت تطورات كبيرة في موازيين القوى على الصعيدين الاقليمي والدولي جعلت الحماية الامريكية للانظمة الحاكمة في السعودية والخليج غير كافية ان لم نقل انها مرشحة للتضاؤل الشديد في السنوات القليلة المقبلة ويبدو ان هذا من اهم دوافع تلك الانظمة لفتح كل خزائنها واستخدام كل ثرواتها الاسطورية لتدمير الدول العربية تحت شعارات مايسمى الربيع العربي خدمة للكيان الصهيوني وخوفا من وصول رياح التغيير اليها ووصل بها الامر مؤخرا بعد التطورات الجديدة بين ايران والولايات المتحدة لاجراء صلات واتصالات مباشرة لاقامة حلف اسرائيلي خليجي لضرب ايران ومحور المقاومة في المنطقة .
ومن نافلة القول ان استقرار السعودية هو اساس استقرار دول مجلس التعاون الخليجي كلها وليس العكس وان الحماية الامريكية هي اساس استقرار السعودية وعندما تضعف هذه الحماية يهتز استقرار السعودية وبالتالي تهتز انظمة الخليج كلها ويبدو ان زمن الحماية الامريكية المطلقة قد تراجع كثيرا بعد فشلها الذريع واضطرارها لسحب قواتها من العراق وقريبا من افغانستان واتخاذ ادارة اوباما شعارا بعدم شن حروب جديدة بعد الان واعتبار حروب بوش السابقة السبب الاساس في الازمة المالية المريرة التي ضربت الاقتصاد الامريكي والتي بالكاد تم حلها جزئيا ومؤقتا وهذا سيؤدي الى ضعف تدريجي في حماية امريكا لممالك الملح في السعودية والخليج ..
وبالاجمال يمكن ايجاز أهم التطورات في الواقع الدولي الجديد التي انعكست على قوة حماية واشنطن للسعودية و الانظمة النفطية الاكثر ظلاما واستبدادا في العالم بما يلي :
اولا- تراجع واضح وملحوظ للولايات المتحدة كقطب وحيد على المسرح الدولي وبروز لاعبين جدد وولادة عالم متعدد الاقطاب من روسيا والصين وبعض دول البريكس ولعل الازمة في سورية قد اظهرت هذه الصورة وسرعت في اكتمالها وافشلت رهان السعودية بعد قطر وتركيا على اسقاط الدولة السورية .
ثانيا – تراجع امريكي على صعيد الاقتصاد العالمي فالازمة المالية التي زلزلزت اقتصادها جعلتها تتخلى اضطرارا عن مكانتها الاولى في الاقتصاد العالمي الامر الذي جعلها اقل قدرة على تمويل حروب جديدة وتوفير الحماية العسكرية لحلفائها ومن ابرز هؤلاء عملائها من انظمة الخليج وفي المقدمة السعودية المملكة الاغنى والاشد ظلاما واستبدادا في العالم .
ثالثا – تعاظم القدرات العلمية والعسكرية لايران وظهورها كقوة اقليمية لايمكن تجاوزها في التاثير على قضايا المنطقة وبالاخص على قضايا الامن والاستقرار في الخليج مما يجعل ظهر الانظمة الحاكمة هناك مكشوفا واكثر قابلية للسقوط واستبدالها بانظمة يرضى عنها الناس في تللك البلدان بعد ان ضعفت القبضة العسكرية الامريكية في المنطقة كلها .
رابعا- تراجع الاهتمام الامريكي بالنفط السعودي والخليجي كما ذكرنا آنفا بعد اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز في الولايات المتحدة الامريكية الامر الذي يخفض من منسوب اهتمام واشنطن بمنطقة الخليج وربما يتحول الاهتمام الاكبر نحو ايران وتحسين العلاقات معها ويعتقد محللون ان العجلة بدأت بالدوران وان كان بحذر بعد الاتصالات رفيعة المستوى بين الطرفين على هامش دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك .
خامسا – فشل مشروع الشرق الاوسط الجديد نتيجة الصمود السوري وسقوط التجربة الاخوانية في مصر ونشوب خلافات حادة بين اطراف المعسكر المعادي لمحور المقاومة أدى الى انقلاب على حكام قطر وبروز خلاف تركي قطري مع السعودية حول التحولات الجديدة في مصر وخلاف بين السعودية وامريكا بشأن مصر ايضا واخفاق سعودي حتى الان في احتواء مصراو شرائها تعويضا لهزيمتها في اخضاع سورية وتركيعها ..
إن الحقبة السعودية باتت قاب قوسين او ادنى من خط النهاية وعتبة الأفول الكلي وهاهي تتعلق بحبال الجامعة العربية الميتة اصلا لتحول دون تعليق نعيتها على ابواب العواصم العربية كلها محاولة اعادة انتاج ما يمكن انتاجه من حقبتها السابقة وبواسطة جامعة لم تعد جامعة ولم تعد عربية لافي الاسم ولا في المسمى وهي التي يجتمع وزراء خارجيتها اليوم في القاهرة ليس لبحث الازمة السورية وتطوراتها،التي بحثوها مرارا وتكرارا عشرات المرات وانما لبحث فشلهم، وكيفية انقاذ انفسهم وحكوماتهم، من غضبة الشعب السوري، والشعوب العربية الاخرى، التي اجرموا في حقها، ودمروها بمؤامراتهم وفتنهمواغرقوها في بحور من الدماء، ولكن يوم الحساب لكل من اخذته العزة بالأثم ضد سورية وشعبها والامة العربية لن يكون بعيدا وسيكون عسيرا جدا ..