بقلم المستشار :محمد ابوزيد فرعون غاضب
٢
لفهم ماحدث بسوريا ..ولماذا حدث يجب اضافة الى ما اوردناه بالجزء الاول من تلك الدراسة التى أجريناها منذ سنوات ولم نفكر فى نشرها والتى نحاول جاهدين تلخيصها دون مساس بمضمونها . يجب ان تكون الخلفية واضحة تمام الوضوح ..هذه الخلفية لايكفى ان تكون حاضرة فى الذهن وإنما ينبغى الا تغيب عنه ابدا
١ – انتهت الحرب الاسرائيلية على لبنان عام ٢٠٠٦ ( بخيبة كبيرة وخطيرة يتحمل مسؤوليتها أساسا الجيش الاسرائيلى ولكن شارك فيها أيضا الضعف الذى أبداه الجانب السياسى ) ..هكذا وصفت لجنة فينوجراد التى تشكلت فى اسرائيل برئاسة القاضى الياهو فينوجراد نتائج الحرب على لبنان ..وقد انتهى هذا التقرير الى ان : ( حرب لبنان الثانية اثارت مرة اخرى للتفكير والنقاش قضايا آثر المجتمع الاسرائيلى تجاهلها . فليس بوسع اسرائيل البقاء فى هذه المنطقة ولا يمكنها الوجود فيها بسلام او بهدوء ، من دون ان يؤمن فيها وفى محيطها بأن لاسرائيل زعامات سياسية وعسكرية ، قدرات عسكرية ومنعة اجتماعية ، تتيح لها ردع جيرانها الراغبين بالمساس بها ومنعهم ولو بالقوة من تحقيق هدفهم ..( نص التقرير نشرته مجلة السفير التى تصدر بالتعاون مع جريدة السفير اللبنانية – العدد ٧٠ – اغسطس ٢٠٠٩ ) ..
– ماتضمنه التقرير الاستراتيجى لإسرائيل عام ٢٠٠٩ من نقاط نوجزها فى :
– ان المشكلة الاصعب فى تحقيق التطبيع بين اسرائيل والعالم العربى تتمثل فى بقاء قضايا غير محلولة ….كما ان المسألة السورية هامة فى هذا الجانب ، وتحقيق السلام بين اسرائيل وسوريا يمكن ان يساعد فى تلطيف آخر للعلاقة مع العالم العربى .
– برغم تعرض اسرائيل لإدانات واسعة من الحكومات العربية ، سواء اثناء حرب لبنان الثانية ( تموز ٢٠٠٦ ) او العملية العسكرية فى غزة ٢٠٠٩ فإن الحكومات المعتدلة كانت تأمل – بديهيا دون ان تعلن ذلك صراحة – ان توجه اسرائيل ضربة عسكرية لكلا التنظيمين ( حزب الله – حماس ) ، وان تضعف قوتهما .
– يمكن للعالم العربى ان يضغط على الفلسطينيين ، وربما على السوريين لإبداء مرونة فى نقاط محورية فى المفاوضات المستقبلية مع اسرائيل ..كما يمكن لدعم العالم العربى ان يضعف ويكبح عناصر راديكالية ستحاول منع تحقيق تسويات او زعزعتها ، خصوصا اتفاق سلام مع سوريا اذا كان ذلك سيقود الى دق اسفين بين ايران وسوريا واضعاف حزب الله .
– ماخلص اليه الباحث الاسرائيلى ( عيران عتسيون ) فى التقرير الاستراتيجى سالف الذكر بأنه ينبغى للاستراتيجية الاسرائيلية ان ترتكز على ساقين : ساق الردع وساق التسوية . ففى مواجهة ايران وسوريا واللاعبين مادون الدولة كحزب الله وأشباهه يتطلب الامر سياسة ردع موثوقة ودائمة .
فالوضع فى سوريا ( ماقبل الاحتجاجات ) لم يكن مقبولا اسرائيليا ولا امريكيا ولاسيما مع بقاء النظام الحاكم بسوريا ضمن المعسكر الراديكالى الذى يشمل ايران ومنظمات المقاومة الشعبية سواء فى ايران او فلسطين ، اضافة الى ان الدعم الذى تقدمه سوريا لتلك المنظمات المحتضن لها لا بد ان يتوقف ولاسيما بعد نجاح الدعم السورى للمقاومة العراقية الى اجبار الاحتلال الامريكى للعراق الى الانسحاب عام ٢٠١١ ..
وأصل معكم إلى أهم ماتضمنته الأبحاث والدراسات الصادرة عن اكبر مراكز الأبحاث الاستراتيجية الاسرائيلية حيث إنتهت من تحليلها لنتائج حرب تموز ٢٠٠٦ على لبنان انه من قبيل الجنون ان تحاول اسرائيل اعادة الكرة مرة اخرى مع المقاومة الوطنية اللبنانية فى ظل عدم قدرة جيش الدفاع الاسرائيلى على مواجهة اسلوب حرب العصابات التى تستعمله المقاومة اللبنانية بذكاء شديد ، اضافة الى نجاح المقاومة اللبنانية فى ايجاد متغير جديد فى حلبة الصراع العسكرى العربى / الاسرائيلى وهو توازن الرعب حيث تمتلك منظومة صاروخية اجبرت مليون ونصف المليون اسرائيلى على البقاء فى الملاجئ طوال مدة الحرب التى امتدت الى ٣٤ يوما ..
والحل الوحيد من وجهة النظر الاسرائيلية للحد من قدرات حزب الله وإضعاف المقاومة هو ضرب سوريا والسعى لإسقاطها وإن لم يكن فعلى الأقل إغراقها فى مستنقع الأزمات والهموم الداخلية والعزف بشدة على وتر الطائفية فى بلد ( متعدد الأعراق والطوائف والاديان والمذاهب ) .
وينبغى ملاحظة ان الخسائر الامريكية فى العراق وافغانستان ونتائج حرب لبنان الثانية قد فرضت على الإدارة الأمريكية إلى إستخدام مفهوم الحرب الناعمة فى حملتها الامبريالية على سوريا .. ومفهوم القوة الناعمة صاغه جوزيف ناى فى كتابه المعنون ( التغير فى طبيعة القوة الامريكية ) عام ١٩٩٠ ..والقوة الناعمة تعنى القدرة على تحقيق هدف معين بواسطة عدة خيارات وجذب أكثر مما عبر القسر او المقابل ..والمقصود بالقوة الناعمة : القوة الاقتصادية والتكنولوجية والدبلوماسية والثقافية والاعلامية .
كما شاع مؤخرا تعبير ( القوة الحكيمة ) اى التى تمزج بشكل مثالى بين القوة الصلبة والقوة الناعمة وهو ما اشارت اليه هيلارى كلينتون بان الادارة الامريكية ستستخدم القوة الحكيمة فى مواجهة تحديات السياسة الخارجية الامريكية .
لقد كانت الحرب على سوريا عبر تجريب أسلوب القوى الناعمة والقوة الحكيمة وهى حرب سلاحها الاقتصاد والمال والاعلام والسياسة ومسرحها جامعة الدول العربية والاتحاد الاوربى وامريكا ..وشحذوا لذلك قواهم الاعلامية الجبارة كى يسود العالم انطباع بأن فى سوريا حاكم يقتل شعبه بلا رحمة اتساقا مع العنوان الذى استقروا عليه منذ البداية وهو الترويج بقوة لأكذوبة قتل النظام السورى لشعبه ، والسعى للتدخل لحماية المدنيين ..
وفى الجزء القادم سنتناول الأحداث منذ بدايتها على كافة الاصعدة والمستويات