يتابع المستشار محمد أبو زيد قصة حبسه في لبنان والتي خص موقعنا بنشرها
4
كان صباح اليوم الثالث لى بفردان مختلفا ..فقد حضر لي محاميا محترما من إتحاد المحامين العرب ، ونقل لى تحيات رئيس الإتحاد ..وقال لى : واضح انهم يريدون النيل منك ..لكننا سنحاول الإفراج عنك لأن معك تصريح بمزاولة المهنة بلبنان وكان مفروضا إستئذان نقابة بيروت قبل اصدار مذكرة التوقيف بحقك ..وقال لى انه سيرسل لى كاتب العدل بنفس اليوم لإبرام وكالة ليحدد لى جلسة للمثول أمام قاضى تحقيق بيروت الأول …وبعد رحيله بنصف ساعة حضر لى آمر الشرطة القضائية بنفسه وقد قالوا لى انها المرة الاولى التى يزور فيها زنزانة ..حيانى آمر الشرطة القضائية بإحترام وسألنى عن صحتى ، وما إذا كنت بحاجة إلى ادوية أو العرض على اطباء ..وعما إذا كان هناك احد يزعجنى بالزنزانة . وأننى إذا أحتجت أى شئ فعلي أن أرسل فى طلبها منه شخصيا ..وفى نهاية المقابلة أبلغنى ان المسؤولين عن السفارة المصرية قادمون للإطمئنان علي ، وأن سيادة السفير اتصل بنفسه وطلب توفير سبل الرعاية لى … بعدها حضر لى مسؤولى سفارة بلدى وابلغونى ان وزير الخارجية مهتم جدا بموضوعك ..وأنهم بمجرد الإطمئنان علي سيتصلون بزوجتى لطمئنتها ..سألونى عن المعاملة وان كنت احتاج نقودا او اى شئ ..شكرتهم وأنصرفوا ..
كان من الواضح أن جيهان قد نجحت فى مقابلة نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب والامين العام ومسؤولين كبار بالخارجية المصرية …وأنها تتابع بشخصها وليس عبر الهاتف ..ففى لقائى التالى مع مندوب السفارة المصرية بلبنان قال لى : نحن نتصل بزوجتك كل يوم لطمئنتها عليك ..
وبالمجمل فقد انعكست احداث هذا اليوم على حالتى النفسية وعلى سلوك من معي بالزنزانة تجاهي وبخاصة اللبنانيين الذين اعتذروا لعدم تصديقهم روايتى التى اتضح انها صحيحة …الجديد ايضا هو ماسمعته من محامى اتحاد المحامين العرب بأننى متهم بتزوير قرار منسوب صدوره لحاكم مصرف لبنان مما اصابنى بدهشة عميقة ..وهذا ما اكدته لى المحامية التى تعمل بمكتبته والتى حضرت عندى بصحبة كاتب العدل لإبرام الوكالة …
( ( القصة الكاملة لحبسى فى لبنان)
5
الزنزانة التى أقمت بها بالشرطة القضائية بفردان كانت كعلبة السردين ولاسيما عند النوم ..فمن الصعب ليلا ان تقلب جسمك وانت نائم .. وقد لاحظ بعض الأخوة السوريين ذلك فكانوا يسهرون ليلا لإعطائى الفرصة للنوم ببعض الراحة ثم ينامون عندما استيقظ ..ولأننا كنا فى تموز والزنزانة ليس بها اى مصدر للتهوية مما كان يجعلنا نتصبب عرقا وتبتل ثيابنا من غزارة العرق ..فإننا كنا نبدل الشورتات والتى شيرتات عدة مرات فى اليوم الواحد ، فإن الاخوة السوريين لم يسمحوا لى بغسل ملابسى ولا مرة ..
وفى صبيحة اليوم الخامس لى بفردان أبلغنى الحراس ان أعد نفسى للذهاب للمحكمة .. كانت مشكلتى اننى فقدت جزء من وزنى ولا امتلك أى حزام للبنطلون بعد ان سحبوهم منى فى الامن العام بالمتحف .. فتطوع صديقى الإماراتى وشق قطعة من القماش على هيئة حزام ، وقام بربط بنطلوني كى لا يسقط من وسطي …وقد فوجئت بأن الحرس يريد وضع الأصفاد فى يدي من الخلف .. فرفضت بإصرار ..وقد تدخل شربل وطلب من زملائه وضع الأصفاد فى يدي من الامام ..
صعدت إلى مكتب قاضى تحقيق بيروت الأول ..وبمجرد وصولي وجدت المحامي اللبنانى المفوض من قبل إتحاد المحامين العرب للدفاع عنى متواجدا ، وكذلك وكيل نقابة بيروت الذى احتضننى وأبلغنى تحيات نقيب محامين بيروت ، كما ابلغنى تحيات سامح عاشور الذى لم يجعلهم يتذوقوا النوم من اجلى ، كما حضر مندوب عن السفارة المصرية ..أحضروا لي القهوة ورجوني الهدوء كى نجتاز هذا الموقف .. اتصلت بى جيهان على هاتف الزميل اللبنانى وأبلغتنى بأن هناك موجة كببرة من التعاطف معي ..وأطمأنت على صحتى ، وتمنت لى التوفيق ..وكان صوتها قويا ، وواثقا ، وعنيدا …
أستدعاني قاضى التحقيق وهو ليس فادى عنيسى الذى اصدر مذكرة التوقيف ، وإنما كان قاضى تحقيق بيروت الأول ( واتحفظ على ذكر أسمه الآن ) ودخل معى الجميع ، وقام شربل الذى دخل معى لغرفة التحقيق بفك الأصفاد ، وطلبت من القاضى ان اجلس لانى متعب فسمح لى بأن احضروا لى كرسي وجلست بمنتصف غرفة التحقيق فى مواجهته تماما ..وقبل ان يبدأ التحقيق طلبت منه ان اعرف ماهى تهمتى ؟ ..قال لى : ستعرف اثناء التحقيق ..قلت له محتجا : انا محامى واعرف حقوقى واهمها ان اعرف تهمتى قبل بدء التحقيق .. فقال لى : حاكم مصرف لبنان يدعى عليك بتزوير قرار منسوب صدوره إليه ..فقلت له : وأين هذا القرار ؟ ..فأخذ يبحث فى الملف أمامه ثم اخرج صوره ضوئية لورقة وأعطاها للحارس الذى أعطاها لى ..وما إن فرغت من قراءتها حتى إنتابتنى موجة ضحك .. ثم رفعت التى شيرت واريته الخرقة التى ربطت بها بنطلونى وملامح بهدلتى ثم قلت له وانا ارفع الورقة فى الهواء : أمن اجل هذه اتعرض لكل ما تعرضت له ؟ ..والله عيب عليكم …نظر لي جميع الموجودين نظرات تحمل معنى مطالبتى بتخفيف لهجتى مع القاضى ..لكنى أكملت كلامي ..حاكم مصرف لبنان كاذب ..ولص ، ومزور ..فنظر لي بغضب وقال لى : هل تحب ان أثبت ماتقول بمحضر التحقيق ؟ ..قلت له : أرجو سيدى القاضى إثبات كل حرف أقوله ..علما بأن ما أتهمت به حاكم مصرف لبنان الآن سبق لى إتهامه به فى بلاغات قدمت للنائب العام التمييزى سعيد ميرزا ، والنائب العام التمييزى الحالي ..ويعلم بها الحاكم .. لكنها حبيسة الأدراج ..نظر لى قاضى التحقيق بدهشة لم يقطعها سوي رنين هاتفه الجوال الذى قام بالرد عليه ، وفوجئت به يقول لمحدثه : أنا بالتحقيقات وعندما أنتهى سأضعكم بالأجواء …وقد تكررت هذه المكالمات وهذا الرد اكثر من مرة على مدار التحقيق معى ..
ولكن ماهى حكاية هذا القرار الذى يدعى لص مصرف لبنان بأننى زورته هههه ؟
6
فى عام ٢٠٠١ تم تفصيل قانون لا مثيل له فى العالم وهو القانون رقم ٣١٨ لسنة ٢٠٠١ الخاص بتبييض الأموال فى لبنان ..هذا القانون يجعل من رياض سلامة إلها ..يرفع السرية المصرفية عن الحسابات ، ويقوم بالحجز على المملكات وفقا للأسباب التى يراها هو ومعه هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان والتى يرأسها ..وكل قراراته لا تخضع لأى مراجعة إدارية او قضائية
وعندما وقعت أزمة بنك المدينة عام ٢٠٠٢ قام رياض سلامة برفع السرية المصرفية عن حسابات آل قليلات والحجز على كل املاكهم .. وبمجرد علم صاحب البنك وهو الدكتور عدنان ابوعياش الذي يعيش بالسعودية ولديه مكتب هندسى ضخم ووضعه مماثل لوضع رفيق الحريرى ايام كان يعمل فى السعودية ، حضر إلى بيروت واصدر بيانا فى جريدة النهار البيروتية اكد فيه على إحترامه لآل قليلات ، وأن أى عجز فى راسمال البنك سيغطيه من ماله الخاص . ثم إجتمع مع حاكم مصرف لبنان وتم توقيع بروتوكول لتغطية العجز …وبناء على ذلك أصدر حاكم مصرف لبنان قرارا بإعادة السرية المصرفية إلى حسابات آل قليلات وتحرير ممتلكاتهم ..
وألفت نظركم إلى وجود نص فى قانون تبييض الاموال يمنع حاكم مصرف لبنان من العودة الى رفع السرية المصرفية على آل قليلات مرة اخرى .. لكنه عاد فى ٢٠٠٣ وأعاد رفع السرية المصرفية …
هذا القرار كان هو الثغرة التى اشتغلت عليها ..ولم يكن بيد احد فى لبنان صورة من هذا القرار غيرى …
وخلال السنوات من ٢٠١١ حتى ٢٠١٤ خاطبت كل الجهات فى لبنان من أجل تفعيل قرار إعادة السرية المصرفية لآل قليلات والذى يبطل إجراءات ٢٠٠٣ .. فقد خاطبت وزير العدل اللبنانى شكيب قرطباوى ، ومحمد نجيب ميقاتى رئيس الوزراء بمكاتبات رسمية تحت يدى نسخ منها ..بل وتقدمت ببلاغات ودعاوى ضد رياض سلامة من أجل هذا الموضوع
ولأن رياض سلامة استطاع بعد إصدار قراراته الباطلة فى ٢٠٠٣ ان يضع يده على بنك المدينة ويعين مديرا من جانبه ( اندريه بندلى ) بل ويستعين بمحامى بنك المدينة ميشال الحلو ليصبح محامى الأدارة الجديدة بذات الوكالة ههههه وأن يجبر آل قليلات على تحرير وكالات غير قابلة للعزل تتيح لميشال الحلو التصرف فى ممتلكاتهم بالبيع لصالح مصرف لبنان ..بدون رقيب ولا حسيب …
لهذا كانت روحهم فى يدى .. وكان مخرجهم الوحيد من الورطة الإدعاء بأن القرار مزور ..
فوجئ قاضى بيروت الاول جورج رزق أثناء التحقيق أن ذهنى حاضرا ..فقد طلبت منه نص قرار رفع السرية الثانى الصادر فى ٢٠٠٣ وأشرت له على مواضع الإشارة إلى القرار الذى يدعون تزويره …بهت الرجل ولم يستطع منعى من مواصلة إتهاماتى لرياض سلامة ، بل وهددت علنا بأن لدى مستندات ستفضحه على مستوى العالم
استغرقت التحقيقات قرابة الثلاث ساعات ..وقد طلب القاضى جورج رزق ان اجلس لدى سكرتارية مكتبه وان اتحادث مع اسرتى بمصر ..
غادرت عدلية بيروت بصحبة الحرس وقد طلب منهم شربل عدم وضع الحديد فى يدى ، ويبدو انه قص على زملائه بعض مما دار داخل غرفة التحقيق …
ظللت ثلاثة أيام بعد التحقيق لا اعرف ماذا حدث ؟ وماذا قرر القاضى ؟ …وفى اليوم الرابع طلبت مقابلة آمر الشرطة القضائية حيث طلبت منه معرفة قرار القاضى ، فوعدنى ان يجرى إتصالاته ويعلمنى .. وبعدها بثلاثة ساعات حضر لى قائلا : مشى الحال وقرار الإفراج عنك فى الطريق ..
بعدها بساحة حضر مندوب من المحكمة ومعه القرار وقد كان الإفراج عنى بضمان مالي قدره مليون ليرة ، ومنعى من مغادرة لبنان ، وقد استأنف المحامى هذا القرار فقضت الهيئة الإستئنافية بفسخ قرار منعى من مغادرة لبنان ..
لكن وبسبب وجود خطأ فى كتابة إسمي في القرار ..فقد اعتذروا لى لإعادتى لزنزانتى حتى الغد ريثما يتم إصلاح الأمر …
عند هذا الحد تخيلت ان المهزلة قد إنتهت ..ولكن الحقيقة انها كانت بطور البداية