في ظل هذا الإنقسام الكبير، والشرخ الذي يفتك في البلد، نعم قد يكون إعلان موقف فيروز (التي تحب السيد حسن) نافراً بعض الشيء بالنسبة لمن لا يوافقون فيروز في رأيها السياسي، وقد يكون محزناً لهم إعلان هذا الموقف علناً، وقد تقفز صورة السيد حسن نصرالله الى أذهانهم مع كل صباح يشغّلون فيه مذياعهم لسماع صوت السيدة فيروز، ويسبب حبهم لها إحراجاً أمام إصطفافهم السياسي. لكن أن يشكل الأمر صدمة بالنسبة للبعض، ويصبح موضوعاً غريباً ينطلقون منه لإنتقاد العملاقة فيروز، فهذا هو الغريب. وبما أن البعض قد تساءل (لم أحبت السيد حسن دون سواه)، يرتد السؤال ليكون، ولم لا تحبه ؟ أوليست هي التي أمضت رحلتها الفنية بجوار الرحابنة يقلبون في صفحات الوطن السوداء و وينسجون من سوادها بياضاً أنار العتمة التي أحاطت بلبنان في حينها ؟ اوليس هو (السيد نصرالله) أيضاً من أشعل مصباح التحرير في العام 2000، مبعداً عن لبنان عشرات السنين من عتم الإحتلال ؟
ما الغريب وفيروز صاحبة الأغاني التي طالما أعادت إحياء الروح الوطنية مع كل حقبة مأساوية مرت بها البلاد، ما الغريب في أن تحب من أحضر الى لبنان زمن الإنتصارات، وأبعد زمن الهزائم ؟ اليس هو من أعطى وعداً "لزهرة المدائن" بأننا قادمون؟ أوليس رجاله أصحاب "خبطة القدم الهدارة" التي زلزلت الأرض تحت أعداء الوطن ؟ ما الغريب في أن تحب من يأبى أن يساوم على شبر من تراب الوطن الذي ساوته فيروز "بكنوز الدني"؟ أمضت سنين تقول لهم "سيف فليشهر" وها قد أتى من أشهر توازن الرعب مع العدو، فلم لا تحبه ؟ لم لا تحبه ورجاله ثابتون في أرض المعركة حتى ولو "بتتلج الدني وبتشمس الدني" اوليسوا هم من نذروا أرواحهم لوطنهم "تاتخلص الدني"، اليسوا هم من "ركع تحت أحلى سما" وصلّوا ؟ اليست هي من قال "أحب دمشق" وهو من يدافع عن حبيبتها؟
من تنتقدون، وعلى من تعتبون ؟ على "غربة" (دور فيروز في مسرحية جبال الصوان) ؟ التي استشهد والدها "مدلج" وهو يقاوم العدو الذي أتى لإحتلال "الضيعة"، وأتت من بعده "غربة" تنفخ روح الثورة وتزرع بذور الشجاعة في نفوس أهالي البلدة الذين أنتظروها طويلا لينهضوا ضد الظلم الذي حل بهم ويطردوا الأعداء من بلادهم . الم تلاحظوا أن فيروز والرحابنة طالما انتظروا ذاك المخلص ليأتي وينفخ في اللبنانيين روح الثورة ورفض الإحتلال؟ وحين رأت فيروز شخصية "غربة" في السيد حسن نصرالله واحبته فيروز.. تهاجموها؟
قد لا تكون المشكلة بمن أحبت فيروز، بل إن المشكلة في من إعتاد ان يرى العالم من حوله مقسوماً إما معه أو ضده، ولم يعتد على أن يرى المواقف التي تسمو فوق رؤيته وتقسيماته، لم يعتد أن يرى مواقف العظماء حين يعجبون ببعض، يعلو إعجابهم فوق أي إعتبار ضيق آخر، و يكتب التاريخ آراء العظماء ببعض، وهناك، حيث التاريخ سيكتب، لن يبقى مساحة تنشر فيها انتقاداتكم التافهة للعظماء، فكلماتهم كبيرة جداً، كلمات ومواقف بحجم الوطن. سيروا في أقوالكم وانتقاداتكم يا أشباه "فاتك المتسلط"، أما للسيدة فيروز:
"مجد العروس غمر الأرض
والطاغي هرب من صوتا
تاجا عِلي، تاجو انكسر،
والقوي وقع بالهزيمِه
للعروس المجلِيِّه
بالطرحة الملَكِيِّه
بالفستان الأبيض
وزهور الدم، قولو إي ويها!"