بإرادة قوية لمواجهة حياة باتت أكثر قسوة بعد وفاة زوجها تمكنت السيدة الأربعينية رغداء أم لين من تحويل شغفها بالأعمال اليدوية وتعلم مهنة الخياطة وشغل السنارة في سن مبكرة إلى مصدر للرزق وسند يخفف بعضاً من أعباء أسرتها ويساعدها في إدارة الشؤون المادية وتربية بناتها وتوفير الظروف الملائمة لمواصلة تحصيلهم العلمي والأكاديمي.
ساعات طويلة تقضيها أم لين يومياً وراء ماكينة الخياطة القديمة لإصلاح الملابس المهترئة أو خياطة قطع جديدة من ثياب رسمية وأخرى للحفلات والمناسبات الخاصة أو صنع أغطية الأسرة والوسائد، وكثيراً ما تجلس على شرفة منزلها المتواضع ويداها تحيكان بالخيط والسنارة ما طلبته إحدى زبوناتها سواء أكان سروالاً أو فستاناً أنيقاً أو مفارش للموائد بتصاميم مبتكرة وألوان زاهية تضفي على الديكور الداخلي للمنزل لمسة جمالية مميزة.
تستذكر السيدة الأربعينية طفولتها وكيف تعلمت شغل السنارة حيث قالت في حديثها لمراسلة سانا إنها نشأت في أحد أحياء مدينة حلب أغلبية قاطنيه من العائلات الأرمنية العريقة التي تشتهر بحبها للحرف اليدوية وكن يجتمعن كل يوم أمام منازلهن مع فناجين القهوة والسنانير والخيوط الملونة يتبادلون الأحاديث الصباحية وأيديهن تنسج قطعاً مختلفة التصاميم والأشكال مضيفة: إنها كانت تشارك ووالدتها وأخواتها الثمانية في هذه الجلسات تراقب حركة أيديهن وتحاول حفظ الخطوات وما إن تصل إلى المنزل حتى تمسك سنارتها وتجرب تقليد ما رأته عيناها حتى تمكنت من إتقان العمل وفاجأت الجميع بأول قطعة تنجزها من حيث الدقة والبراعة.
وأضافت أم لين: إنها تعلمت الخياطة بعد زواجها قبل نحو 23 عاماً حيث واظبت على العمل لدى إحدى السيدات الماهرات في هذا المجال لعدة أشهر ثم انطلقت لترسم مسارها الخاص علها تؤسس مشروعاً صغيراً يحقق دخلاً إضافياً إلى جانب راتب زوجها لكن الإمكانيات كانت محدودة جداً حالت دون تحقيق ذلك آنذاك واكتفت بإنجاز ما تطلبه السيدات من دائرة المعارف والأقارب مشيرةً إلى أنها كانت تستفيد من إعادة تدوير بقايا القطع القماشية والمواد البلاستيكية وورق الأشجار والزهور في صنع منتجات تزيينية وابتكار الحقائب بتصاميم متنوعة.
وتحرص أم لين على متابعة كل ما هو جديد في مهنة الخياطة وشغل السنارة عن طريق مقاطع الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية كاليوتيوب وغيرها مشيرة إلى تجربتها المميزة في أحد معارض المرأة الريفية والفرصة التي أتاحتها لها للاطلاع على أفكار جديدة وتبادل الخبرات وتعزيز ثقتها بنفسها كفرد فاعل في المجتمع.
“لم أكن أدري ما يخبئه لي القدر ووفاة زوجي أكبر صدمة تلقيتها في حياتي وخسارة لا تعوض لي ولبناتي، ولكن كان لا بد من أن أتمالك نفسي وأستعيد قوتي ورباطة جأشي لأحافظ على أسرتي” مضيفة: عدت للعمل بالخياطة بعد أن تركتها في الأعوام القليلة الماضية وزرعت قطعة الأرض الصغيرة بجوار المنزل بمختلف أصناف الخضراوات لتأمين احتياجاتنا والتخفيف من مصاريف العائلة وتعاونت مع بناتي على رعايتها وتقاسم أعمال المنزل والاهتمام بدراستهم.
واختتمت حديثها بالقول إن العمل بالنسبة لها متعة لا توصف ويساعدها في نسيان همومها فضلاً عن أثره الإيجابي في مختلف مناحي الحياة المادية والنفسية والمعنوية حيث يتيح للمرأة الشعور بتحقيق ذاتها ويعزز من قوة شخصيتها وثقتها بنفسها وقدراتها.
يوسف هيثم الناعمه