تطوي تركيا عاماً حافلاً بالأحداث داخلياً وخارجياً، أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه عام الانكسارات والتحولات.
تتقدم الاحتجاجات التي حصلت في ساحة تقسيم في اسطنبول وحديقة جيزي المجاورة لها قائمة الأحداث المفصلية في العام 2013. ولولا فضيحة الفساد التي انفجرت في الأيام الأخيرة من العام لكان عام 2013 هو عام انتفاضة تقسيم – جيزي. وقد انطلقت شرارة الأحداث بسبب بدء الحكومة قطع بعض الأشجار في الحديقة التاريخية تمهيداً لقطع معظمها لتجديد بناء ثكنة عثمانية ومركز تجاري عليها. ومن ضمن الخطة هدم مركز أتاتورك الثقافي وبناء جامع إلى جانب نصب أتاتورك في قلب ساحة تقسيم.
الاحتجاجات بدأت بيئية، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى اعتراضات في كل المدن التركية على سياسات الاستئثار التي بات رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان يمتهن ممارستها، ولا سيما التدخل في الحياة الشخصية للمواطن والتضييق على الحريات. وفيما دعا الرئيس التركي عبدالله غول إلى تفهم مطالب المتظاهرين، رفض أردوغان أي نوع من التنازل وواجه حركة الاحتجاجات بالاستهزاء، ووصف القائمين عليها، من مثقفين وفنانين، بالرعاع واللصوص، واستخدم القوة المفرطة التي انتهت إلى مقتل ستة أشخاص.
وأدت الانتفاضة، التي رفعت شعار «كل مكان تقسيم، كل مكان مقاومة»، إلى اهتزاز صورة أردوغان وهيبته للمرة الأولى منذ وصوله إلى السلطة في العام 2002، والذي اتهم القوى الخارجية بالوقوف وراء حركة الاحتجاجات.
ولقد كانت خسارة رئيس الحكومة الكبرى في علاقاته مع أوروبا والولايات المتحدة، التي ساءت من حينها ولا تزال، خصوصا مع تصوير أردوغان على أنه سلطان عثماني وليس ديموقراطياً كما ورد على غلاف مجلة «الايكونوميست». وقد رأى غول أن ما بنته تركيا خلال عشر سنوات هدمته الاحتجاجات خلال عشرة أيام، ويحتاج إلى سنوات طويلة من الجهد لاستعادة الهيبة والثقة. انتهت حركة الاحتجاجات مع تجميد العمل بمشروع تغيير معالم الحديقة والساحة على أمل إلغائه نهائيا.
ومع اقتراب نهاية العام، وفي 17 كانون الأول، انفجرت الحادثة الثانية الكبرى والأخطر من الأولى، وتمثلت باعتقال القضاء، عبر الشرطة، ولا سيما في اسطنبول، أبناء ثلاثة وزراء ومدير مصرف «خلق» (الشعب) الرسمي ورجل الأعمال علي آغا اوغلو وآخرين، فضلا عن إدراج اسم وزير رابع، وذلك بتهم التورط بفضيحة فساد ورشى وقبض عمولات قدرتها بعض الأوساط بمئة مليار يورو.
ولقد فاجأت الفضيحة أردوغان وحكومته و«حزب العدالة والتنمية» حيث اتهم جماعة فتح الله غولين، المقيم في الولايات المتحدة، بالوقوف وراءها لتشويه سمعته تمهيداً لإسقاطه، ما دفعه إلى المبادرة إلى إقالة جميع قادة شرطة اسطنبول وأنقرة وتعيين آخرين مكانهم، ومنهم قائد شرطة اسطنبول نفسها. كما عملت الحكومة على تعديل أصول المحاكمات ووضعت محققين إضافيين إلى جانب مدعي عام الجمهورية في اسطنبول وأنقرة، وهي خطوة استهدفت كل الموالين لغولين.
ولقد اتهمت الجماعة أردوغان بمحاولة خنق وجودها عبر إغلاق المدارس المسائية التي يرعاها غولين، تمهيدا لاستئصال الجماعة من الدولة. لكن أردوغان اعتبر في تصريحات متتالية ويومية منذ بدء العملية وحتى اليوم أن ما جرى كان محاولة انقلابية على سلطته، أداتها الشرطة والقضاء لحساب مؤامرة خارجية، لمّح ضمنا إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقف وراءها، واصفاً أدواتها المحليين بالعملاء والخونة، ومعتبراً أنه بدأ الآن حرب استقلال جديدة من أجل تركيا الجديدة.
وقد اتبع رئيس الحكومة مع فضيحة الفساد التكتيك نفسه الذي اتبعه مع انتفاضة تقسيم – جيزي، وهو رفض التهم واتباع الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع. لكن أردوغان اضطر بعد أسبوع إلى تغيير ثلث حكومته، من بينهم