خضر ياغي ياغي
* “يا رايح ع كفر حالا..”
الأغنية/الرسالة..
١ – مــــــقدمة:
قد تكون هذه الأغنية من الأغاني القليلة التي تحكي قصة حزينة تنقل فيها مشاعر العطف والحنان من أخت أو أم أو صديقة لبنت ابتعدت عن محبيها..لكن الصفة الغالبة عليها هي أن الأخوين رحباني قد شكلا لوحة جميلة لا بالألوان بل بالألفاظ المعبرة التي حولت اللوحة ناطقة على شكل رسالة، فيشعر كل منا أنه يسمعها ويراها أمامه في كل تفاصيلها حتى المشاعر التي بانت على وجه البنت..كل هذا في جمل شاعرية لا يأتي بها ولا يصوغها إلا الرحبانيان..
٢ – تنادي فيروز..
“يا رايح ع كفر حالا..”
ولكنها لم تحدده، فالدعوة لأي واحد رايح..تطلب منه أن يمرّ في سوق خاص من (كفرحالا) هو سوق العناب..
“امروق بسوق العنّاب”
ويبحث عن تلك البنت التائهة الحيرى التي تنسى نفسها..
“في بنت بتنسى حالها”
وواضح أنها تعرف هذه الفتاة، التي تنسى نفسها عند باب ما..لم تقل لنا أي باب هذا؟ فلربما قصدت أن هذه الفتاة تنسى حالها عند كل باب..
“وهي على هاك الباب”
ابحث عنها عند كل باب حتى تجدها، وإن وجدتها فانظر إليها وانقل ما شاهدته و..
“خبرنا كيف احوالها”
لا شك أن الكلمات تعني أن تلك الفتاة تركت محيطها ورحلت، وهي تحمل من الحزن والهموم كثيراً، لذلك قالت: خبرنا عن أحوالها وكيف هي وصف لنا كل شيء يحيط بها. هل سمعت..
“يا رايح ع كفر حالا”
٣ – الطريف في المقطع السابق أن الأغنية حددت سوقاً، ولكنها لم تحدد ذاك الباب، وكأنها قصدت كل بنت في تلك القرية أو الضيعة (كفر حالا) فهل قصدت بكلمة (حالا) شيئاً آخر أم أنه اسم محدد، حتى لو كان اسماً حقيقياً فإن اختياره على ما أرى كان مقصوداً.
وفي المقطع التالي/هذا نشعر أن من راح إلى (كفرحالا) لم يعرف أي باب ذاك الذي اتكأت عليه ونسيت حالها، فحددت الكلمات أكثر..
“ع شمالك في دكانة”
ثم حددت أكثر لأن على شمال الطريق قد يكون أكثر من دكان وأكثر من محل، حددت ماذا تبيع هذه الدكان..
“بتبيع مغازل صـوف”
فتعيدنا إلى غزل الصوف والحب والدفء..
وتلك البنت..
“بنت بتقعد سـهيانة”
فمن يصفها يعرفها وقد رآها “سهيانة” وكأنها تشير إلى حالة البنت التي تعاني أشياء..
ثم تنتقل إلى الوصف الحسي وهي:
“تنطر تَ يجيها ضيوف”
فمن الذي سيقصد هذه البنت؟ ولماذا؟ ربما كثيرون،..
فهي
“حلوة..
وتفاجئك عبارة رحبانية مميزة تضيف إلى الجمال جمالاً عندما وصفت فقالت:
“والخصر بيلوي”
والأبلغ أن هذه الفتاة..لا تعرف أنها جميلة..
“وما بتعرف انّا حلوة”
وتطلب منه أنِ اتركها على حالها ولا توقظها على جمالها
“لا تفوّقها على حالا”
لماذا؟
“بلكي اشغلتلا بالا”
ولاشك أن في العبارة الأخيرة التفافة جميلة تتحدث عن حال هذه البنت الجميلة التي ربما غُرّت أكثر لو عرفت أنها جميلة..
٤ – وتشك الكلمات فيمن يحمل الرسالة أن يعرف البنت، فتصفها له أكثر، وتؤكد في وصفها أنها تعرفها عن كثب وقرب.
“تعرفها من عينيها..
ليستا الجميلتين بل المتعبتان..دائماً
“بيضلو تعبانين..”
وإذا أردت أن تتأكد أكثر فانظر..
“وتتطلّع ع إيديها..
بل أكثر من ذلك..
“وع خواتمها الحلوين..”..
وعندما تأكدت أنه عرفها طلبت منه أن يوصل الرسالة، فتقول:
“قرّب خبرها عنّي..”
وفي هذه العبارة إشارة إلى أنها تعرف الفتاة وأن الفتاة تعرفها وغادرت إلى “كفرحالا” لسبب تخشى أن تكون هي قد أغضبتها، أو كانت السبب في مغادرتها..
“بلكي زعلانة مـنّي..”
وبعبارة تقطر براءة تطلب منه أن يقف مقابلها، ويسرق ولو خيطاً من شالها..
“واسرق لي وإنت قبالها
“خيط زغيّر من شالها..”
وتركت لنا الأغنية الباب مفتوحاً نبحث عن سبب السرقة!!
فالبنت ترتدي الشال لا محالة..وشالها معروف.
فهل تريد أن تتأكد من أنها هي..البنت التي تبحث عنها؟!
أم أنها تريد ذكرى منها..فهي لم تترك لها ذكرى!!
٥ – وكمن يتوقع الحالة التي صارت عليها البنت تطلب منه أن ينظر في حالتها..
“وان كان حالتها حالة
“وع ريفها شفت دموع”
فهي تتوقع أن يرى الدمع في عينيها..وتحمله رسالة أن..
“قل لها عنيها ببالي..”
لنقرأ بعدها جملة من أجمل العبارات الرحبانية، التي ربما لا نقرؤها إلا عندهم..
“همها بوجهي مزروع”..
فكيف يكون الهم مزروعاً في الوجه؟
يكون عندما نقرأ في عيون من يتكلم الحزن والألم..
يكون عندما نرى وجهاً رسمت عليه الدنيا أشكالاً..وحفر الدهر فيه أخاديد عميقة..وكلما زاد عمقها كانت تدل على عمق ما تعانيه من الأسى.
وما يؤكد أنها تعرف البنت أنها تعرف ضحكتها، وأي ضحكة؟ لا ليست ضحكة الأطفال البريئة بل الضحكة الحزينة، وكيف تكون الضحكة حزينة؟! لا يشرح العبارة إلا من كتب فقال..
“وتحرقني هاك الضحكة”
إنها حرقة القلب التي تعكس عبارة “همها بوجهي مزروع” هي الضحكة..
“ال بدها تحكي وما بتحكي”
فلا هي تستطيع الكلام ولا هي تبقى صامتة..هي الابتسامة الحيرى كما ابتسامة الموناليزا..أتكون تخبئ أسراراً إن هي حكتها فضحتها وإن هي كتمتها عذبتها؟!
وتختم الأغنية كلماتها بعبارتين الأولى رحبانية الهوى بتميزها..
“يا خوفي من خيالا”
أرى أنها تقصد أنها ستظل على ذكراها والذكرى هنا الخيال، ويؤيدها العبارة الأخيرة..
“والبعد يغير حالا..”
ليس الكلام سؤالاً بل حقيقة..فالبعد يغير الإنسان روحاً وجسداً..
وتكرر الجملة التالية اللازمة..
“يا رايح ع كفر حالا..”
فكأنها تخشى ألا يكون سمعها..
الدكتور #شــــــوقي_المعــــــري
يا رايح ع كفر حالا
امروق بسوق العنّاب
في بنت بتنسى حالها
وهي على هاك الباب
خبرنا كيف احوالها
يا رايح ع كفر حالا
ع شمالك في دكانة
بتبيع مغازل صـوف
بنت بتقعد سـهيانة
تنطر تيجيها ضيوف
حلوة والخصر بيلوي
وما بتعرف انّا حلوة
لا تفوّقها على حالا
بلكي اشغلّتلا بالا
تعرفها من عينيها
بيضلو تعبانين
وتتطلّع ع إيديها