نحن اليوم على أرض جنيف، حيث يدوي صوتنا من خلال وفدنا العربي السوري، يدوي بالتاريخ، ينبض بمشاعر الناس، يتصلّب في وجه العدوان، يلتئم شملنا أكثر من أي وقت في تضامننا مع وفدنا حتى النصر، وعلى أرضية صمودنا الوطني الصلب هذا، أقول: إن اجتياح حصون الشرعية الدولية، والقانون الدولي، سواء أكان ذلك في جنيف، أو نيويورك، لن يترك ملاذاً لمظلوم، ولا مرجعاً لمحق مهما أعطي المجتاح من طرف اللسان حلاوة لتخدير المشاعر، أو تمرير المظالم، وإن ازدواجية المعايير في التشدّد مع الضحية، والميوعة مع الجلاد أصبحت قاعدة ونهجاً.
تسدّد الهجمات الواحدة تلو الأخرى من كل إرهاب العالم لسورية وأراضيها وحقوقها، ولا تُسدى حتى النصيحة مما يسمّى بالشرعية الدولية لمن يتولى ذلك أو يقوم به بالكفّ عنه.
وها هو قلب العالم العربي، بل والإسلامي سورية يقطر دماً، وينزف من تونس، إلى ليبيا، إلى مصر، إلى العراق، إلى لبنان، إلى فلسطين، إلى ملايين النازحين الذين تزيدهم سياسة جور الشرعية الدولية خيبة ونقمة ويأساً. ذلك أنه يُراد لهذه المنطقة أن تكون أو تظلّ سيادتها منقوصة، وأرضها محتلة، ووحدتها واهنة، واستقرارها مضطرباً، ومواردها مستباحة.
يصول الإرهاب ويجول «في ظل قوانين دولية بمحاربته».
يهددنا ويتوعدنا لالتزامنا بعروبتنا، بكرامتنا، وحقنا.
ولا من حسيب أو رقيب من كبرى الدول، لا بل انحياز فاضح للإرهاب.
يستمر الإرهاب على أرض سورية، أمام أعين الكبار في العالم، المتكابرين على العالمين العربي والإسلامي، والمتصاغرين أمام إسرائيل في الوقت عينه.
تعزز إسرائيل قلعتها النووية الهائلة، وتحاسب إيران على أسلحتها الافتراضية.
تمزق فلسطين، ينتهك لبنان كل يوم، ويفجر العراق، وتعاقب سورية.
تنسف حكومة إسرائيل أمام العالم مطلب الدولة الفلسطينية، وتبدّده وتحوّله إلى أوهام، بل إلى إشلاء وكوابيس.
وتخيّر سورية بين الراحتين: راحة الموت، أو راحة اليأس.
فماذا فعلت الشرعية الدولية والقانون الدولي.. سواء قبل جنيف أو خلال جنيف وبعدها؟..
إنهما يجعلان الحياة أسوأ من الموت.
إنهما يدفعان الجدران، ويدكان الجسور بين الثقافات، والقيم المشتركة بين الشعوب.
إنهما يلغيان عقوبة الإعدام بعد المحاكمة، وينفذان عقوبة الاغتيال دون محاكمة، وحتى على المعوقين والأطفال والنساء.
إنهما يعتبران إعادتهما لأرضنا في الجنوب والجولان وفلسطين منّة أو هبة، لا تصحيحاً لخطأ جغرافي وخطيئة تاريخية.
ومع ذلك يُراد منا أن نكون هدفاً دائماً للضغوط، والتنازلات، وقابلاً بوصفات الإصلاح الجاهزة مستهلكاً للوجبات الديمقراطية الساخنة.
أما العرب، العرب إن كنت لاتزال تذكرهم يا صديقي القارئ، فمشغولون عبر المحطات الفضائية بحوارات تتجه بهم إلى المزيد من التشتت والفرقة. ومأساة شعوبهم مستمرة، والمذابح اليومية تتمّ في مواعيدها المقررة، وخلافاتهم تتقدم على ما سواها، وقد قطع الإعلام العربي شوطاً بعيداً في إفساد، وتطبيع أجيال الأمة، وتخريب قيمها.
وبدلاً من أن يعمل هؤلاء العرب على مداواة قلب الأمة العربية والإسلامية الجريح "سورية" النازف بسبب الإرهاب الذي يغذونه.. بدلاً من أن يبلسموا هذا القلب، بدلاً من ذلك يتآمرون عليه، ويطلبون منه، وهو الجريح النازف، أن يجري ويركض على إيقاع الإملاءات والتدخلات، لا على وتيرة الإصلاح الوطني بإرادة وطنية مستقلة.
والإصلاح هو خيارنا، ومطلبنا، ومصلحتنا، وليس إملاءً أو شرطاً علينا.
في إحدى المدارس في القارة الإفريقية طلب من تلميذ أن يرسم الشيطان فرسمه بشكل رجل أبيض. ففي كل مكان من العالم يتخذ الشيطان لون الظالم وشكله. وفي العالم اليوم شياطين تلبس جميع الألوان والأديان، ولكن الشيطان الحقيقي هو الساكت عن الظلم، والقادر على إنهائه.
أما أنت يا شعب سورية البطل!.
أما أنت يا جيشنا العربي السوري الباسل.
وبمناسبة اقتراب صمودكما الأسطوري في وجه الإرهاب من دخول عامه الرابع.. لكما تحية الإكبار والإجلال.. يا من لم ترهبكما الهجمة الإرهابية المجرمة التي تشنّ ضد الوطن.. رغم قسوتها.. ولم تضعفا رغم فداحة الخسائر التي تكبدتها سورية على مدى السنوات الثلاث الماضية، ورغم سقوط آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى، عسكريين ومدنيين.. ورغم الحصار الذي أدى لانهيار كثير من مقومات الحياة الاقتصادية، رغم هذا كله استمرّ صمودكما راية خفّاقة على امتداد التاريخ والجغرافيا، وخاب ظن من راهن على غير ذلك، وبعض الظن إثم.
أما أنت يا سيدي الرئيس المفدى
يا بشار الخير وأسد الحصون..
لك تحج المعاني، وتسافر القوافي، وتنتسب الشجاعة، وتشتاق المروءة، وتنتمي مكارم الأخلاق.
لك نفتح قلوبنا.. وتفتح الرجولة أحضانها، وتفتح الحكمة خزائنها.
عرفت كيف تقود رجالك، وإلى أين تصوب سلاحك.. ومن هم أعداؤك وأصدقاؤك..
نريدك دائماً، ونبايعك أبداً قائداً للمسيرة حتى ترتفع رايات الفخار، وتلمع سيوف حطين.. وتصهل خيول اليرموك، وتبحر سفن طارق بن زياد.. لك تنعقد ألوية النصر، وتتفتح أكاليل الغار.
وأخيراً ماذا بقي لجنيف؟.
ينظر العالم اليوم إلى جنيف بارتياب، وإلى سورية باهتمام واحترام.
فهل ينظر العرب والغرب وأمريكا إلى أنفسهم مرة واحدة واستثنائية أيضاً بالقدر نفسه من الاهتمام والاحترام؟
هلا حاولتم أن تعيدوا أمتكم العربية محطاً للاعتبار، لا مصدراً للعبر
هلا تكلمتم وتضامنتم مع بعضكم وأنفسكم بقدر ما تتكلمون وتتضامنون مع الغرب والشرق والشمال والجنوب.. أشك في ذلك ولي عذري فهذا ضد طبيعة الأشياء.
وأنظر إلى جنيف بكل الشك.. والشك هنا ليس إثماً.
ليس لنا في هذه المعركة الشرسة خيار.. إما أن نتابع الشوط حتى النصر ولسوف نفعل، أو ننكفئ ونتراجع، وعندئذ يتقدم العدوان ويجتاحنا الإرهاب.. وهيهات أن نفعل ذلك.