لا تسألوا حزب الله وحركة أمل والرئيس إميل لحود ونائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي عنه. اسألوا، بعيداً عن الإعلام، وسام بارودي وزياد حواط ونعمة افرام وناجي البستاني وخليل الهراوي وحميد كريدي
عبثاً بحث أنصار 14 آذار في الأيام القليلة الماضية عن إنجازات رئاسية تساعدهم على إسناد صورة الرئيس ميشال سليمان في وجه الموجة الافتراضية العالية التي تضربها. لا تفيد كتيبات الرئاسة الدورية عن «إنجازات العهد» هؤلاء بشيء. تحويل غالبية السياسيين التضامن المفترض مع سليمان إلى تضامن مع موقع الرئاسة الأولى، له دلالاته: هم يستصعبون التضامن معه شخصياً. ويزداد الضيق كلما ضاقت الدائرة أكثر: هو أحبط صهره وسام بارودي بعد تخييبه آماله بنقل مكتبه من حالات إلى المجلس النيابي، غداة انتقال عمه من اليرزة إلى بعبدا. الصهر الآخر ينشغل في أعماله عن كل الطموحات الأخرى، مكتفياً بالابتسام لزوجته حين تتحدث في الصالونات بثقة عن حتمية التمديد لوالدها.
أما شقيقه، رئيس بلدية جبيل زياد حواط، فقضى سليمان عبر استبعاده عن الوزارة على طموحه السياسي، رغم نشاطه البلديّ اللافت.
رهان سليمان المستمر على التمديد، وبالتالي ترشيح نجله شربل في جبيل مستقبلاً، حال دون فتحه الآفاق السياسية لوريث الكتلة الوطنية في جبيل. وفي السياق نفسه، يُفهم حرد رئيس جمعية الصناعيين نعمة افرام وخجله هذه الأيام. أوهم الأخير نفسه وآخرين بأن سليمان كان يود توزيره في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إلا أن الفيتو العونيّ حال دون ذلك. وطوال أشهر لم يترك افرام صلة وصل بينه وبين عون (الذي كان له الفضل بتزكيته في جمعية الصناعيين) إلا قطعها، قبل أن يفاجئه الرئيس بعدم طرح اسمه للتوزير. ومقابل حديث الوزير السابق ناجي البستاني بحرج، يحرج الحديث الوزير السابق الآخر خليل الهراوي، خصوصاً أنه لا يزال يتقاضى أجراً كمستشار. ويصل الدور ختاماً إلى رئيس مجلس إدارة الكازينو حميد كريدي.
لم يكتف سليمان بالتقاط حصته («التوظيفية» طبعاً) من بيض هذا القنّ السياحيّ. فلم يكد كريدي، الذي سماه سليمان رئيساً لمجلس إدارة الكازينو، يتسلم مهماته حتى بدأ عملية تحديث وتطوير للكازينو شملت غالبية الصالات والآلات، من دون استثناء ولو بلاطة يمكن تغييرها. وتجاهل كريدي حقيقة أن الآلات التي يدعي تجديدها ستغدو قديمة قبل انتهاء الأزمة السورية وتداعياتها السياحية محلياً. ورغم رفعه شعار «حصر النفقات»، بلغ التوظيف السياسي في هذا العهد كمّاً غير مسبوق في تاريخ الكازينو، بحيث تجاوز عدد الموظفين الجدد الـ 500، جرى تثبيت أكثر من 350 منهم. كان صهر الرئيس وسام بارودي الآمر الناهي في الكازينو طوال السنوات الثلاث الماضية. استحدث كريدي مجالات استثمار جديدة للقطاع الخاص المقرب حصراً من الرئيس، في التشريفات ومواقف السيارات وأمن الكازينو، رغم وجود موظفين رسميين يقومون بواجباتهم على أكمل وجه في كل تلك القطاعات. المضاعفة الاستثنائية للمصاريف قابلها انحسار استثنائي للمداخيل. لم يتدارك كريدي الأزمة السياحية بخطة طوارئ إعلانية أو ترويجية، ولم يبحث عن أفكار جديدة تستقطب جمهوراً جديداً، خصوصاً أن مشاريع سياحية أخرى تحيط بالكازينو ازدهرت في العامين الماضيين. تجاهل قيام مافيا داخلية بنقل زبائن الكازينو المهمين إلى كازينو آخر خاص، معيداً إدخال الزبائن الذين سبق للموظفين أن طردوهم لمخالفتهم القوانين. وأدار الأذن الطرشاء لكل ما أثير في الإعلام عن فساد وإفساد يعمّ هذا المرفق الحيويّ. ضحى بمسيرته المهنية وسيرته الحسنة، متجاهلاً أيضاً الاحتجاجات النقابية التي لم يسبق لها أن أحدثت في تاريخ الكازينو صخباً كالذي سمع في العامين الماضيين. حوّل كريدي، بناءً على أوامر الرئيس، مسرح الكازينو إلى منبر شعريّ للتغزل بالرئيس فانكمش الجمهور، وتحولت صالات الأعراس إلى قاعات خاصة باحتفالات المحتاجين لكرم الرئيس فتضاءل مردودها الشهري.
فعل كريدي لسليمان ما كان سيستحيل على أي أحد غيره فعله: تلزيمات، توظيف سياسي، تطبيق مبدأ الثواب والعقاب السياسي على الموظفين، استيراد ألعاب جديدة وتصدير أخرى (…). لكن لم يكف هذا كله لإرضاء الرئيس وصهره، فرفع سليمان الغطاء عنه. فعل بكريدي ما فعله قبله بالاستخبارات السورية والرئيس إميل لحود واللواء جميل السيد وحزب الله وحركة أمل وخليل الهراوي وزياد حواط ونعمة افرام وكل الآخرين. ماذا قدم كريدي فعلياً لسليمان مقارنة بما قدمه الآخرون؟
هذا ميشال سليمان. ورغم وجود عرف بأن يسمّي الرئيس في مطلع عهده رئيساً لمجلس إدارة الكازينو، يعمد سليمان منذ أسابيع إلى تكثيف الضغط، وبإلحاح شديد، لتسمية رئيس جديد لمجلس إدارة الكازينو تستمر ولايته ثلاث سنوات، فيحافظ بذلك على نفوذه في هذا المرفق ويتيح له تغطية كل ما حصل هناك في السنوات الماضية. وقبل بضعة أيام، كان الاتفاق قد نضج بين الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري وتمام سلام على دعوة شركة إنترا التي تملك 53% من أسهم الكازينو إلى اجتماع لتعيين مجلس إدارة جديد، يرأسه رئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مارتينوس، مع الإبقاء على عضوية فريد سليمان (شقيق زوجة الرئيس) في مجلس الإدارة. إلا أن الأزمة المستجدة بين حزب الله وسليمان تهدد الاتفاق الذي يعارضه رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون بشدة، والذي فشلت مساعي المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لإقناعه به. ويمكن الرئيس بري بسهولة تعطيل الاتفاق، نظراً إلى نفوذه القويّ في «إنترا»، وعدم حماسة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة للمشروع من أساسه. في ظل تأكيد المطلعين أن سليمان يتوهم أن مارتينوس الذي كان مفضلاً كثيراً عليه من حصته، لأن تعيينه في هذا الموقع لا يصبّ فعلياً في غير خانة تعزيز نفوذ الوزير السابق جان عبيد عشية الانتخابات الرئاسية. عيّن له الرئيس تمام سلام أربعة وزراء في حكومته، وها هو سليمان يعين له صهره رئيساً لمجلس إدارة الكازينو!
لعل القوى السياسية تضغط على سليمان عبر انتقاداتها لتلزمه بجداول أعمالها. لعل جمهور قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر نفّسا في اليومين الماضيين عن ضيقهما منذ تشكلت حكومة سلام. حال أقربائه ليست من حال هؤلاء، حميد كريدي أخطأ سنوات بحق نفسه حتى لا يخطئ أمام الرئيس. تسقط تجربته القناع عن وجه سليمان؛ ليس سهلاً أن لا يكون للعسكريّ أصدقاء.