ربما ذهبت بعض التقديرات السياسية بعيدا فيما يتعلق بانشغال روسيا في الأزمة الأوكرانية، الأمر الذي يعني التقليل من التشدد الروسي حيال بعض التطورات الطارئة في الأزمة السورية. لكن، وفي الأحوال كلها، فإن العدو الصهيوني لن يتقبل فكرة حل الأزمة السورية ـ أيا كانت الطريقة والشكل ـ طالما كان الحل ينطوي على"شبهة" انتصار سوري، مصحوب بانتصار حزب الله، واكتسابه مهارات جديدة في القتال، أصبح الخبراء العسكريون الصهاينة، يضعونها نصب أعينهم في قراءاتهم السياسية والعسكرية للمرحلة المقبلة.
عول العدو كثيرا على الدعم الأمريكي والأوروبي والسعودي. ولم تقصّر هذه كلها في حشد المقاتلين وتزويدهم بأسلحة نوعية تم الإعلان عنها جهارا نهارا. وعلى رغم ذلك كله، يواصل الجيش العربي السوري وحزب الله تقدمهم .. ، وقد استولوا على اخر معاقل الجماعات المسلحة في يبرود، وهو ما يعني السيطرة المطلقة على المنطقة الوسطى الواصلة بين دمشق والساحل السوري.
ما يعني أن هذا التطور هو بمثابة المسمار الأخير في نعش التقسيم الذي روج الكثيرون له، إذا ما استثنينا المنطقة الشرقية، والشمالية الشرقية. وهي مناطق غنية لن تسمح الدولة السورية بالتخلي عنها، ولكنها في حكم الساقطة عسكريا في حال تم تأمين المدن الكبرى والطرق الواصلة بين الأقاليم والمحافظات، من درعا إلى حلب مرورا بدمشق والساحل. ونقول في حكم الساقطة عسكريا، لأنها حال انتهاء الجيش العربي السوري من المنطقة الغربية، ستصبح هذه المنطقة بين فكيّ كماشة عراقية سورية مشتركة.
هذا كله أصبح واضحا إلى حد بعيد. والجبهة الجنوبية"درعا" والحدود الأردنية التي قيل فيها الكثير، لا تبدو قادرة على تشكيل خاصرة رخوة لدمشق. فالقوات السورية استبقت الأمر بحشود غير مسبوقة، وبعمليات كبيرة في الغوطة الشرقية،مع الاطمئنان الذي بعثت به روسيا بخصوص استحالة إنشاء منطقة حظر جوي جنوب سورية، الأمر الذي يعني أن كل ما قيل عن حشود وآليات تنطلق من الأردن باتجاه دمشق والغوطة، أصبح ضربا من الانتحار.
بل إن هنالك أنباء ـ غير مؤكدة بعد رغم نشرها في غير مكان ـ تتعلق بإبادة 60 عربة دخلت إلى سورية قادمة من الأردن، عبر طريق فرعية جديدة، وأن هذا الأمر تم بالتنسيق بين الاستخبارات الروسية والسورية والإيرانية فلماذا لا يقوم العدو إذن، وأخيرا، بتجربة "الخيار الإسرائيلي"؟ هذا الخيار يبدأ على الجبهة الجنوبية في غزة، ثم يواصل الدحرجة للوصول إلى جنوب لبنان. وهو بهذه الطريقة لن يظهر كأنه إقحام الكيان الصهيوني في الأزمة السورية، وإنما هو"دفاع" عن النفس ضد صواريخ المقاومة في الجنوب، وتهديدات أكبر في الشمال. هل نسي العدو الصهيوني إيران؟ ليس واردا النسيان هنا، ولكن، ربما نكون شهودا على حماقة صهيونية جديدة في المنطقة.