لم تشهد سوريا منذ بدء الأحداث معركة تحمل هذه الكمية من الأهداف الإستراتيجية التي تحملها معركة الشمال السوري، بدءاً من كسب، ومرورا بحلب وادلب وغيرها من المناطق التي فتحت فيها المعارك على نحو واسع، لدرجة أنه بات يصعب تعداد تلك الأهداف.
هي اولا ردا على اقفال "حنفية" لبنان من السلاح والمسلحين من عرسال ووادي خالد وطرابلس وعكار بعد سقوط القصير وبرزة ويبرود والزارة وتأمين طريق التواصل بين دمشق والداخل السوري كما مع الساحل.
وهي ثانيا محاولة تعويض عن الخسارة الإستراتيجية لمنطقة القلمون التي كان متوقعا لها ان تلعب دورا رئيسيا في توفير الدعم والإمداد لمعركة دمشق المخطط لها ان تبدأ انطلاقا من الأردن عبر درعا والجولان ومناطق الغوطة وريف دمشق، وهو توجه يبدو انه لم يسقط بل يعمل على اعادة انتاج الظروف المؤاتية له، ومعارك الشمال تأتي في قلب هذا التوجه، وثمة معطيات عن إعادة رسم هذا التوجه والتخطيط له بوسائل واستراتيجيات جديدة ليست معركة الشمال ببعيدة عنها لسحب القوات السورية باتجاه منطقة الشمال ومحاولة اضعاف قدرات المواجهة لدى الجيش عندما تحين معركة دمشق.
وهي ثالثا تتصل بالمعركة التي يقودها الأميركيون ضد خصمهم الجديد الذي هزمهم في اوكرانيا وضمه لجزيرة القرم، في محاولة "لردة الرجل" في سوريا لاضعاف حليفهم الإستراتيجي تمهيدا للمساومة المقبلة.
وهي رابعا محاولة لإحراز نصر ما، بعد سلسلة الفشل المتراكم ميدانيا، والذي ادى الى توقف مفاوضات جنيف 2 بعد تصلب النظام استنادا الى المعطيات الميدانية على الأرض، علهم يستطيعون جر الأسد ضعيفا الى جنيف 3 تمهيدا للحصول على تنازلات.
وهي خامسا محاولة لإثارة الغبار الكثيف على ازمة اردوغان الداخلية حول فضائح الفساد التي تلاحقه، لا سيما انه في لحظة انتخابات يحتاج فيها الى بعض التماسك والإلتفاف الداخلي، والظهور انه يقودا حربا خارجية تستفز المشاعر الوطنية لدى الأتراك، فيكون بذلك قد غطى على ازماته الداخلية وتصديرها الى الخارج، وربما جاء ذلك بطلب اميركي اطلسي لإستخدام نتائج هذه المعركة في الإتجاهات التي جرت الإشارة اليها اعلاه.
وهي سادسا محاولة للضرب في القلب الموجع للرئيس الأسد بتعكير صفو المناطق الصافية الولاء للنظام، او ربما اسقاط الساحل السوري الذي بقي ينعم بالطمأنينة النسبية، وهذا يفسر سقوط بعض القذائف والصواريخ على اللاذقية وعلى القرداحة بلدة الرئيس وبعض القرى الأخرى المتاخمة او المجاورة. وهي سابعا محاولة لتوسيع هامش سلطة المعارضة في ريف اللاذقية وادلب وحلب والرقة ومناطق اخرى تمهيدا لإرباك الجيش السوري وإضطراره لتوسيع انتشاره، تمهيدا لإعادة البحث الجدي بمعركة دمشق بعد استدراج الجيش الى مناطق اخرى وتوسيع دائرة المواجهة معه تمهيدا لتشتيته وإضعاف قدراته الدفاعية عن دمشق.
وهي ثامنا تتصل بمعركة رئاسة الجمهورية في لبنان لإضعاف سوريا وحلفائها ومنعهم من ان يكونوا مؤثرين في انتاج الرئيس الجديد بعد ان قررت الولايات المتحدة اسقاط مشروع التمديد. وهي تاسعا تتصل بالفشل السعودي الميداني بعد فشل محاولتي الغوطة وسقوط يبرود وقطع يد حلفائها في لبنان عن التأثير اللوجستي بإمداد الثورة بعد الإستيلاء على منطقة القلمون بالكامل وتسكير طرق الإمداد.
وهي عاشرا تتصل بمحاولة استعادة القيادة التي نزعت من التحالف التركي القطري وتم تسليمها الى بندر بن سلطان، ما يعني فشل الدور السعودي في تغيير الواقع ومحاولة استعادة القيادة لصالح المحور التركي ـ القطري.
وهي حادي عشر تستفيد من إنعدام الأرجحية التي كانت توفرها مشاركة حزب الله في المعارك المتاخمة للحدود اللبنانية في القصير والقلمون.
وهي ثاني عشر تتصل بمؤتمر القمة العربي الذي يعقد في الكويت واعادة صياغة المعادلات العربية الجديدة بعد ان بدأت المعادلات التي ارساها كل من سعود الفيصل وحمد بن جاسم وزيرا خارجية قطر والسعودية بالإهتزاز سواء على مستوى الجامعة العربية او على مستوى وزراء الخارجية العرب او حتى على مستوى القمة العربية.
ثمة تكامل واضح في الأدوار والأهداف ما بين اردوغان واسرائيل لجهة إقامة منطقة عازلة شمالية وجنوبية في منطقة كسب، كما في الجولان، لخدمة الأهداف الإستراتيجية التي تحاكي مصالح الطرفين، التركي بالموضوع الكردي وحتى التركماني، والإسرائيلي في موضوع قطع الطريق على المقاومة انطلاقا من الجولان.
لا شك ان لمعركة الرئاسة السورية التي ستجري بعد ثلاثة اشهر دورأ اساسيا أيضا، وهي تندرج في محاولة احداث متغيرات ميدانية تعيق اعادة الرئيس الأسد على رأس السلطة في سوريا بعدما تبين ان فوزه اصبح شبه مؤكدا، ما يعني هزيمة مدوية لمجمل الحلف المعادي الأميركي التركي السعودي القطري الإسرائيلي، لذا من المتوقع ان تتسع المعارك وتشتد في الشمال السوري لمحاولة اعاقة الأهداف التي بات يعتبرها النظام شبه متحققة.