يصف الروائي العالمي عبدالرزاق قرنح -نوبل للآداب لعام 2021، المولود في تنزانيا، لأبوين من أصول يمنية حضرمية- الفترة الزمنية 1948 – 1968، -وهي الفترة الممتدة ما بين ولادته في تنزانيا/ زنجبار وهجرته إلى المملكة المتحدة- بأنها كانت أشبه بـ: “جو صاخب من المؤامرات والسياسة والانتقام … التي جلبتها الحكومة المستقلة”، فقد أُجبر قرنح على الهرب إلى المملكة المتحدة بسبب تراثه اليمني، كما كان أحد أولئك الذين غادروا تنزانيا بسبب الإرهاب الذي مارسته الحكومة الثورية على أشخاص لا يمكن اعتبارهم “أفارقة” بما فيه الكفاية. وقد تزامن وصول قرنح إلى المملكة المتحدة في عام 1968 مع خطاب إينوك باول العنصري والمعادي للمهاجرين الأجانب الذي كان جزءاً من “حملة شيطانية ضد الهجرة”، كما يقول قرنح.
يقول قرنح في روايته “ذاكرة المغادرة”: “يا لها من صدمة لاكتشاف الكراهية التي كنت محتجزاً فيها من خلال النظرات والسخرية والكلمات والإيماءات والتقارير الإخبارية والقصص المصورة على التلفزيون والمعلمين وزملائي الطلاب. قام الجميع بواجبهم واعتقدوا أنهم متسامحون، أو ربما يتذمرون بشكل معتدل، أو حتى مسلي، وفي الطرف المتلقي، بدا الأمر ثابتا وحقيرا. لو كان هناك أي مكان آخر أذهب إليه، لكنت ذهبت”.
وقد ساهم هذا الجو من الكراهية في المملكة المتحدة، جنبا إلى جنب مع ظروف رحيل قرنح من زنجبار، في تشكيل السياق الرئيسي لخياله الروائي والسردي الواسع. وهكذا فإن عالم قرنح الخيالي، كما يلاحظ البعض، ينطوي على “تحريك الكلمات/ العوالم عبر الثقافات ونقل الخيال إلى ما وراء الحدود”.

تعتبر رواية (الجنة 1994) هي الأكثر شهرة وقراءة بين كل روايات قرنح. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن هذه الرواية استعارت حبكتها من أحد القصص الواردة في القرآن الكريم.
تدور أحداث رواية (الجنة) في العقد الثاني من القرن العشرين في منطقة من أفريقيا أصبحت الآن جزءا من تنزانيا، ولكنها كانت آنذاك جزءا من مستعمرة شرق أفريقيا الألمانية. لعدة قرون، كان التبادل الثقافي المهيمن في المنطقة يتألف من التجارة مع الجزيرة العربية والهند. عموماً، فإن الناس في هذه المنطقة لم يفكروا كثيرا في أوروبا. وعندما كان الساحل الشرقي لأفريقيا في القرن التاسع عشر يمثل بوتقة انصهار ثقافي كبير، كان الجميع يتحدث بلغة السواحيلية والعربية، والأماكن البعيدة التي تروي عنها الشخصيات حكايات عجيبة ليست لندن وباريس، بل بومباي وغوجارات.
في عائلة فقيرة في قرية نائية في المناطق البعيدة – يولد صبي صغير، اسمه “يوسف”، والذي تعكس حياته حياة النبي يوسف في القرآن الكريم. وعندما لم يعد والده قادرا على سداد ديونه، يبيع يوسف إلى تاجر ثري يسميه الصبي “العم عزيز”. يعتقد يوسف أن عزيز هو عمه حقا. ومنذاك، يعمل يوسف في متجر العم عزيز في بلدة تجارية صغيرة على الساحل. وبعد بضع سنوات، تصبح زوجة التاجر مفتونة تماما بجماله، وتحاول إغواءه، ويتم رفضها وتتهمه علنا بمحاولة الاعتداء عليها.
ويرى النقاد أن رواية “الجنة” لعبد الرزاق قرنح هي نسيج غني يمزج الأسطورة والأحلام والتقاليد التورانية والقرآنية معاً.
لعدة قرون – قبل فترة طويلة من استعمار الأوروبيين للمنطقة – ازدهرت تجارة الرقيق في شرق أفريقيا، وكان العرب هم الذين انخرطوا في هذه التجارة. وبالنظر إلى حساسيات ما بعد الاستعمار في أوروبا والولايات المتحدة، فإن الكتابة عن تنزانيا ما قبل الاستعمار في شكل قصة بطلها أخذ سيرته الذاتية من القرآن، لها ارتباطها بأشخاص يديرون تجارة الرقيق في المنطقة من قبل.
ومنذ الفصل الأول للرواية يواجه قرنح معضلة الكتابة عن عالم تم القضاء عليه من قبل الأوروبيين، وفي الوقت نفسه عدم جعل هذا العالم مثاليا، ويستهدف الطفولة.
الرواية التي تجري أحداثها في تنزانيا، تتحدث عن الكيفية التي يستخدم فيها الآباء أطفالهم بشكل روتيني لتأمين اعمالهم التجارية، وكيف يختطف تجار الرقيق الفتيات في الخامسة من العمر في وضح النهار، وتناقش الحالات الفعلية لإساءة معاملة الأطفال علناً في الشارع، حيث يمكن إصدار الأمر بتعذيب شخص ما علنا في غمضة عين، في مشهد تراجيدي يهتف له المارة.
الرواية في مضمونها تحكي عن عالم منحط لا يستطيع أن يستعيد براءته ببساطة بسبب قذارة وسلطة الاستعمار، فيما تحاول الشخصيات البحث عن الخلاص، والخروج من بوتقة العبودية إلى رحاب الحرية.