ايهاب زكي
لا جدال في أن الانتخابات في أي بلد حسب القوانين والأعراف الدولية هي شأنٌ داخلي محض، وهي عملية سيادية خالصة، وهذه هي القاعدة رغم بعض الاستثناءات التي تطرأ عليها في بعض البلدان، حيث تخضع عملياتها الانتخابية للتدخلات الخارجية والتوافقات الاقليمية والدولية، أو استثناءات من نوعٍ آخر، حيث البلدان التي لا وجود فيها لعملية انتخابية من الأصل، كبعض تلك القبائل المتدوَّلة، التي تحاول إعطاء سوريا دروساً في الحرية والديمقراطية، والطرائق المثلى في صناعة رئيس ووسائل اختياره، وبعيداً عن هؤلاء المتسلقين على التاريخ والجغرافيا فقد أعلن مجلس الشعب السوري عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفُتحت أبواب الترشيح، وبدأ المرشحون المحتملون بتقديم أوراق اعتمادهم لخوض العملية الانتخابية حسب الأصول.
وقبل هذا الإعلان بدأت تُسَّن السكاكين للتشكيك في شرعيتها ونزاهتها، رغم أن الشرعية والنزاهة دفعان متناقضان، فمن لا يعترف بشرعيتها لا تعنيه نزاهتها، بعكس من يراها مشروعة فيصبح من حقه مناقشة التفاصيل الإجرائية لضمان النزاهة، وأما من لا تنطبق عليه شروط الترشح ممن يصِموا أنفسهم بالمعارضة الخارجية، فعليهم الانزواء قليلاً لحين إعلان النتنائج النهائية، لأن حلوقهم ستجف هباءً دون جدوى ومن غير قدرة على تغيير الواقع بل حتى مجرد التأثير في مساراته، وقد يكون بعض المتفائلين منهم يعتقد بقدرته على تشويه هذا العرس الانتخابي من باب أضعف الإيمان، من خلال الاستمرار فيما يفعلوه منذ ثلاثة أعوام من نواح ونباح.
ولكن في المقابل فإننا نرتكب خطأً فادحاً إن حاولنا الانجرار إلى مهاتراتهم، فحينها ستذوب الفروق بيننا وبينهم، وهذا الذوبان هو أسوأ ما يمكن أن يلتصق بنا من عار، فمجرد التصور ألا فرق بينك وبين الجربة أو المالح والسيدا وأشكالهم، هو كارثة قد تجعلك تخفي وجهك خجلاً لجيلين من أحفادك على الأقل، حيث يعمد البعض للسخرية من المرشحين لشغل المنصب باستثناء الرئيس الاسد، وهنا لا فرق بينه وبين المذكورين أعلاه، حيث أنهم سيمارسون نفس الفعل بالسخرية، ولكنه يتفوق عليهم بالتناقض الفج، حيث أنه يدافع عن الانتخابات ونزاهتها في الوقت ذاته، وهذا تناقض حتى هم لم يقبلوه، وهذا التناقض يعطيهم ما يفتقدونه من مصداقية للدفع ببطلانها، ولكن بالرغم من ذلك فإنه لا يجوز بنا كمدافعين عن شرعية الانتخابات ونزاهتها، أن نكتفي بهؤلاء المرشحين كدليل على النزاهة، لأن جل الأمر الإجرائي والتنافسي والقانوني سيظل مجرد تفاصيل مقارنة بالتداعيات السياسية.
لا يُعيب أي انتخابات الجزم بفائزها، فكل الانتخابات تسبقها استطلاعات رأي تحاكي النتيجة النهائية، ونحن نجزم بفوز الرئيس الأسد لولاية جديدة، ليس لعدم نزاهة الانتخابات، بل لأن هذه هي الحقيقة التي تكاد تتفوق على اليقين والتصديق بما تلمس اليد وترى العين، ولأنه الرجل القوي الذي استطاع الصمود في وجه أعتى حملةٍ استعمارية، واستطاع المحافظة على وحدة الجيش واتحاد مؤسسات الدولة في ظل اقتطاعات الجغرافيا، وإبعاد تحويل الأزمة لحربٍ أهلية على أسس طائفية ومذهبية، وقد اختزل الشعب السوري في شخصه وموقعه ظرفياً مستقبله ووجوده وقدرته على تحقيق النصر، وما قاله هيثم مناع من تبشيرنا في الأيام القادمة أو الأشهر القادمة بخطوات لمَّح لما يشبه الإنقلاب العسكري بها، حين قال بأن الجيش لن يقبل بعد اليوم البقاء على الهامش، ما هي إلا خزعبلات شخص اعتاد أن ينصت لحديث الغرف المغلقة الأجوف كالكثير من الأدمغة، وأنصحه بالإقلاع عن هذه العادة السيئة، فهي تورث الإحباط، فالجيش العربي السوري لن يصبح حزباً، لا بعد أيامٍ ولا بعد أشهر ولا بعد سنين.
إن نجاح الرئيس الأسد المتوقع، هو تجديد لثقة الشعب السوري بقيادته، وهو إغلاق لكل الأبواب التي تسعى لخلق الفراغ، حيث قطع دابر الحديث عن هيئات انتقالية بصلاحيات رئاسية، تسعى لتسليم سوريا للناهشين من كل حدب وصوب، وهي شرعية من صاحب السيادة الشعب السوري، يمد بها جيشه قبل قيادته المنتخبة لمواجهة كل المتربصين سوءً بسوريا أرضاً وشعباً وموقفاً، وأما الحديث عن مناطق خارج سلطة الدولة، فهو حديث لا قيمة له، وحتى لو افترضنا أن جزءً من الجغرافيا خارج سلطة الدولة بفعل الإرهاب، فغير أن القرار باستراجعها قائم، فإن النِصاب القانوني لإكمال وإنجاح هذا العرس قائم.