عن الحسين (ع) أتحدث”
المزمار (١٨)
أين دفنت رؤوس الشهداء؟
نعمه العبادي
أوردت كتب السيرة والمقاتل والتاريخ روايات متعددة ومتضاربة تتعلق بمحل وكيفية دفن رأس الحسين عليه السلام وسائر الشهداء، وذكرت عدة مواضع وكيفيات للدفن، أعرض هنا بعض الأمور المتعلقة بها بأختصار، وهي الآتي:
– مما لا نزاع حوله، ان اعداء الله وقتلة الحسين عليهم لعنة الله، قاموا بحز رؤوس جميع الشهداء ووضعها على رؤوس الرماح، واخذت مع العائلة المسبية إلى الشام في رحلة هي الأوجع والآلم لقلب رسول الله وآله، وفيها روايات وفجائع يشيب منها الولدان.
– إن هذه السابقة الموغلة في الخسة والنذالة والعدوانية، لم تكن معهودة حتى في أزمنة الجاهلية الغابرة، ويندر ان حدث في حرب ما قبل كربلاء قطع روؤس الضحايا وحملها إلى مسافات بعيدة، وسبي النساء والاطفال، وقد شكل هذا الفعل مرجعية قذرة لتوجهات لاحقة سارت على النهج الاموي وتمثلته بكل ما فيه من عدوانية، وقد رأينا في عصرنا الحاضر الكثير من هذه الصور.
– مهما قيل من اعذار وتبريرات لغفلة عامة الناس عن ما جرى في الطف، وعن عدم وجود وسائل اعلام تنقل تفاصيل الحدث، وحتى في فكرة التضليل على هوية العائلة المسبية، فإن اصطحاب الروؤس المقطعة والسير بها لهذه المسافات الطويلة في مسيرة عسكرية مدججة بالسلاح، واعلان الابتهاج والفرح في عموم الشام بدخولها، يضع الجميع بدون اي استثناء أمام مسوؤلية اخلاقية ودينية لإظهار الموقف المناسب تجاه رزية قتل الحسين وآله، وانه اعطى كل الناس برهانا قاطعا واضحا على انحراف السلطة ودمويتها، لذا لا مجال لاي تبرير يطرح لغفلة العامة.
– أكدت الروايات الصحيحة، ان العصابة الاموية، وبعد، ان تلمست بوضوح بروز حالات الرفض والتساؤل حول ما وقع، وتنامي مؤشرات النقمة على السلطة حتى من داخل بيت يزيد لعنه الله، وللمعطيات التي قدمها الركب الحسيني خلال مسيرته، وخصوصا خطب الامام زين العابدين وعمته زينب عليهما السلام، فإنها سارعت إلى لملمة الامور، وتغيب الموكب، وإرجاعه إلى المدينة بأسرع وقت ممكن، وأكيدا كان أخفاء الروؤس أول أولويات السلطة.
– إن الامكنة التي أشير إليها بوصفها مدفنا لكل الروؤس او بعضها وخصوصا رأس الحسين عليه السلام، وبغض النظر عن صحة الرواية التي تشير إليها، أصبحت منطلقات للوعي، ومشاعل للنور، ومحال لإستقطاب محبي اهل البيت في مناطق محاطة بالكثير من اعدائهم، وشاء الله جل وعلا، ان تكون تلك الاماكن بمثابة جزر من النور في محيط متلاطم من الظلام العقائدي المصبوغ بقطيعة اهل البيت وجفائهم.
– ذهبت الروايات الاكثر دقة ومقبولية عند كبار علمائنا إلى ان الروؤس الشريفة، أعيدت الى كربلاء مع الموكب الحسيني، وان الامام السجاد دفنها مع قبورها، حيث وضع علامة ودلالة في كل قبر للإستدلال عليه، وتزامن هذا الحدث، مع الزيارة المشهورة للصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري، وبه صارت زيارة الاربعين التي نعيش ذكراها اليوم.
– من وجهة نظري، ومع الاهمية البالغة للتدقيق في موضوع اي محل مدعى على انه يضم عضو من اعضاء آل بيت الرسول عليهم السلام لقدسية هذا المحل، إلا ان الاكثر اهمية هو البحث في ما ورائيات منهج قطع الروؤس، والبناء الثقافي الذي تم في ظله، والموقف العملي والنظري لكل الاجيال التي شاهدت او سمعت بهذا الحدث الجلل، وكيف تنظر عموم الامة الى هذه الرزية، وما الذي تحصل لديها من موقف اخلاقي وانساني تجاهها؟؟
#عظم الله اجورنا واجوركم جميعا بهذا المصاب العظيم وحفظ الله زائري الحسين واعادهم إلى اهلهم سالمين.. ونسألكم الدعاء والزيارة.