الكاتب: ناجي صفا
لا يسع المراقب للانتخابات التي شهدتها سوريا بالأمس واستمرت حتى منتصف الليل نتيجة الإقبال المنقطع النظير الذي شهدته إلّا أن يقف إجلالًا واحترامًا لهذا الشعب العظيم الذي تخطى كل المحاذير والتهديدات والمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها نتيجة ذهابه إلى صناديق الاقتراع كما هدّده مرتزقة النفط العربي.
لقد انتصر الشعب السوري لوطنه ولدولته ولجيشه الباسل الذي يسطر في الميدان ملاحم البطولة، فأراد الشعب السوري أن يقول ليس الجيش العربي السوري وحده من يتحمل مسؤولية الوطن ويسطر الملاحم البطولية، نحن أيضًا نسطر الملاحم السياسية لنصنع "هارموني" متجانس يعيد صياغة الوطن، ويحدّد آفاقه المستقبلية.
حالة من الذهول أصابت المراقبين وهم يرون جحافل المواطنين تتوجه إلى صناديق الاقتراع حتى في المناطق المشتعلة أو تلك القريبة منها، وفي الأحياء المعرضة للخطر، رغم قذائف الهاون وقناني الغاز المتفجرة، والتهديدات بالقتل والموت.
انتصر الشعب السوري بالأمس انتصارًا سيسجّله التاريخ بأحرف من نور، أدرك بحسه الوطني وبوعيه الفطري ما يراد لوطنه من تمزيق وتدمير، ولتاريخه من تشويه، ولمستقبله من مصادرة.
رد الشعب السوري بالأمس على ترهات الغرب الأطلسي حول الحريات الديمقراطية، ومنعه من ممارسة حق الاقتراع في عواصمه، كما رد على مغاور النفط الخليجي التي ما عرفت يومًا صندوق الاقتراع، فجاء بعضه في الطائرات بمبادرة رمزية للدلالة على رفضه مصادرة حقوقه في اختيار قيادته ديمقراطيًا، وطئوا أرض الوطن لساعات معدودة ليدلوا بأصواتهم في مطار بلادهم ومن ثم غادروا ليثبتوا أنّ حقهم بإبداء الرأي غير قابل للتصرف، وأنّهم مدركين ما خطّط لوطنهم تحت شعارات كاذبة دفعت سوريا بسببها وبكافة مكوناتها ثمنًا غاليًا من الدماء والدمار.
أراد الشعب السوري بالأمس تأكيد ليس فقط حقه الدستوري في الاختيار وإنّما ممارسة هذا الحق لكي لا يبقى معلقا، ولكي يقول للعالم اجمع إنني فهمت الدرس وتلقيت رسائلكم الدموية والتدميرية، وها أنذا أرد عليها بالحبر البنفسجي، حتى السوريين الذين يرزحون تحت الاحتلال في منطقة الجولان المحتل أبوا إلّا أن يؤكدوا مشاركتهم لمواطنيهم في فرحة الاختيار رغم منعهم من قبل القوات المحتلة الصهيونية من ممارسة حقهم في الاقتراع، تجمعوا ومارسوا عملية تصويت بالصور، حمل كل مواطن صورة للرئيس الأسد إعلانًا لولائه واختياره رئيسًا لوطنهم .
تسعة آلاف وستمائة صندوق اقتراع توزعت على مساحة الوطن منها أكثر من ألف صندوق اقتراع في منطقة حمص التي طالما وصفت بأنّها أم الثورة المضادة، وحوالي سبعمائة صندوق اقتراع في منطقة درعا التي انطلقت منها الشرارة الأولى للأحداث، ذلك إن دل على شيء فإنّما يدل على عودة الوعي لأهالي هذه المناطق وإدراكهم أنّ عملية التشويه التي انطلت عليهم في لحظة ضبابية أنّها انتهت وذهبت أدراج الرياح، وأنّ الدولة والدولة فقط هي خيارهم ومآلهم النهائي.
زحف بشري أشبه بالطوفان الذي شهدته السفارة السورية في بيروت عمّ كافة الأراضي السورية وشكل ردًا مباشرًا على أبواق الإعلام المعادي وما سمي بـ"المعارضة" المدعومة بالنفط العربي وروائحه الكريهة الذي شكك بالعملية وطعن في شرعية إجرائها.
بالأمس تجلت حضارة العشرة آلاف عام لسوريا بأبهى صورها ردا على وصف الإدارة الأميركية للانتخابات بالعار، وردًا على أندرس فوغ راسموسن أمين عام حلف شمال الأطلسي ليقول لهما إنّ ردة فعلكما ما هي إلا ردة فعل العاجز واقعيًا وميدانيًا في تغيير وقائع الأرض وهي حالة تعويضية بائسة ويائسة في آن على عجزكما وفشلكما.
لقد توّج بشار الأسد انتصاره العسكري على الأرض بانتصار سياسي استمد شرعيته من الشعب السوري بكافة تلاوينه الطائفية والمناطقية بشكل أذهل المراقبين ووفقًا للقوانين الدولية ولميثاق الأمم المتحدة، وانّ مقولات دكتاتور يقتل شعبه مقولة لم تعد قابلة للصرف في سوق المزايدات السياسية، فليس من شعب في العالم ينتخب قاتله كما يدعي المرجفون
سلاب نيوز .