حسين طليس
مع كلّ خضّةٍ أمنية تصيب لبنان، خاصةً في ملف التهديدات الإرهابية، تعود منطقة القلمون الى الواجهة مجدداً، فيعود البحث الى نقطة البداية مع الخطر الذي تشكّله تلك المنطقة بمسلّحيها، ودورها في عملية ربط الساحة اللبنانية بالأحداث الأمنية الدائرة في جواره من سوريا الى العراق. وبسبب تلك الأهمية، فقد استخدمتها المجموعات المسلحة، منطلقاً لعملياتها الإرهابية في الداخل اللبناني سابقاً، ما استوجب عملية عسكرية ضخمة شنّت على بلدات تلك المنطقة وأنهت الخطر الذي شكلته على لبنان لعدة أشهرٍ مضت، وبعد هدوء أشهرٍ أخرى، عاد الملف الأمني ليطرح نفسه مجدداً على الساحة اللبنانية مع إحباط الأجهزة الأمنية لعددٍ من العمليات التي كان من المنوي شنها،وعاد معه ملف القلمون ليطرح من جديد مع تهديدات جديدة تتحدث عن عودة خطورة القلمون على لبنان. فأية جديةٍ تحمل تلك التهديدات، وكيف يتمّ الرد عليها؟
منذ أيامٍ مضت، خرج على الإعلام تسجيل صوتي منسوب لأمير جبهة النصرة في القلمون "أبو مالك الشامي"، يتحث فيه عن اختراق الأمن اللبناني والتحضير لشنّ عمليات غزو من القلمون نحو المناطق اللبنانية "المحسوبة على حزب الله"، مهدداً ومهوّلاً بآلاف المقاتلين الذين وصلوا الى لبنان فعلياً وهم حاضرون لتنفيذ أية عمليةٍ تُطلب منهم. بغضّ النظر عن المعلومات التي تشير الى شكوك لدى الأجهزة الأمنية في التسجيل الصوتي ومدى صحته، خاصة وأنّ "أبو مالك" الذي يقود مقاتلي جبهة النصرة في القلمون قد أصيب خلال المواجهات الأخيرة ونقل على أثر إصابته الى مستشفى ميداني في بلدة عرسال اللبنانية، إلا أن المعلومات المستندة على معطياتٍ ميدانية تؤكد استحالة أن تعود القلمون لتكون منطلقاً لعمليات جديدة، إذ لا قاعدة للمسلحين فيها ولا منطلق حتى لهم، وهم المشتتون بين الجرود المحاصرة، يتلقّون الضربات ولا يسعهم سوى رفع معنوياتهم بتهديدات إعلامية فارغة، يعلم الأمنيون (والعاملون على ملف القلمون خصوصاً) حجمها ومدى جديتها.
يؤكد مصدر ميداني، أنّ تلك التهديدات لا تعدو كونها استثمار في التوتر الأمني الأخير الذي أصاب لبنان، من أجل تحصيل رفعٍ لمعنويات مقاتلي جبهة النصرة المنهارة بفعل الضربات المتتالية في القلمون، ومحاولة العودة الى الواجهة الإعلامية بعد أن استحوذت داعش على كامل الاهتمام الإعلامي في العراق وسوريا، وسط هزائم تلاحق النصرة على مختلف الجبهات.
أما عن الرد، فيشير المصدر إلى عملية بالغة الأهمية، تمّت منذ يومين، قام فيها حزب الله بالسيطرة على معسكر كبير لجبهة النصرة في جرود بلدة الطفيل، بعد أن أتمّ في الأسبوع الماضي طرد المسلحين من البلدة اللبنانية الحدودية ذات الأهمية الاستراتيجية في معركة القلمون، والأثر الأهم على الوضع الأمني اللبناني.
فالطفيل، بحسب المصدر الميداني، تشكّل عقدة الوصل بين قسمي السلسلة الشرقية لجبال لبنان، الشمالي (القلمون وجرود عرسال) والجنوبي (الزبداني غرب دمشق والجرود الممتدة حتى جبل الشيخ والقنيطرة). وبالتالي فإنّ السيطرة على هذه البلدة الواقعة ضمن الحدود اللبنانية على امتداد حدودي يقسم السلسلة، تقطع طريق الإمداد على المسلحين من الزبداني، وتمنع وصل الجبهات والانتشار الواسع لهم على كامل السلسلة، حيث تحصر مسلحي القلمون في جرود القلمون وعرسال، وتشدّد الحصار على مدينة الزبداني التي تتجه لأن يكون لها عملية خاصة بعد أنباء عن فشل جهود التسوية فيها. أما لناحية الأمن اللبناني، فإنّ السيطرة على الطفيل، قطعت على المسلحين خط هروبٍ وتسللٍ باتجاه الداخل اللبناني، ومنعت استكمال عمليات القصف على البلدات المجاورة للطفيل من الناحية اللبنانية. كذلك فإنّ إبعاد المسلحين عن تلك المنطقة، ساهم في وقاية لبنان خطر تهريب سيارات مفخخة مجدداً اليه عبر المعابر الجبلية غير الشرعية هناك، التي قد تسمح بتسرّب المسلحين والسيارات المفخخة.
أما عن المعسكر الذي تمت السيطرة عليه، فيشرح المصدر الخطة التي اعتمدها حزب الله لمفاجأة النصرة، حيث "اندلعت الاشتباكات في محيط المعسكر بالغ التحصين الذي يعتبر من أهم معسكرات النصرة في القلمون منذ مساء يوم الأحد، بعد أن هرب إليه معظم العناصر التي كانت تحتل بلدة الطفيل، وفيما استمرت الاشتباكات ليومين متتاليين، انقطعت مساء اليوم الثالث بعد أن سحب الحزب عناصره من الجهة الجنوبية"، ليباغت النصرة بهجومٍ خلفي من جهة جرود عرسال بعد أن نفذ "الشباب" التفافاً سمح لهم بالهجوم من الناحية الشمالية للمعسكر، التي كانت بحسب توقعات المسلحين آمنة باعتبارها من الخطوط الخلفية لجبهتهم، مع عودة الإسناد من الجهة الجنوبية، الأمر الذي سبب تشتتاً في صفوف ودفاعات المسلحين أدى الى انهيار سريع لهم وسقوط المعسكر بيد حزب الله.
وبحسب المصدر، فقد ضرب الحزب طوقاً أمنياً كبيراً حول المعسكر مانعاً الاقتراب منه، خاصةً بعد أن عثر بداخله على ثلاث شاحنات كبيرة حديثة الطراز، وسيارات "بعدها شركة" بحسب ما عبّر المصدر، مشيراً الى العثور على كمية كبيرة من قذائف الهاون، بعضها غير مناسب للمدافع الموجودة مع النصرة، ما قد يشير الى نية كانت موجودة لدى المسلحين في استخدام تلك القذائف في عمليات تفخيخٍ للسيارات والشاحنات التي ضبطت، إلا أنّ هذه الاحتمالات تبقى في إطار التكهن إذ لا أدلة حقيقية على هذا الأمر، أما المضحك المبكي في المضبوطات، فكانت كميات كبيرة من الزيت والطحين والمواد الغذائية التي عثر عليها في المعسكر والتي تعود الى المساعدات التي أرسلتها الدولة اللبنانية عبر مبادرة وزير الداخلية نهاد المشنوق الى أبناء بلدة الطفيل، والتي تمّت مواكبتها بحملة إعلامية كبيرة، ليظهر أنّ جبهة النصرة قد استولت على تلك المساعدات من السكان، "ولا مين حس ولا مين دري".