بقلم: نارام سرجون
————-
هاتان صورتان .. واحدة لطلبة مراهقين في احدى المدارس الغربية في غرفة الكومبيوتر يتابعون دروسهم .. والثانية لمراهقين وأطفال عرب في احدى المدن العربية في العراق او سورية أو ليبيا أو في اي مكان فيه اسلاميون وثورجيون .. أي المدن التي تقطف رؤوس الناس ..
المقارنة مؤلمة جدا بين طلبة في مدارس "الكفار" الغربيين يمسك كل واحد بلوحة مفاتيح كومبيوتر ستوصله يوما الى سر جديد من اسرار الكون والوجود .. فيما الطفل العربي في احدى المدن الثورجية هائم على وجهه في الشارع يمسك باعتزاز رأسا بشريا (تم تظليله لاعتبارات اخلاقية) ويطوف به فيما اقرانه يلحقون به مبتهجين ويبدو عليهم الانفعال والسرور وربما الحسد انهم لايمسكون مثله رؤوسا بشرية .. هذا المنظر وحده وهذه المقارنة المؤلمة كفيلة بأن تجعلنا نقاتل هذا الجهل الأسود .. وهذا الجهل المقدس .. ليس خوفا من الموت بل خوفا من أن يرى احدنا ولده مكان هذا الصبي الضائع يمسك رأسا بشريا ويطوف به بدل أن يمسك لوحة كومبيوتر .. الصراع مع هذه الموجة الدينية صراع حضاري ..وانساني .. لاأدري ماذا يقال عن هذه الصورة الا ماقاله أحد الآباء البسطاء والذي كان يتهاتف أمامي مع أحد ولديه اللذين التحقا بالخدمة الالزامية في حلب ودمشق .. فيما ولده الثالث لايزال في الثانوية .. فعندما عرضت عليه الصورة تأملها ثم قال:
أفضّل ألف مرة أن أموت ذبحا وأن يحمل رأسي على رمح أو يتدلى على بوابة حديدية أو قضبان نافذة على ان أرى ولدي مكان هذا الولد التائه الذي يحمل رأسا بشريا .. أي مصيبة أن ترى ولدك وقد صار يحمل الذبائح البشرية بدل الكتب المدرسية ومفاتيح الكومبيوتر وأنت ترى أنك أنجبت سفّاحا ومشروع مجرم؟؟!!
"انني لم أعش لأرى ولدي يحمل رأسا بشريا بيده .. ولم أحلم أن يكون حتى لحّاما للخرفان .. بل حلمت به يكبر ويحمل حقيبة مدرسة ويجلس على طاولة في غرفة كومبيوتر يفتح الدنيا بأصابعه .. بل صدقني انني افضّل أن يموت ولدي ذبحا وأن يحمل رأسه على ان أراه وقد صار حيوانا كما هو حال هؤلاء الأطفال الذين حولهم آباؤهم الى حيوانات .. كل واحد منهم سيحمل رأس صاحبه يوما .. وكل واحد منهم سيحمل رفيقه رأسه عندما يتقاتلان ..ان لم يحمل رأس ابيه وأمه بفتوى ..
أرجوكم قاتلوا قبل ان تروا أبناءكم مكان هذا الصبي المجرم .. وهؤلاء الصبية .. وتكتشفوا أنكم تنامون مع حيوانات في بيت واحد وأن أصلابكم وارحام نسائكم ملوثة بنطاف الشيطان ..
ان هناك شيئا يستحق أن نموت من أجل دفعه عنا بالقوة .. هو أننا نريد أن نبقى بشرا في عقولنا وأرواحنا لا أن نعيش كالبهائم في عقولنا وكالشياطين في أرواحنا .. ولانريد لأبنائنا الحياة ان لم يعيشوا بشرا .. ولن نقبل أن نعيش وأن يعيش أبناؤنا الا بشرا .. ولن يعيش على هذه الأرض .. الا البشر .. أعدك" ..
أمام هذا الأب السوري .. عرفت أن الألم الذي لاضفاف له .. لايوقفه الا .. عزم بلا ضفاف .. عزم يمنحني اياه هؤلاء البسطاء الأنقياء الأبطال .. وهؤلاء الفلاسفة البسطاء الذين لاتعرفهم الأمم لأنهم لايكتبون الفلسفة بل يصنعونها وهم منغمسون في الحياة ويحقنونها بالحكمة … فتعيش بهم الأمم .. ومن هنا يعرف المنتصر ..
—————————————–
وهذا تعليق آخر على الصورة من الكاتب محمد العمر:
في الصور يتوقف الزمن عن جريانه فيثبت للحظة ثم يتابع لتكون وقفته تلك شاهد على أحداثه , إنه يتوقف مرغما و قد لا يتثنى له أن يمسح وجهه و أن يحلق ذقنه و أن يسوي ملابسه ليحسن من مظهره الذي قد يبدو مخيفا , إن الصور تباغت الزمن حقا و كم من صورة قد تشعر بالخجل و العار و كم منها تشعر بالندم و كم منها في هذه الأيام تعجز عن إظهار حقيقة ما يظهر فيها , فقد جهدوا ليقتلوا كل حقيقة لقد جهدوا ليجعلوا للإله الأزلي الرحمة و البقاء مدة صلاحية ظنوا أنها ستنتهي عندما يذكر اسمه فوق أول رقبة تقطع بسكين , و لكن هناك من ظن بالله خيرا فآمن بوطنه و ثبت في مكانه يحدوه أمل بحجم الأوطان بأن الرحمته سوف تناله برغم مما يظهرونها قليلة الحيلة و مستضعفة ,
قد يقول أتباع العهر تلك حالة عابرة سببها قهر و قمع حرما الأب المسكين من شراء لعبة لابنه فيا للظلم و ما قد يفعله , و سيقول الشر مترنما إن الطفولة تنمو سريعا في زمن الربيع الأحمر زمن الخلافة و زمن الله اكبر , فلا شئ في الصورة يستحق الذكر أكثر , إنه مجرد طفل يحمل بيمينه رأس كافر , يا للآيات البينات , ليست هذه صورة بل إنها نعوة تعلن قرب انتحار الزمن و قرب انتهاء الحياة , يتابع الشر و قد افترَ ثغره عن ابتسامة ..
ما " للاختراع " القديم يعرج فوق جمر وعيده هل أن قواه أنهكت هل إن ضررا ما أصابه ؟ ها هوذا يكاد يسقط في قبره المقدس , يا لحنكة إبليس و يا لأعداده تزداد طرا , هذا زمنه و قد تمكن , فالحقيقة فيه تغدو وهما و القيم تنقلب تهما و الحق لا حيلة له و قد استحال عدوا , إنها حرب على الله , يا للآيات البينات , لكن الحقيقة تظهر للحظة لتهمس في أذني الزمن بصوت يكاد يذهب بسمعه هذه الصورة شاهد أعظم عليك و على من فيك ,
إن الحياة بريئة لكنها ذات عزم و إرادة فلا يغيب عنها ترقب محاولات قتلها , وهي تقول مستنهضة الوطن , إن وجودك لن يقدم رخيص كرمى لعيني كذبة ضعيفتين و إن طهرك أمضى و أعمق من أن تدنس وجهه نجاستهم
هؤلاء ليسوا بالملائكة و على الشر أن يُقتل
إن من يحلل موتك على الموت أن يحطم سنين عمره
ألف طوبى لانتقام إرادتي ذلك ما سينطق به الوطن .