المهندس سائر مقصود على صفحة التفكير قبل النوم لمن ما يزال يمتلك تلك المقدرة …. تحسب الحياة صفحة مربعة بخطوط رمادية باهتة ، ورغم العتمة تبقى ظاهرة بعض الشيء تلك الخطوط وبعض النقاط التي تكورت مثل ثدي على يد طفل يمسك قلم الرصاص بثقة لأول مرة ….. خطوط شكلتها شبكات عنكبوت التفكر والتدبر وقد تداخلت فيها خيوط الحب بخيوط السياسة، مقياس الخبز بوحدات قياس الوطن ، تشابكت فيها خطوط الطفولة الطرية ثقيلة على الورقة بخطوط العمر المتدرجة بين الاحترافية والاعتباطية تغمض العين قليلا فتجفل لتفتحها على عجل ، يغالبك بعض نعاس فتغمضها فيعود اليك المشهد مليئا بالنقاط كما في خديعة تلك الصورة المليئة بالنقاط ، … تزوغ الروح خوفا فتجفل مرة تلو مرة ، يشاء النعاس أن يستغل العتمة فيتبرعم أكثر وأكثر ، له في ذلك مؤامرة التعب يتكي عليها ليغيب فيك النوم أشواطا ترتجيها بأحلام لا كوابيس …. تتقلب ذات يمين وذات شمال ، ذات بطن وذات ظهر ، ولا يبقي لك الليل الا صباح متكاسل تعنونه المسؤوليات فتهرب خطوة الى الامام حينا وتختبئ رأسك مثقلة تحت الوسادة تارة أخرى…. وحدها الوسادة تبدل لك نظرتك من كل الاحداثيات وكل الخطوط ، دون أن تدري ودون أن تشاء ، لها كامل الحق والأهلية فهي تبقى معك في كل أطوار العمر ليله ونهاره ، بكل طقوسه وتحولاته ، من أول تجشأ بطعم الحليب الى آخر نفس بطعم الماء وحدها تلهث دوما لأن تلقاها وان لقيتها يتسابق طموحك وهاجسك لارتياح أفضل ، لوجدان اكثر اطمئنانا ، لغفوات أكثر امانا ، لأحلام أكثر بهاء ، لشقاوات مراهقة ، لزفرات تعب ، لآمال نجاح وأحلام فرح …. وحدها الوسادة – حيث شئت أن تسميها- تبقيك مابين نغش وكدر لأن تكون على أفضل وحسبك أن تنسى آلام الجبين والركبة حيث اعتدت السقوط وانت تتعلم المشي خفية عن العيون وتذكر أول مكابرة لفظ لابهام الجوع حين تبدأ الرضعات تتأخر شيئا فشيئا الا ان تنتهي فطام هو كل ما لك : طفولتك ، شبابك ، عنفوانك ، طموحك ، انكسارك ، عجزك ، إلاها هي تلك الوسادة باقية ليتكئ عليها ما بقي لك …..
#صباحكم_سوري ، صباح كل الأكفان التي شكلت فسيفسائها وسادة لوطن ، صباحكم من وطني وسادة هذا الكون المنهك….