توقع الخبير الاسرائيلي «جي باخور» رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط بمركز «هرتسيليا» أن ما أسماه «ربيع النفط» الذي تواجهه دول الخليج حاليا في ظل الانخفاض الشديد لأسعار النفط وعوائده، سيضرب بقوة العديد من الأنظمة في الخليج ويقرب من نهايتها.
وقال الكاتب والباحث الإسرائيلي في مقال نشره علي موقع «Gplanet»: «لم يتوقع أحد في دول الخليج هذا الانفجار، الذي يشبه انفجار بركان فيزوف، ويدمر الجميع، فالقادم هو الأسوأ، فكم رموا وبذروا الأموال على قنوات التلفزيون، ورشوا الشخصيات المهمة في الغرب، واقتنوا الأشياء بإسراف، بالإضافة إلى التبديد والسرقات.. من الآن كل هذا سيتغير، وهذا هو الخراب بالنسبة لهم».
وأضاف: «هذه الأمور ستزداد وضوحا خلال الشهور القريبة»، وهذا تطور جيد: بعد أن صفى «الربيع العربي» دولا عربية حولنا، وغيبها لأجيال، يأتي الآن «ربيع النفط» ليصفي أيضا الدول التي تبقت.
وفي تحليل موسع عن تبعات انخفاض أسعار النفط على الدول العربية، تلك الأسعار التي بلغت ذروتها عام 2008 عندما وصل سعر البرميل 147 دولار، ليسجل الآن 57.8 دولارا فقط، اعتبر« باخور» أن: «العالم تغير وقوة التأثير الهائلة التي ميزت الدول النفطية توشك على التلاشي، وسوف يستغرق ذلك بضعة سنوات، معتبرا أن السبب يكمن في أنه لم تعد هناك مشكلة في مصادر الطاقة، بعد أن حولت تكنولوجيا الصخر الزيتي الوﻻيات المتحدة الأمريكية لأكبر منتج للنفط في العالم، منذ مطلع العام الجاري 2014».
وقال إن العالم تجاوز الآن مرحلة الطاقة ودخل مرحلة الابتكار والتطور التكنولوجي الفائق، ما سيعجل بنهاية الدول العربية، ويقفز بإسرائيل للقمة على حد قوله، ودلل علي هذا بقوله: «هذا هو السبب أن دول مثل الهند والصين وكوريا وغيرها والتي كانت تحذر التقارب معنا على مدى سنوات، بسبب الطاقة العربية، تسارع الآن تجاه إسرائيل، فتطورنا هو إكسير الحياة بالنسبة لها».
نوبة إغماء خطيرة للسعودية
بحسب «باخور»: دخلت السعودية، التي أسماها «صندوق توفير العالم العربي»، في نوبة إغماء خطيرة، فـ 90% من دخلها من النفط، وثبات الأسعار عند سعر أقل من 84 دولار للبرميل يعني بالضرورة أن السعودية ستعاني عجزاً مالياً.
وتساءل «باخور»: كيف منعت السعودية الربيع العربي داخلها حتى اليوم؟ وأجاب: «عبر رشوة المواطنين، فمنذ عام 2012 أنفق نظام «آل سعود» 250 مليار دولار سنويا على رشوة المواطنين، فأغدق عليهم بالمال، وأتخم القطاع الخاص بـ 15% من الإنفاق الحكومي خصصت لمشاريع القطاع الخاص، ودفع رواتب لـ 2 مليون عامل، ليحافظوا على الهدوء».
وأضاف: «كذلك أوجدت السعودية 60 ألف فرصة عمل بالأجهزة الأمنية لتعزيز النظام ورشوة الشباب ذوي الطاقات المحدودة، وتحولت السعودية بفضل سعر نفط يتراوح بين 100- 120 دولار للبرميل خلال السنوات الماضية إلى رابع أكبر مستورد سلاح في العالم، بإنفاق بلغ 67 مليار دولار في 2013».
وتابع: «لماذا لم تخفض السعودية الإنتاج وتؤدي لارتفاع الأسعار؟» ، وأجاب: «لأن الوضع تغير وإذا ما خفضت، سيدخل عناصر جديدة، كندا والمكسيك والبرازيل وكينيا وأوغندا وإسرائيل الصغيرة ( بدء من 2017) وغيرها، بعدما انهارت منظمة الأوبك كحلف احتكاري جثم على صدر العالم لأربعة عقود».
كما ستبدأ الولايات المتحدة التي توفر تقريبا كامل الطاقة لنفسها، في البيع خلال العام القادم وخلال عامين أو ثلاثة ستنافس السعودية كمصدر عملاق ( الآن وبسبب تشريع من السبعينيات يحظر على الأمريكان تصدير النفط، لكن يتوقع تعديله في القريب) حيث سيكون من مصلحة أمريكا إضعاف السعودية.
وإذا لم يكن هناك نفط سيمثل ذلك كارثة للملك «عبد الله» الذي تعدى الـ 90 عاما ولمن سيأتي بعده، حيث بدأ المستثمرون مغادرة البلاد ومنذ شهر سبتمبر انهارت بورصة السعودية بـ25% ( ودبي بـ 31%).
ففي دبي غاصت البورصة بـ 7% في يوم واحد 11 ديسمبر/كانون الأول، ومنذ شهر أكتوبر/تشرين الثاني سُحق 150 مليار دولار في البورصات الخليجية، وحاول الحكام النفخ في البورصات بشراء أسهم محلية بواسطة القروض، لكن الآن تراجعت الأسهم ببطء أقل من سعر القرض.
والآن لم تعد الوﻻيات المتحدة بحاجة للنفط السعودي، لم يعد عليها البقاء أصلا في الخليج، بحسب الباحث الإسرائيلي.
مصر تحتضر
وحول تأثير هذا الانخفاض في أسعار النفط علي ربيع النفط ودولة مثل مصر تعتمد علي السعودية، يقول المحلل الإسرائيلي: «لو أصيبت السعودية بنزلة برد فإن مصر سوف تحتضر»، فمصر التي يبلغ تعدادا سكانها نحو 85 مليون نسمة تفتقر لمصادر دخل حقيقية، وتتعافى السياحة، لكن ببطء، وتتلاشى مصادر الطاقة الذاتية، وقناة السويس حتى بعد توسيعها، لن تمثل مصدر دخل كبير ( الآن 5 مليار وبعد التوسعة يأملون أن يتضاعف الرقم).
وأضاف قائلاً: «تعيش مصر الآن على منح السعوديين، بنحو 10 مليار دولار في العام، فقط لأنها ضد "الإخوان المسلمين"، لكن إن كانت الرياض نفسها تعاني انهيارا اقتصاديا فسوف تقلص أولا المساعدات الخارجية، ووقتها كيف سيعيش المصريون؟».
ويضيف أن مصر تحتاج الغاز الإسرائيلي القريب والرخيص نسبيا، وفي القريب سنرى المزيد من صفقات الغاز الكبرى التي سنجريها مع المصريين، مثلما ستوقع الأردن أيضا.
أيضا تمول السعودية صفقات سلاح ضخمة لمصر مع روسيا، وللبنان مع فرنسا، ومع انخفاض أسعار النفط وعوائده سيتم تقليص هذا التمويل، كذلك هناك الكثير من الأضرار غير المباشرة ستنعكس على هذه الدول المصدرة للسلاح، منها بالطبع، انعدام الاستقرار الأمني.
إيران أكثر الدول تضررا
«باخور» قال أن إيران من أكثر الدول تضررا من تهاوي أسعار النفط وإن الحكومة في طهران قدمت للبرلمان في 7 ديسمبر/كانون الأول الميزانية السنوية بقيمة 293 مليار دولار، والتي تعتمد على مبيعات النفط، وتحديدا على سعر 72 دولار للبرميل تبيع به إيران للصين والهند، لكن السعر الحقيقي هو 57 دولار، لذلك فإن هذه الميزانية غير واقعية، حيث تصدر إيران يوميا من 1.2 إلى 1.5 مليون برميل وتساءل: «إذن كيف ستعيش إيران؟».
وأضاف أنه على خلفية العقوبات وتهاوي أسعار النفط ستضطر طهران لإلغاء الدعم، وفرض مزيد من الضرائب، لذلك من المتوقع حدوث هزات اجتماعية، طائفية وسياسية هائلة، ومن وجهة نظر النظام يمثل هذا كارثة قائمة، ويقول خبراء اقتصاد إنه حال ثبت سعر النفط عند 60 دولار، فسوف تضطر إيران لتقليص نحو خمس نفقاتها، لذلك حتى إذا ما رُفعت العقوبات، ستظل إيران في أزمات واقعة.
وأضاف قائلاً: «سوف يؤثر ذلك أيضا على أطراف إقليمية ترتبط بشكل أو بآخر بإيران، كحزب الله، وحماس والجهاد الإسلامي، والشيعة بالعراق، ما يعني أنه كلما تقلص تأثر طهران بالمنطقة كلما انهار تأثير الشيعة، كذلك جاذبية إيران في عيون أوربا والغرب بشكل عام تنخفض تدريجيا، لذلك فإن فرص التوصل لمعاهدة نووية تقلصت».
قطر أكثر أماناً لكنها معرضة للخطر
وحول تاثير انخفاض أسعار النفط أو «ربيع النفط» علي قطر، يقول «باخور» أن قطر أدركت قبل عامين بعكس السعودية ضرورة تنويع مصادر دخلها، وبالفعل طورت نوع من صناعة السياحة، وتزايدت أعمال شركات الطيران، والمؤسسات المالية، لكن من سيهتم بالمجيء لقطر إذا لم تكن هناك علاقة بالطاقة؟ صحيح أنها تشتري اليوم السياح بأسعار منخفضة وإغراءات اقتصادية، لكن إذا لم يكن هناك دخل من الطاقة ماذا سيحدث؟.
وأضاف: «أسرة حمد الثاني التي تنتمي قطر إليها، أعدت صندوق بـ 100 مليار دولار، تنفقها على عمليات شراء محمومة بأوروبا، خاصة ببريطانيا، من خلال الصفقات والتجارة والعقارات، لكن هذه أعمال أوروبية وليست قطرية، وعندما يتضح أنه لم يعد لدى الدوحة الكثير من المال كما ظنوا، سيبدأ كل هذا في الانهيار، وقد يتهم البريطانيون قطر بالإرهاب، أو شيء من هذا القبيل، ثم يقومون بتأميم الأصول، مثلما فعلوا مع إيران».
وقال أن قطر تستثمر أموالا طائلة في شبكة الجزيرة العربية والإنجليزية والجزيرة أمريكا، والمنظمات الرياضية، والسياسية، لكن قطر معرضة هي الأخرى لضربات اقتصادية.
الخليج الجديد