ليست طهران هي المحطة الثانية بعد كوبا في التطبيع الديبلوماسي.
فالجدار الفولاذي بين طهران وواشنطن لا يزال عالياً جداً وصلداً إلى حد انعدام الرؤية.
وجسور الثقة بين العاصمتين التي لطالما روج لها البعض لم يشيد أي واحد منها بعد.
ولا أحد في طهران أي أحد يقبل على نفسه أن يكون غورباتشوف إيران أو أنور السادات الإيراني الذي يفرط بإنجازات صبر الأمة الاستراتيجي.
والنووي الإيراني وعلى رغم كل ما قيل ويقال عن تقدم ملموس وأجواء إيجابية وبناءة وتقدم في بنود كثيرة فإن الخلاف الجوهري لا يزال يراوح محله.
صحيح أن لا قرار قيادياً حتى الآن في وقف المفاوضات كما ورد على لسان علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. لكن لا شعاع تفاؤل أيضاً عبر من جدار انعدام الثقة من عاصمة المستكبرين باتجاه عاصمة المستضعفين ليصل شيء منه إلى بيت القيادة في نهاية شارع فلسطين في طهران.
فالأمور في شارع فلسطين الإيراني بحسب كل المعلومات والتقارير الخارجة من هناك تشير إلى أن عدم الثقة بالشيطان الأكبر لا يزال سيد الموقف على رغم كل الذي حصل والمياه التي جرت في جنيف أو مسقط أو فيينا.
بل إن ما يتسرب من هناك من كلام يزيد على الموقف الأميركي غموضاً أكثر فأكثر، ما يؤكد أن العاصمة الأنجلوساكسونية الأولى لا تزال تربط بين أي تقدم في النووي الإيراني وبين ضرورة خروج طهران من فلسطين أو الحد الأدنى إخراج فلسطين من خريطة طريق القيادة الإيرانية.
وبينما لا تزال بوابات الشام وقصر الشعب السوري قبلة السياسات الإيرانية الخارجية، فان طهران خطت خطوة أخرى أكثر توسعاً باتجاه التمترس في أكناف بيت المقدس عندما نجحت في إعادة كثير مما انقطع بينها وبين حماس، في خطوة خلطت أوراق المشهد الإقليمي ونفخت فيه الحراك.
بالمقابل فقد حاولت واشنطن، ولا تزال، اللعب في الوقت النووي الممدد الضائع جمع جل من وما اختلف من «حلفائها» العرب والإقليميين تحت مظلة «التحالف الدولي ضد داعش» الزائفة والمثقوبة.
وعبثاً حاولت ولا تزال إسقاط الروبل الروسي أو الريال الإيراني، على خلفية اللعب بحقول نيران النفط الخليجي.
فروسيا تجاوزت اختبار القوة على مستوى سقف العالم الذي بات يحدد انطلاقاً من مثلث هرمز – باب المندب – جبل طارق، وصار مضيق ملقا سلاح ذو حدين.
ومن لا يصدق فليرى ويشاهد قريباً ماذا سيحل بالاقتصاد والبورصة السعوديتين نتيجة هذا الخيار المغامر وكيف سيخرج المارد الروسي منتصراً على حرب الرياض المفتوحة عليه، على رغم إشادة ما ك كين بالرياض.
أما إيران العصامية والتي أتقنت وأدمنت صنعة الالتفاف على حروب التضييق والعقوبات ومحاولات العزل، فقد صارت على مسافة «شمرة عصا» كما يقول المثل العربي الشهير من معاقل الدرعية، بعد الذي جرى ويجري في اليمن السعيد، فأين تذهبون!؟
هي لعبة المصارعة التي تتقنها طهران أكثر من أي لعبة أخرى تحاول واشنطن مرة أخرى اختبار خصمها اللدود عبرها، ولكن هذه المرة فوق الرمال المتحركة.
لكن ما خفي عن واشنطن أكثر بكثير مما كشف لها، إن كانت تظن أنها أصلاً قادرة على لي ذراع طهران من الآن إلى الأول من تموز المقبل.
وواشنطن تدرك أكثر من أي عاصمة أخرى في العالم، بأن قائد سفينة المستضعفين كان واضحاً وشفافاً وصريحاً عندما جمع كادر الدولة الإيرانية في جسمها الديبلوماسي في الصيف الفائت وقال لهم:
لقد اخترنا طريق «المرونة البطولية» نعم… ولكن الهدف واضح… ليس إقناعه… بل بطحه أرضاً!.
انتهى كلام القيادة هنا.
صحيح وألف صحيح، فالأميركي الذي يشيد اليوم بالرياض لحربها على الاقتصاد الروسي، ويحاول رفع بيرقها بوجه البيرق الإيراني، ولم شمل ما انفرط من عقد الحرب الكونية الفاشلة والمهزومة في شكل مدو على سورية المشهد الدمشقي الشهير.
هذا الأميركي الذي تجرع كؤوس السم الخمس المتتالية من الشام حتى فيينا، لم يعد أمامه الكثير من الأوراق ليلعبها ولا القدرة السباقية اللازمة لغلبنا في رياضة المصارعة، ناهيك عن وصول نار الفوضى الخلاقة التي أشعلها في العالم إلى داخل بيت كل أميركي اليوم والربيع سيكون موسم الحصاد، كما يتنبأ كثيرون من العارفين بخفايا بيت العنكبوت.
لم يبق أمام الأميركي إلا طريق واحد يقوده إلى قصر الشعب السوري، وهذا الطريق ثلاثي الأبعاد، إما عبر طهران أو عبر موسكو أو عبر الضاحية الأبية. وما عليه إلا أن يختار أي الطرق أقل كلفة، وأما في ما عدا ذلك فعليه أن يستمر في تجريب المجرب.
أو أن يقرر خوض مقامرات نتن ياهو التي ستغرقه في البحر الميت هذه المرة وليس فقط في رمال غزة المتحركة.
فالضفة الغربية له بالمرصاد هذه المرة، والجولان له بالمرصاد كذلك، والإطباق سيكون شاملاً ومن كل الجهات وعلى كل المديات.
وإذا كان يظن أنه نجح جزئياً في بغداد، فنحن نبشره بأن أرض الرافدين ستكون أقسى عليه هذه المرة من أرض الشام وستخسف الأرض به وبدواعشه على جانبي الحدود العراقية السورية بعد تحرير»القائم» من رجس أبنائه الدواعش.
فما يحضر من ترتيبات وخطط ومشاريع اجتياحات لأرض الدواعش على أيدي كتائب الحشد الشعبي والدفاع الوطني والجيش العربي السوري والقوات العراقية بمساعدة غرف عمليات إيرانية روسية حزب اللهية ستذهل كل من ظن أننا متجهون إلى شهر عسل مع الشيطان الأكبر.
إنها الخسارة المزدوجة هذه المرة يا أوباما.
ليس فقط لن تستطيع نيل الجائزة الكبرى أي طهران كما سماها بوش الابن.
بل إنك ستخسر الرياض هذه المرة بقبيلتها الآيلة إلى الانقراض عاجلاً أو آجلاً.