عبدالله أحمد- خاص بتوقيت دمشق
لا تقتصر الحرب على سوريا في الاستهداف العسكري والسياسي، وإنما هي حرب وجود تستهدف اغتيال التاريخ والماضي، وفرض مستقبل يُراد لنا أن نُحكم من خلاله، في حرب الوجود التي تهدف لترويض الوعي الجمعي للمجتمعات العربية، وللشعب السوري بالأخص من خلال حرب الأفكار، وتكريس لثوابت مفترضة وخيالية وشاذه، عن ماضي عريق يراد استبداله بصورة مشوهة لتهيئة البيئة لأساطير «المسيحية الصهيونية» وطمث الماضي العريق ليرسم مستقبل العبودية لشعوب المنطقة.
خلال عقود حاولت هوليود تشويه صورة العربي والشرق المقدس، والهدف الأساسي هو اغتيال الثقافة الأصيلة، وغزو الوعي الجمعي العربي تحضيرا لمشاريع الهيمنة الأمريكية، من مشاريع التقسيم والإخضاع، والبداية دائماً مع الصورة التي تنعم بقوة التسلل والإقامة الطويلة في الذاكرة، فالصورة قادرة على التوصيل الناجح نحو الهدف أكثر من الكلمة، وهي أداة الدعاية والحرب النفسية كذلك، وبالأخص مع تطور الصورة الرقمية والإعلام الجديد والذي أدى الى تحولات جذرية في الثقافة الانسانية.
مع مشاريع الهيمنة الغربية، كانت البداية في التحضير لبيئة العمل من خلال العبث الثقافي والفكري، وتجنيد الشباب، واختراق المجتمع عن طريق منظمات مشبوهة مثل «المشاع الابداعي» وتنظيم شبكة «الديمقراطيين العرب» وغيرها من المنظمات غير الحكومية والممولة والمدعومة غربياً.
من المثير للاهتمام هي تلك الجهود الكبيرة التي قامت بها، مجموعات العمل التابعة للاستخبارات الغربية في دراسة الدراما السورية والعربية وأثرها، وصولاً إلى التدخل في مجرياتها كما حدث مع مسلسل «باب الحارة»، الذي ساهم في تشوية الصورة الحقيقة لماضي قريب من خلال تكريس زعامة الحارة، والقبضاي واضطهاد المرأة، وتصوير المجتمع وكأنه نسخة طالبانية أو داعشية مخففه «لايت»، مع تهميش لصورة الدولة السورية، واختصارها على أنها زعامات وحارات، وهذا ما دعا دوناتلا دونا التي قادت مجموعات العمل الغربية في سوريا والمنطقة على اختراق هذا الوسط الفني، والتأثير في مجريات الأحداث في الأجزاء الأخيرة، وصولاً إلى شراء الأسلحة البيضاء، وتصوير مجريات افتراضية استخدمت في الحرب على سوريا مع بداية 2011 ، إلا أن باب الحارة ليس الوحيد، وانما هناك أفلام ومسلسلات ساهمت في رسم هذه الصورة الافتراضية المشوهة للماضي القريب.
المجتمع السوري المتحضر والعلماني، والوطني الذي حارب الاستعمار، وانتزع الاستقلال بدماء الأبطال وبوحدة السوريين يراد طمسه واستبداله بواقع افتراضي بعيد كل البعد عن الواقع والحقيقة.
بالمنحى ذاته، تقوم «داعش» باستهداف التراث الحضاري والانساني في سوريا والعراق من خلال سرقة وبيع الآثار وتدمير ما تبقى منها، وقتل الانسان من أجل اغتيال الماضي كذلك، وفرض قوانين الجاهلية الأولى على المجتمع، واضطهاد المرأة والمتاجرة بها.
إنها الدراما ذاتها، ولا خيار أمامنا إلا مواجهتا سواء أكانت ضمن إطار الحرب الناعمة «دراما الحارة» أو من خلال قطعان ومرتزقة «داعش» و«النصرة» والاخوان….» دراما الواقع المتوحش الذي يترجم في قتل الانسان ومحاولة اغتيال التاريخ.
مع اشتداد حرب الوجود على سوريا، بجبهات الغزو المباشر من قبل مرتزقة العالم، والإمعان في قتل الانسان وتدمير البنى والتراث الحضاري، واستهداف الوعي الجمعي من خلال الحرب الثقافية والنفسية من قبل امبراطوريات الاعلام الغربي والعربي التي تقود هذه المشاريع، لا يبقى أمامنا الا أن نقاوم على جميع الجبهات.
قدر الجيش العربي السوري أن يقاوم ويضحي ويحمي سوريا، ويدافع عن قيم الخير والحضارة نيابة عن الانسانية، وقدر السوريين والشرفاء في العالم مقاومة هذا الغزو الذي يستهدف الهوية والتاريخ والمستقبل.
بدماء وتضحيات الجيش العربي السوري، نرسم معالم الإقليم والعالم، وننتصر رغم التهويل والدعاية السوداء والحرب النفسية .. إلا أن إغلاق الفصل الأخير من هذه الحرب يستدعي منا، أن نكون سندا لهذا الجيش العملاق، وأن نحارب سويا من أجل قيمنا ومستقبلنا المشرق … بالكلمة والبندقية وبقوّة الحق سيبقى فيض المحبة يشعّ من دمشق، ولن يبقى لرايات الجاهلية مكان في سوريا أو في هذا الشرق المقدس ….
إنه وعد وإرادة السوريين ..انها كلمة الجيش العربي السوري.