كنت قد نشرت مقالاً تحدثت فيه عن الفلاسفة الرواد العرب وعلى راسهم المنور ابن رشد ، وألمحت إلى أن الغرب وفي الوقت الذي اعتمد على فلسفته في ارساء نهضتهم كان ابن رشد قد حوكم من قبل السلفويين والظلاميين وحرقوا كتبه ،
ولقد رد حفيدي محمد محسن ــ حموده ــ على المقال ثم رددت عليه فرد هو فرددت عليه ،
ولما كان ليس هدفي ابداً التركيز على ثقافة حفيدي ، بل لأنني رأيت في رده وردي عليه هو حوار قد يكون مفيداً لتوضيح موقع الفلسفة اليونانية ومدى الظلم الذي لحق بتاريخنا وثقافتنا وأن المستشرقين قد نسبوا كل الفلسفة والعلم لليونان وكأن المشرق لاعلاقة له بالمعرفة .
.
أشكرك جدي العزيز على المقال ….أنا شخصياً سعيد بقراءتي لأطروحاتك …و لكن أود بتواضع الإشارة إلى أن أوروبا الوسيطية لم تعتمد فلسفة ابن رشد تماماً …ولكن بتعبير أدق اعتمدت شروحاته على فلسفة و منطق أرسطو خاصة وأن التيار الأرسطوطالي في أوروبا انبلج مع تشييد شارلمان للمدارس التي درّست منطق أرسطو في انحاء امبراطوريته مع بداية القرن التاسع …أي قبل ابن رشد بأكثر من ثلاثة قرون…فالإكبار هنا يعود بالمقام الأول لأرسطو بدليل أن الأوربيين آنذاك كانوا يشيرون إلى أرسطو بلفظة (الفيلسوف أو المعلم) وإلى ابن رشد ب (الشارح أو المفسر)…و بطبيعة الحال علينا الإقرار بأن أوروبا شهدت صعود الرشدية اللاتينية إبان القرن الثالث عشر الميلادي و خصوصاً على يد (توما الإكويني) إلا أن أثر ابن رشد لم يجد طريقاً للتأثير بالفلسفة المسيحية الوسيطية (المدرسية) إذ عمدت الكنيسة إلى نسبة نظرية الحقيقة المزدوجة له و هذا ما دفع الإكويني إلى وضع نظرية الاصطناع الكلاسيكي رداً على النظرية الرشدية…أما عن فكرة التأثير الرشدي بالتيارات العلمانية…فعلى الرغم من قول البعض بذلك إلا أنني من خلال الدراسة لاحظت أن النّفَس العلماني كان في أصيله ردة فعل على الثنائية الفلسفية الوسيطية (الأفلاطونية والأرسطوطالية) و ذلك بدأ مع الفيلسوف والراهب الفرنسيسكاني (وليم أوف أوكام) في القرن الرابع عشر (قرن أفول الفلسفة المدرسية) و من ثم تكرس الأمر مع عاصفة الإصلاح الإنجيلي على يد مارتن لوثر في أطروحته الثالثة ….أي أن العلمانية خرجت بالفلسفة من إطارها الأرسطوطالي الوسيطي و كانت ثورة عليه وهذا بنظري لم يكن بتأثير ابن رشد و إنما كان في جوهره انقلاباً على الأرسطوطالية الرشدية والتوماوية….أنا لست في إطار إبخاس ابن رشد مكانته ولكنني أتساءل : إذا كان ابن رشد اكتسب أهميته من شروحه على أرسطو فمن بالحري أهم. ؟؟ الشارح أم المؤسس ؟؟
الغالي محمد محسن ــ حموده ــ الحفيد الرائع الذي نحبه .. ما كتبته هو صحيح كما هو شائع في ما كتبه المستشرقون الغربيون ، الذين نسبوا كل العلم والفلسفه إلى الاغريق ،ــ اليونانيون ــ وهذا ما تدحضه الدراسات الجديده التي تحاول الخروج من تحت عباءة الفكر الاستشراقي الظالم .. المعروف ان العلم والمعرفه ظهرت في الشرق قبل الغرب بخمسة آلاف عام على الأقل ، المشرق هومن علم الحرف والكتابه للدنيا قبل أن تكون أوروبا بمجملها قد وصلت إلى أية حالة حضارية ، والا أين ذهبت حضارة السومريين والبابلين والآشوريين والاراميين والسريان والأنباط وغيرهم وصولاً إلى الفينيقيين ، أين قانون حمورابي الذي سبق الدنيا ، ألست معي أن الفينيقين هم من نشروا الحضاره على سواحل البحر الأبيض المتوسط وفي جنوب أوروبا بشكل خاص . ألم تسبق الحضاره الفينيقية الحضارة الغربية ؟؟ ، أنا لاأنكر الفلسفه اليونانية ولكن اعارض أنها كانت الأسبق تاريخياً ، أعتقد أنك تعلم أن سقراط والرواقيين كانوا مع الحتمية الصارمه وتنكروا للحرية واعتبروا الانسان خاضعاً لقوى خارجية تسيره وانه ليس بمخير ، وافلاطون وافلوطين كانوا قد جمعوا بين الجبرية وشكل من اشكال الحرية وأن الانسان مسيرفي بعض افعاله ومخير في بعضها الآخر . حتى جاء ارسطو فحسم الأمر ووقف مع حرية الانسان الكاملة ، وأنا أقر أن ماكتبه ابن رشد نسب إلى أرسطو وقد يكون ابن رشد قد استفاد من أرسطو ولكن هذا لايعني ابداً أن الفلسفة بدأت عند اليونانيين ، المنطق يقول قبل اليونانيين ماذا كان عليه الشرق هل كان في حالة سكون ؟؟ واعتقد انك قرأت أن ارسطو وغيره كانوا قد تتلمذواعلى يد فلاسفة شرقيين وأن بعضهم كان قد زار حلب وانطاكية وهناك أخذوا بعض علومهم ، الحقيقه الغالي تقتضي انصاف الشرق وتخليصه من الظلم الحضاري الذي لحق به وذلك بنكران دوره ، علينا أن نفكر ونجيب على سؤال ،، عشرة آلاف عام عمر الحضاره المشرقية هل كان المشرق في حالة موات ؟ ، حتى جاء اليونانيون وحركوا العلم والمعرفة ؟، لاأعتقد أن ذلك مقنعاً ،، الغالي آمل أن تحاول وأنت المجد اغلاق تلك الثغرة وذلك باعادة الحق إلى أصحابه والرد على المشتشرقين الظالمين ، وسأختم بفضيحة تخيل أن جميع الحضارات التي تتالت على مشرقنا من السومريين حتى الآراميين أنكر المستشرقون حقناً في أن نكون ورثتها ، واعتبروها كأنها جاءت من كواكب آخرى ، أليس منتجنا الحضاري بكل تفرعاته هو ابن وسليل تلك الحضارات االمتتالية ؟ شكراً أيها الغالي لاضافتك الغنية .
جدي العزيز…أنا لم أقل أن حضارة الإغريق كانت الأسبق تاريخياً على حضارات المشرق..فأي إنسان يقول بهذا لا يفقه ألف باء التاريخ…ولكن علينا ألا نغالي في تهمة الاستشراق…دعنا لا ننسى أن شريعة حمورابي التي عرضت لها مشكوراً لم يكن لنا أن ندركها لولا العالم الفرنسي (دي مورغان) الذي كشف لوحي الديوريت البابليين واللذين دونت عليهما الشريعة وذلك الكشف كان في القرن التاسع عشر…هل كان لنا أن نعلم ما خفي من غابر عصورنا وتاريخنا لولا البعثات التنقيبية الأوروبية…ثم كيف لنا ألا ننسب الفلسفة إلى الإغريق خاصة و أن لفظة "فلسفة" تاتي من المقطع اليوناني "فيلو صوفيا" وتعني محبة الحكمة ؟؟…ألم يكن تالس ابا الفلسفة باعتراف الغرب والشرق؟؟…الفلسفة اليونانية بزغت مع نهايات القرن السابع قبل الميلاد في أيونيا…و قبل ذلك لم يكن هناك إلا الحكماء من الشرق واليونان واللذين أذعنت حكمتهم لسلطان الأسطورة والكتب على ذلك شهيدة…ثم لا بد أنك تعرف أكثر مني أن الفلسفة اليونانية متشعبة المدارس والاتجاهات ومتنوعتها ..والحتمية الصارمة لم تكن سوى إحدى تلك المدارس…فلم لم تأت على ذكر السوفسطائية والأبيقورية مثلاً؟ …اللتين قالتا بحرية الإنسان المستوحاة من حرية الحركة الذرية التي قال بها ديمقريطس…أنت تعلم انني لست عنصرياً ولا يمكن لي في يوم من الأيام أن أزكي أفعال أميركا والغرب الإجرامية…و لكنني أقف مع التاريخ و ما يقوله التاريخ…هل ترى من العدالة أن نتنكر لكل التكنولوجيا و منتجات العلم المحيطة بنا من كل حدب و صوب ؟…إذا كنا على هذا القدر من الشجاعة فدعنا إذاً نلقي جانباً هذه المظاهر و لنعد إلى تراثنا اليوتوبي الطاهر متشبهين في ذلك بشيوخ السلفية…..كل الاحترام والمحبة
الحفيد الجميل الغالي حموده ، على الرغم من الهالة العظيمة التي أحيطت بالفكر اليوناني والذي اعتبر المنبع الأول للتفكير العقلاني ، فان المطلع المحايد تنتابه الدهشة عندما يكتشف أنه لم يكن مبهراً في بعض جوانبه ، فأنت تعلم أن سقراط والرواقيين كانوا من أنصار الحتمية الصارمة وتنكروا للحرية تنكراً كاملاً واعتبروا أن الانسان خاضع للحتمية الآتية من قوى خارجية وهو مجبر وغير مخير ، وكذلك قال مع بعض التعديل افلاطون وافلوطين ، ولكن لايجوز أن ننكر موقف ارسطو والرواقيين الذين ناصروا الحرية وقالوا أن الانسان مخير ، ولكن ايها الغالي حضارتنا في المشرق سبقت اليونانيين بآلاف السنين ، فعندما عرفت الكتابة عندنا كان الأوروبيون يعيشون في الكهوف ، ثم الشعب الذي أنجب حمورابي العظيم الذي يعتبر أبو القانون هل كان شعبه غبياً ؟؟ الغالي عندما كان الفينيقيون يجوبون البحار وينقلون المعرفة لكل حوض المتوسط كانوا جهلة ؟؟ حتى أن بعض الؤرخين يؤكدون أن السفن التي استخدمها " كولومبس " في استعماره للقارة الأمريكية كانت فينيقية ، لأنها كانت الأعمق والأكبر والصالحه للابحار في الأطلسي ،، أما أيها الغالي وبعد أن استعمر الغرب العالم بالذهب والفضة التي سرقوها واغتصبوها من القارة الأمريكية أوقفوا حركة التاريخ ، وراحوا يسخرون العلم والمعرفة في الدنيا لصالح ثرواتهم ،، من هنا وقف الشرق وبات كل شيء يسجل للغرب ، أعتقد أنك تعلم ايها الغالي أن "بنغلادش "التي تعتبر افقردولة في العالم الآن ، كانت تصدر النسيج الحريري الى الدنيا وكانت من أغنى الدول حتى جاء الاستعمار الانكليزي ونهبوا معامله حتي مات من سكانها مئآت الآلاف من الجوع بعد ذلك ، أثق ايها الغالي أنك تعرف أن الظروف هي التي تحكم حركة الشعوب الثقافية والاقتصادية ، فالاستعمار التركي والغربي والصهيونية هي التي أوقفت حركة تقدمنا ،، ولكن أنا أعترف معك أن الدين الظلامي الذي ساعد الغرب على توسعته ونشره يمسك بتلابيب وعينا كاخطبوط ولا يمكن التقدم بدون تمزيقه .. الغالي الحفيد الجميل ومنك نستفيد